طالعتنا الصحف اليومية بآخر تصريحات وزير الخارجية (المستقيل) الشيخ دكتور الإقتصاد السيد محمد صباح السالم حول قانون الإستقرار المالي و التي تحدى فيها مناوئي القانون و توعدهم بأن يقارع الحجة بالحجة و يرد المنطق بالمنطق و يغلب الرأي بالرأي مؤكداً بأن الهدف من مرسوم الضرورة سامي و هو لحماية مدخرات أهل الكويت رافضاً في الوقت نفسه أثارة النعرات و تقسيم المجتمع من قبل مناوئي القانون. 9
حسناً يا دكتور لنقارع الحجة بالحجة و لنرد المنطق بالمنطق و لنرجح رأيٌ على رأي و لو إن الكفة ليست في صالحك ، فلقد تعبت الكويت و مل أهلها من سماع الوعود و الشعارات الحكومية حول الإصلاح و مكافحة الفساد حتى باتت هذه الشعارات نكتة سمجة و أطلق على ديرتنا "ديرة بطيخ" و ما أكثر باعته و مروجيه و مسوقيه هذه الأيام. 9
لنتكلم أولاً عن حماية مدخرات أهل الكويت ،، هل لك أن تتفضل و أن تتكرم لتشرح لي كيف سيحمي هذا القانون مدخراتي الشخصية فأنا لا املك حساب تداول في سوق الكويت للأوراق المالية. أيضاً هل لك أن تشرح لنا فلسفة القانون و هل تريد القول بأن الشركات المتعثرة هي ملكٌ عام للشعب الكويتي يبرر بموجب هذه الملكية إستخدام الأموال العامة لإنقاذها بموجب هذا القانون ؟ أم إنك تقصد بأن هذه المؤسسات المالية مساهمة في الدورة الإقتصادية ؟ طيب ممكن تشرح لنا إسهاماتها من توظيف و تدريب و ضرائب و تقديم خدمات و تحسين مستويات و توفير فرص ؟
أنا أعرف الكثيرين ممن فقدوا الكثير خلال هذه الأزمة ، لكنهم لم يحملوا أحداً سبب هذه الخسائر ، و أعرف تماماً بأنهم لن يسمحوا بأن يمدوا أيدهم للتطاول على يد غيرهم "دون إستئذان" من أجل تمويل خساراتهم. هذا "منطق الطرارين و الشحاتين" ،، هذا ليس منطق أهل الكويت .. لكن يا بو صباح .. هناك من يسعى الى أن يجعل شعب الكويت يفكر بمثل هذا الإسلوب .. يحاول أن يساومه على كل شئ .. أكل عيشه .. حريته .. بل إن الإلتزام بالدستور اصبح منة على أهل الكويت و ليست من ثوابت النظام والحكم ! 9
هل هناك أزمة ؟؟ طبعاً هناك أزمة فهل خلى ثغرٌ أو مرفق في الكويت إلا و قد إمتلأ بالأزمات ؟ لكن لنشخص أسباب هذه الأزمة و لنحاسب من تسبب بها لا إن نكافئه باطفاء خسائره منها. و من يطفئ النار يا ترى ؟ هل هو نفس من تسبب في إشعالها و تأججها ؟ كيف لنا أن نعطي هذه الصلاحيات الواسعة الى الفريق الحكومي المنغمس في هذه الأزمة ؟ فما الأزمة إلا صناعة محلية كما خلص تقرير ميريل لينش كشفتها ، و إن لم تسببها ، الأزمة المالية العالمية. فشركات الإستثمار كانت تقامر و تدخل الأسواق عبر القروض غير المبنية على أصول ثابتة بل كانت تسهم بخمسة بالمائة فقط من قيمة هذه المشاريع و تترك لباقي البنوك تمويل مشاريعها. فمن يحاسب إدارات هذه البنوك ؟ و من سيحاسب البنك المركزي و ضعف رقابته و غضه للنظر عن الكثير من التجاوزات كما حدث في بنك الخليج ؟
9
