في السادس والعشرين من ديسمبر 2010؛ كان لي الفخر بافتتاح "حسابي التويتري" بكتابة التغريدة السابقة. واليوم وبعد حوالي عام كامل بالضبط ، استرجع كتابتها ونشرها تقديراً و وفاءً للدور الوطني المتألّق الذي قامت به تلك المجاميع الرائعة بمعارضة الفساد وتأصيل تلاحم النسيج الوطني ؛ الدور الذي كان -بل وما زال- الكثيرون من مدّعي الليبرالية المنادية لتأصيل قواعد الدولة المدنية المؤسساتية -زوراً وبهتاناً- يستنكرون على أبناء القبائل القيام به؛ ظانـّين سوءاً بأن أي حراك معارض للحكومة هو حق أصيل لهم يفعّلونه كيفما أرادوا و وقتما شاؤوا دون أن يكون للآخرين أي مكان في دائرة صنع قراره. ض
إلاّ أننا وبعد أن سرنا مع زملاء الكفاح الوطني غير المسلح خطوات شاسعة إلى الأمام بدرب الانصهار المجتمعي وترسيخ قواعد العمل البرلماني الصحّي، ظهرت علينا بعد حل مجلس الأمة جماعات من فلول الغوغاء تحاول تجريح كل ذلك الجهد المبذول؛ من خلال تجديد الدعوة لاختيار مرشحي الانتخابات العامة القادمة عبر البدعة الديمقراطية المسمّاة "التشاوريّات" أو كما هي معروفة لدينا جميعاً بالانتخابات الفرعية للقبائل.ض
ولن أجامل هنا أبداً ؛ حيث بلغت درجة الغثيان أوجّها من "كم الاستعباط السخيف" الحاصل من أولئك المبررين لدعواتهم للانتخابات الفرعية بأنها تحدث كذلك في مكاتب الحركات السياسية و الأحزاب وفي المساجد و الحسينيات وبين أبناء العوائل و التجاّر و السّادة؛ بل و أنها أيضاً تحصل في أمريكا لاختيار ممثليهم للانتخابات الرئاسية، وقياساً عليه فللقبائل أيضاً حق "التشاور" لاختيار مرشّحيهم للانتخابات البرلمانية!! ض
وبنفس درجة استعباط أولئك المتفذلكين الساعين لتجميل هذا الالتفاف على قانون تجريم الفرعيات أتساءل: هل ما تخرجه لنا "إنتخاباتكم التشاورية" من مرشحين هم نظراء بالرؤية والفكر لـ "باراك أوباما أو بيل كلنتون أو جورج بوش" حتى تقارنو "فرعياتكم" المقيتة بما يجري في الولايات المتحدة؟ ض
إن ما تقومون به أيها الأعزاء الدّاعين للانتخابات التشاورية الفرعية هو أسلوب فرز سيء لاختيار مرشّحيكم للانتخابات البرلمانية و لا سبيل لمقارنته بما يجري لدى الحركات السياسية والأحزاب، فأولئك حين يلتم شملهم لاختيار المرشحين تكون اجتماعاتهم خلف أبواب مغلقة بأماكن معلومة وبآليات واضحة و ليست خـِفـْية وبأساليب كوميدية متنوعة لطمس حقائقها مثل تصويت مزاين الإبل أو الاشتراك بتويتر أو واتس أب وصولاً تسمية المرشحين بأسماء "بزارين و ورعان" لم يبلغوا السن القانوني . ض
وبخلاف ما تقدّم من القدرة على التفنن في اختراع آليات الحيلة و الإفساد بين الدافعين للالتزام بالفرعيات، فأننا لم نسمع يوماً أن تم نقاشاً داخلياً بين المرشحين حول البرامج الانتخابية الوطنية أو الرؤية التنموية لتطوير الكويت أو حتى مدى التزام كل مرشح بالبرنامج العام الذي ستظهر من خلاله القبيلة بمرشحيها للساحة. بل كل ما يُنقل لنا عبر الأحباب إن "فلان اللي يشتغل بالصيانة في شركة النفط فخذه أكبر وفلان العقيد بالمرور يقول مشّى معاملات أكثر وفلان الدكتور اللي فخذه أصغر يقول إذا تم انتخابه عنده قواعد خارجية من الأقليات ممكن تضمن كرسي القبيلة ..الخ!" لا و تزداد المأساة حين نرى أن المنافسة الانتخابية "التشاورية" تتم بين الليبرالي و الإسلامي و الدكتور و "المهبّل" كلهم سواءُ بسواء كونهم يحملون ذات لقب القبيلة وباستطاعتهم دفع مبلغ عربون الترشيح!! ض
