تنويه : ليس هذا هو الموضوع الذي سبق و نوهت بأنني بصدد كتابه لشرح أسباب رفضي لقانون منع الإختلاط. بل هو تأكيد للزميل حمد بأننا نقف نفس الموقف العقلاني كما شرحه في موضوعه نحن هنا ،، عند هذه النقطة ! 9
سأتناول قضية إلغاء قانون منع الإختلاط من منظور آخر و يشير إليه بعض الزملاء بأن القضية أكبر من إلغاء قانون الإختلاط. نعم بعد أن ارتفعت أصوات (لا تقف ضد الغاء القانون) و لكنها تنتقد الطرح و التوقيت ، برزت التبريرات بأن ما يحدث هو حشد لقوى المجتمع من أجل نصرة الدولة المدنية ضد الدينية. 9
جميلة هي الدعوى و نحن معها قلباً و قالباً ، و لكن هل هذا فعلاً ما يجري؟ ألم يكن من الأفضل أن تطرح القضية بصورة شمولية على إنها العودة للدولة المدنية و تنظيف الساحة من الممارسات التي شابت العملية السياسية و أثرت في الساحات التربوية و الإجتماعية و الفكرية ، بدلاً من أن تطرح محصورة في قضية خلافية سيستغلها حزب الإنتهاز على تصويرها بأنها دعوى للإنحطاط الأخلاقي و نشر الأمراض الجنسية و دعوةٌ خالصة للفساد؟ أظن بأن هذا الطرح كان سيعطي زخماً أكبر لهذا التحرك و كانت ستتنضم العديد من القوى المحافظة الى مجموعة المطالبين بمثل هذا الأمر و كنا سنكسب الكثيرين و سنرغم الجميع بمن فيهم الإسلاميين على ركوب هذه الموجة تماماً كما حدث في نبيها خمس. 9
الشئ الآخر ، هل عرفنا حجم و حدود المطالبة بالدولة المدنية؟ ما هي مطالبنا تحديداً؟ و ما هي وسائلنا؟ أنا أمتلك تصوراً ، و أنت تملك تصوراً و غيرنا يمتلك تصوراً آخر. لذا فمن يقول بأن التحرك هدفه أشمل من قضية إلغاء قانون منع الإختلاط فهو مخطئ ، لأن ليس هذا ما حدث ، و ليس هناك أفكار محددة و واضحة لمثل هذا الأمر ، بل هي مجرد تبريرات يود البعض ايرادها دفاعاً عن التخبط الذي نعيشه.9
إن أي محاولة لتحليل و فهم الأمر يجب أن يرتكز على حقائق ثابتة على أرض الواقع و هي : 9
القضية أثيرت بعد أن كشفت حدس عن وعود الوزيرة الصبيح لها بالإلتزام بتطبيق قانون منع الإختلاط. بل تعدى هذا الشئ الى أستصدار قرار وزاري قبيل جلسة طرح الثقة يقضي بأن يطبق القانون على الجامعات الخاصة أيضاً ، و ربما جميع المراحل العمرية في المدارس الخاصة أيضاً. 9
من المفارقات المضحكة و التي تبين مقدار السذاجة ، أن تحتفي نفس الجمعية النسائية بوزيرة التربية بعد عبورها للإستجواب بعد أن التزمت بتطبيق القانون و أكثر كما بينا في النقطة السابقة. ثم تأتي بعد أيام لتقيم مهرجاناً جماهيرياً عاطفياً لتهاجم ذات القانون الذي كان ثمن مقعد الوزيرة!! أي ضحك على الذقون هذا. 9
قانون منع الإختلاط ما كان ليأتي لو إستقال أحمد الربعي من منصبه كوزير للتربية. هذا الأمر كان سيرفع الحرج عن الحكومة التي صوتت على مضض حمايةً لبو قتيبة المغوار. و كان يمكنها رد القانون فيما بعد لتجبر المجلس على التصويت و الإحتكام الى أغلبية خاصة لم تكن متوفره للإسلاميين آنذاك. الحكومة مررت ما هو أدهى من قانون الإختلاط و هو قانون الحقوق السياسية للمرأة غصباً عن خشم الإسلاميين و كان بإمكانها أن تفعل المثل مع قانون منع الإختلاط. لكن كرسي بو قتيبة كان في مهب الريح. اليوم كرسي نورية في مهب الريح ، و يا لسخرية الأقدار. 9
المشروع لن يمر في المجلس الحالي. لن يمر ! هذه حقيقة على أرض الواقع !! شاء من شاء و أبى من ابى. نظرة بسيطة الى أسماء أعضاء اللجنتين التعليمية و التشريعية و ستعرف الجواب مقدماً ، خصوصاً و أن لم يؤيد القانون إلا مؤيديه حتى الآن. يعني ثلاثة أصوات بالتمام و الكمال. 9
أنا لن أغوص في النيات و لكن سأقدم للزملاء و الزميلات هذه الحقائق الثابتة و أتركها لعقولكم حتى تحكموا بأنفسكم. إما عن نفسي فقد وصلت للأمور التالية التي بت شبه مقتنعٌ بها و هي : 9