هل تريد أن تصور معارضة هذا القانون على إنه حسد من البدو للتجار ؟؟ هل هذا منطق السلطة الحريصة على عدم إثارة النعرات و تقسيم المجتمع ؟؟ هل تعتقد بأنني أنا بدوي (أتشرف بذلك) مثلاً لذلك فأنني اعارض هذا المرسوم المعيب ؟ إن محاولة تصوير معارضي هذا المرسوم بانهم حفنة من البدو الغوغاء هو "أمر مرفوضٌ تماماً" و يؤكد عجزكم عن فهم هذا الشعب. 9
ففي عز أزمة التأبين خرج السلفي ساجد العبدلي و الليبرالي عبداللطيف الدعيج يدافعون عن الشيعة ، فهل لك أن تذكر لنا من أشعل فتيل تلك الأزمة ؟ ألم تكن السلطة ؟ ألم يكن وزير الداخلية ؟ ألم تكن جريدة العفن التي نعرف من هم ملاكها ؟ في الوقت ذاته ، نرى إن الشيعة هم أول من يستنكرون تصريحات المأفون ياسر الحبيب و أول من يطالب المهري بالصمت ، فهل لك أن تذكر لنا من أخرج الحبيب من سجنه و سمح له بالهروب ؟ و من يستقبل المهري ليمنحه ذلك البريق الإعلامي ؟
و حين نتكلم عن أهل القبائل ، فإننا نتعاطف مع شريحة عريضة أستغلت بواسطة السلطة أسوأ إستغلال. فمن يحاول إبتزاز أهل القبائل بالتسريبات عن إزدواجية الجنسية و من هو من يرفض هذا الإبتزاز ؟ من حاول أن يوغر صدور أبناء القبائل حين حاول تطبيق القانون فجأة و بعد سنوات من تشجيع الإنتخابات القبلية و الطائفية و طبقها على قبائل دون قبائل و بإسلوب تعسفي بوليسي ؟
هل تعتقد يا سعادة الوزير بأن تستطيع أن تستيقظ من النوم فتشرب قهوتك و تذهب الى المطار و تطلق التصريحات متوقعاً بان يصدق أهل الكويت هذه الحجج ؟ دعني أسترسل إذاً بما أعتبره وجهة نظري الشخصية .. 9
أنتم سبب ما يجري في الكويت يا معالي الوزير .. فلقد سمعنا عن بنك الخليج و عرفنا أن ملايين الدنانير قد ضاعت من حقوق المساهمين و إكتشفنا إن هذه الأموال قد أعطيت على هيئة قروض لأعضاء مجلس إدارة البنك دون ضمانات و إن لا علاقة للأزمة المالية بما حدث ، فما كان يجري كان بمثابة القمار. تدخلت الدولة و ضخت الأموال لإنقاذ حقوق المساهمين .. لكن من المتسبب فيما حدث و هل تمت معاقبته الي يومنا هذا ؟ لم نسمع بمحاسبة أحد ناهيك عن معاقبته و التحفظ على ممتلكاته إسترجاع الأموال التي أهدرت بواسطته الى عموم المساهمين. فلقد تغاضت الحكومة عن تعديات بعض رؤساء الشركات وتجاوزهم لقوانين ولوائح وزارة التجارة ، والبنك المركزي ، سواء في تداولات الأسهم في البورصة قبل وأثناء الأزمة ، أو في تجاوزات صناديق الاستثمار في غيبة رقابة البنك المركزي مما أدى إلى ضياع أموال المواطنين وصغار المستثمرين بدلا من استثمارها تقوم بتمويل الشركات التي أنشأت تلك الصناديق بأساليب ملتوية ومتحايلة على القانون من خلال تمريرها على طرف ثالث، ثم إلى نفس الشركة مخالفين بذلك تعليمات البنك المركزي. 9