وعلى الرغم من كوني شخصياً أتمنى -وفي ذات الوقت أعمل دائما-ً على أن يكون العمل والتنافس السياسي يجمع في نفس الفريق كافة أطياف المجتمع ، إلاّ إنني وكما الكثيرين قد نقبل على مضض لو كانت هذه حقاً عبارة عن اجتماعات تشاورية تتم بين وجهاء القبيلة وعقلائها من جهة والمرشحين من جهة أخرى ؛ تتم من خلالها تزكية (أو حتى التصويت المـقــنــّـن لـ) المرشّح الواعي لحقوق بلده لا ذلك الساعي لملأ جيبه وتنفيع أقاربه. ض
و أجده لزاماً علي في هذا المقام التشديد بأن المرشحين الرافضين لدخول الفرعية - كمسلم البراك والدقباسي والصواغ ومحمد هايف و خالد طاحوس و و و – وبكل أسف لا نرى منهم دور حقيقي جهاراً نهاراً لمحاربة الفرعيات ولا نسمع "الصراخ على قدر الألم" لما تسببه من هتك للنسيجين الوطني والاجتماعي القبلي ( بين أبناء العم)، بل لا نجد منهم سوى التغاضي عن المساوئ الكثيرة -الواضحة للعيان- خوفاً على جرح مشاعر أبناء القبيلة وكذلك حتى لا تتأثر حظوظهم بكسب الأصوات المؤدية للكرسي الاخضر. ض
ولا يوازي أولئك بدورهم السلبي السيء المهادن للفساد الديمقراطي المتكرر في عقر دارهم سوى نظرائهم المتناقضين فكريا ً ممن ذهبوا "فزّاعة" للمشاركة بالتجمعات المطالـِبة بتطبيق الحكومة للقانون و عدم التفافها على الدستور(بترحيل الاستجوابات وعدم حضور الجلسات) و من ثم هم أنفسهم يتحايلون على القانون وتجريمه للانتخابات الفرعية، ويشاركون بها على أنها تشاورية!! ض
ختاماً، إن انسلاخ أبناء القبائل عن ثوب التبعية الذي نسجته لهم سلطة "المصالح وفرّق تسد" لم يكن بالأمر الهيّن، لذلك فإن خير ما نتمناه من و لأبناء القبائل هو الاستمرار بتأييد هذا النهج الاصلاحي المعارض من أجل الضغط على الحكومة لتفعيل الدور الحقيقي لدولة المؤسسات المدنية التي تساوي بين الجميع، وتأكيد تلك المطالبات بالتسابق الالتزام بتطبيق القانون. ض
دعوا عنكم الانتخابات الفرعية، واتركوا لكل فرد من أفراد القبيلة الحق في الترشيح دون ضغوط، وليكن الحراك التصويتي بين كافة أبناء المجتمع مبني على الكفاءة و القدرة على العطاء لجميع الكويتيين وليس العرق و الأصل والفخذ والبطن. ونادوا في ذات الوقت أن تعامل السلطة والحكومة المواطنين سواسية ابتداءً من تشكيل الحكومات وانتهاءً بالخدمات العامة ، لا بتمييزهم حسب القبيلة هذه او العائلة تلك بناءً على نتائج الانتخابات البرلمانية، ولتكن رسالتنا واضحة جلية لهم بأننا سئمنا من التفريق بيننا ككويتيين!! ض
ولمن يود الاستمرار بفرعياته و تشاورياته نقول له بالعامية: ترى لاعت كبودنا ، وصرنا بالفعل كارهين فعلتكم هذي اللي قاعدة تنخر بعظام وحدتنا الوطنية يوم بعد يوم، فـ بطلوا قبل لا تتحول الحالة من الكره للفعل إلى الكره الفئوي ومن ثم الكره الشخصي. ض