المشروع بطرحه و توقيته السيئ قد قسم الشارع تماماً. مما سيلغي إحتمال الإتفاق على قضايا مصيرية تنموية ، منها على سبيل المثال قانون الأحزاب المقدم من السيد علي الراشد ما غيره!! يا لخسارة وقتنا. فعلاً تخبط ما وراه تخبط و ضياع تام في الأولويات من أجل تسجيل موقف في قضية خاسرة. 9
إحتمالات تعديل قانون المحكمة الدستورية تتضاءل الآن. لأن متى ما قدم المشروع الموجود في أدراج المجلس منذ يونيو 2003 بعد موافقة اللجنة التشريعية عليه و لكنه لم يناقش في المجلس أبداً !! فإن القوى الإسلامية ستراه بعين الريبة على إنه محاولة لإلغاء قانون منع الإختلاط و ستحشد الشارع ضده. بينما المفترض أن يكون مدخلاً أصيلاً و جديداً للإصلاح السياسي و يعزز هوامش الحريات و يكون رافداً للممارسة السياسية الصحيحة المستندة على دستور 1962. 9
القوى الليبرالية أججت مشاعر الشباب و أيقظت الروح فيهم بعد أن عانوا من الوصاية الفكرية و بات الجميع ينتظر عودة الجيداي. للأسف أرى الخسارة منذ الآن و أرى آثارها المدمرة على جهود و طاقات الشباب التي كان يجب أن تستثمر بطريقة أفضل. التيار الليبرالي لا يريد أن يجاهد و يكافح و ينشر فكره. لا يريد مخاطبة الآخرين. ما رأيناه هو أنه يخاطب مريديه ممن يعتقدون بصوابية رأيه حول هذه القضية. و لكنه لم يحاول كسب صوت واحد إضافي. و البعض يعتقد ساذجاً و للأسف ، بأن هذا يكفي. للأسف هذا لا يكفي. يجب علينا التمهيد جيداً لمثل هذه القضايا. يجب علينا التحرك بذكاء ، و فق خطط مدروسة و أهداف مرحلية واضحة و معلنة للجميع. و ليست ردة فعل أو تسجيل موقف ، سرعان ما ستخمد و ستترك الساحة فارغة أمام التيار المنافس. 9
الخسارة المحتمة لن تثبط عزائم الشباب فحسب ، و لكنها ستعطي شرعية و زخماً شعبياً للتيار الإسلامي في هذه القضية و ربما ستغريه بمزيد من التمدد الأفقي و العمودي في مطالبه غير الديمقراطية. 9
قانون منع الإختلاط ينتهك الحرية الشخصية. ينتهك مواد الدستور. ينتهك أبسط مبادئ الديمقراطية. لا يستوي أن يستمر مثل هذا القانون و أن يستهلك موارد مالية ضخمة إرضاءً لفئات إجتماعية معينة. و نحن نطالب بإلغاء القانون فوراً. ما يفعله علي الراشد و رفاقه هو تأخير لهذه المطالبة. أكرر تأخير فحسب !! تأخير و ذر للرماد في العيون حمايةً للوزيرة و كرسيها. من يريد حقاً أن يلغي القانون فعليه أن يطالب فوراً بتوجيه الجهود نحو طرق و تكتيكات أخرى أجدى نفعاً ، و إن كان ثمنها كرسي الوزيرة. 9
أخيراً ، صن تسو محلل إستراتيجي عسكري صيني. كتب رائعته فنون الحرب قبل آلاف السنين. و ما زالت نظرياته تدرس في جميع ميادين الحياة للمخططين العسكريين و رؤساء الشركات و الدول. يقول صن تسو أنه يجب على القائد الناجح أن يختار موقع المعركة و توقيتها بدقة. و أن القائد الناجح ليس من يفوز بمائة معركة متالية. بل هو من يفوز بالمعركة دون أن يخوضها. ما كان علينا أن نخوض هذه المعركة الآن ، و لا في هذا التوقيت. بل كان يجب علينا أن نستثمر جهودنا في أمور أخرى ، و أن نحاول كسب المعركة عن طريق تعديل قانون المحكمة الدستورية و الطعن في جميع القوانين المعيبة و إعتماد الدولة المدنية كخيار قرره الدستور الكويتي ، قانون القوانين ، و وجب على الجميع الإلتزام به. أرجو أن يهدي أحدكم هذا الكتاب الى عمالقة التخيطيط الليبرالي لدينا في الكويت. 9
المفارقة الأخيرة التي تسقط الأقنعة من أمامي يوماً بعد يوم. أن هناك من يعيب على الأمم و الشعوب النضال و المقاومة و يدعو الى عدم تدمير الأخضر و اليابس في معارك خاسرة!! و الآن نرى نفس الموقف الغبي منهم من أجل تسجيل موقف في قضية خاسرة. و لكنهم سيستفيدون منها بمزيد من البروز الإعلامي الذي يعشقونه. ألا نحتاج فينوغراداً يمسحهم من خارطة العمل السياسي؟