أنتم أضعف من أن تطبقوا القانون لأسباب جوهرية .. منها إن السلطة لا تمتلك "الكفاءة" على إتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح بالأداة الصحيحة .. و ما إقرار مرسوم الضرورة هذا إلا دليل على ما أقول. قبل أشهر معدودات ، سرت النقمة على حكومة ناصر المحمد ، و تجلت الحكمة في قبول إستقالته و إستقالة حكومته و تعالت المطالبات ليس فقط في تغيير الشخوص .. لكن في تغيير النهج الذي يقودنا الى الهاوية .. لكن ركبنا العناد و إحترمنا إرادة السلطة و إنصعنا لها .. و اليوم تتتجلى الحكمة مرة أخرى في قبول الإستقالة و إبعاد ناصر المحمد عن رئاسة الحكومة. فمن هو المسئول عن إهدار الفرص الواحدة تلو الأخرى ؟ ماذا حدث في الفترة ما بين الإستقالتين ؟ ماهي المشاريع اتي أقرت ؟ بل العكس رأينا المشاريع تلغى و الثقة تزول و القرارت تمسح ! أقريتم اكبر ميزانية في تاريخ البلد فماذا إستفاد المواطنين ؟ و منو هو المسئول عن تدهور الثقة بكم ؟ و بكفاءتكم على مواجهة الأزمات كما تحاولون أن تقنعونا اليوم ؟
بل إن الحديث عن كفاءة السلطة بتطبيق القانون بصورة صحيحة هو حديث سابق لأوانه. فالسلطة غير "قادرة" على تطبيق القانون و إلا لما رأينا هذه المظاهر السلبية. فالبنك المركزي لم يتحرك لمحاسبة البنوك الجشعة التي تمادت في غيّها خلال أزمة القروض. و الحكومة هو أيضاً من تقاعست عن مراقبة الشركات الإستثمارية و تدقيق حساباتها. فكيف لنا أن نرجع الى من تسبب بالمشكلة لنطلب منه حلها ؟
دعني أكمل يا معالي الوزير ،، إن الحديث عن قدرة السلطة على تطبيق القانون هو أيضاً حديث سابق لأوانه ، بل أنا أدعي بأن السلطة غير "راغبة" في تطبيق القانون و ليست لديها "الإرادة" لذلك. فمنذ 2003 و نحن نسمع عن شعارت الإصلاح و مكافحة الفساد .. و فساد البلدية اللي ما تشيله البعارين. اليوم يا شيخنا الفاضل .. الديرة أصبحت كلها بلدية ! مؤشرات الفساد تضخمت و تصنيفات الشفافية تراجعت و كل شئ تدهور .. حتى ثقتنا بإرادتكم و رغبتكم في "تغيير المنهج" قد تدهورت أيضاً. 9
لقد تراكمت فوائض مالية كبيرة تقدر بعشرات المليارات في الفترة ما بين 2003- 2009 واعتبرت هذه الفترة طفرة مالية في المنطقة توافقت مع تغير ايجابي في مواقف الشركات العالمية تجاه إقامة المشاريع في الكويت الناتج عن الإستقرار الأمني بعد زوال النظام العراقي البائد ولكن السلطة للأسف لم تستغل تلك الفوائض في بناء مشاريع تنموية كبيرة توفر فيها آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين ولا هي التي قامت في بناء مشاريع بنية تحتية وخدماتية يتلقى فيها المواطنون خدمات راقية تليق بهم في دولة تتمتع بكل مقومات الرفاهية ولا هي أيضاً رجحت الادخار والاستثمار للفوائض بصورة أفضل و لا حتى طورت صناديقنا السيادية فأصبح المواطن تحت وطأة الديون والمصاريف العالية بسبب أزمة السكن و تدهور خدمات التعليم و الطبابة ولا زال الغلاء يهدد استقرار مستوى معيشة المواطن الكويتي، وكل هذا وغيره مرجعه الرئيسي هو تخبط وتردد السلطة وفقدانها للرؤية التي تدير بها الدولة ويتخذ فيها القرار. 9
إن القيمة السوقية للسوق الكويتي في نهاية 2007 كانت تقدر بسبعة و خمسون مليار دينار وانتهت في نهاية 2008 إلى ثلاثة و ثلاثون مليار دينار ثم إلى سبعة و عشرون مليار دينار في مطلع العام الحالي أي أن الكويت فقدت من مدخرات مواطنيها وشركاتها واستثماراتها ما يقارب ثلاثون مليار دينار غالبيتها في أقل من خمسة أشهر عجاف اتسم فيها التحرك الحكومي بالبطء والتراخي. و في الوقت الذي رأينا فيه رؤساء الدول المحترمة يتابع بنفسه الأزمة المالية رأينا مسئولينا إما يذهبون الى رحلات الحداق و القنص أو يتجهون الى رحلات الإستجمام موكلين أمر التصريحات الى وزير المالية الذي عجز تماماً عن إنذار المواطنين بحقيقة الوضع بل فضل دغدغة المشاعر و الأماني في التصريحات التي أثبتت الأيام خطئها. 9
و لكي لا نظلم حكومتنا بمقارتنها بالدول المتقدمة ، لنقارن إجراءات حكومتنا و باقي حكومات المنطقة ، فحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت أن معدل الإنفاق العام سيبلغ 21% لعام 2009، وفى المملكة العربية السعودية أعلنت الحكومة أن معدل الإنفاق 16في المائة وفي سلطنة عمان يستهدفون معدل 11% للإنفاق العام، في حين أن الكويت تخرج بأقل نسبة إنفاق استثماري في الخليج. إن الذين فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص من سبتمبر 2008 إلى يناير 2009 يزيدون عن 1600 موظف كويتي، لم يلتحق منهم بوظائف أخرى إلا ما يقارب 500 موظف ، مقابل نفس الفترة للعام الذي قبله، فإن الذين خرجوا 500 موظف ، وجميعهم التحقوا بوظائف أخرى ، بمعنى أن عدد الذين تم تسريحهم من وظائفهم في القطاع الخاص خلال الأسابيع الماضية يقارب 1100 شاب كويتي. و على ذلك فإن ألف ومائة أسرة كويتية فقدت دخلها الشهري وموردها المعيشي مهددة بفقدان واهتزاز أوضاعها. و اليوم تكافئ الحكومة هذه الشركات بتمويل خسائرها من أموال هذه الأسر !! 9
لأكن صريحاً معك يا سيدي .. اليوم .. أنا على قناعة بأن الهدف مما يجري هو إضاعة الوقت فقط .. و إضاعة الوقت هذه هدفها شفط الفوائض النفطية بأسرع ما يمكن و إلهاء الشعب في أمور جانبية ، و أرى إن هذا المرسوم يصب في نفس الإتجاه. فهل يمكنك يا معالي الوزير بأن تقنع طفلاً صغيراً بان هناك عدالة في توزيع و إستغلال الثروة ؟ هل تعتقد بأن من يكتب هذه السطور يحصل على نفس الفرصة التي يحصل عليها أحد أبناءكم. إننا نحبكم و نقدركم و ندين بالولاء المطلق لكم فأنتم قادتنا. لكن يتوجب علينا أن نصدقكم القول أيضاً : هذه الأموال هي ملك للشعب و لن نسمح لكائن من كان أن يتطاول عليها ، تاجراً كان أم طالباً لإسقاط القروض. و لن نسمح للحكومة التي لا تمتلك لا الرغبة و الإرادة و لا القدرة و لا حتى الكفاءة على تطبيق القانون و إحقاق الحق بأن تستخدم هذا المال في شراء ولاءات المتنفذين و لنا في هذا تفصيلٌ في مقال قادم إن شاء الله. 9
اللهم إني بلغت اللهم فأشهد ،، 9