الحوار هو أحدى الفضائل التي نص و حث عليها الدين الأسلامي و أرسى قواعده و آدابه حينما ورد في سورة سبأ أن الرسول محمد كان يحاور غير المؤمنين شارحاً ومبيناً ومبلغاً. ولكنهم كان يصرون على ان الحق الى جانبهم. فحسم الحوار معهم على قاعدة النص: {انا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سورة سبأ) لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور تاركاً الحكم لله، وهو اسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره حتى ولو كان على خطأ
كما أن الأختلاف هي من شواهد عظمة الأسلام حينما أقر بأن ثقافة الأختلاف هي من مظاهر رحمة الله في عباده و أن احترام الآخر يشكل قاعدة من قواعد السلوك الديني في الاسلام و هو احترام لمبدأ حرية الاختيار والتزام بقاعدة عدم الاكراه في الدين. فالحوار هو لغة التفاهم الإنساني، وعبر الحوار يستطيع البشر أن يوصلوا للآخرين أفكارهم ومعتقداتهم، بالإقناع والتفهم والاحترام، وهذه هي القاعدة الأساسية التي يتفق عليها العقل البشري وعقلاء الأمم
نعيش اليوم وسط دوامة من الأفكار المتلاطمة و صراعات فكرية لا نهاية لها بسبب الثورة المعلوماتية التي قربت المسافات و فتحت الحدود لمفاهيم و أفكار جديدة علينا ألزمتنا بأتباع مناهج جديدة في الأستقراء و أستخلاص المواقف. و تعتبر المواقع الألكترونية كالمدونات و المنتديات أحدى وسائل نشر الأفكار و المفاهيم الجديدة التي قد تكون غريبة (لكن ليس بالضرورة خاطئة) على عقولنا
إن فهم الآخر عبر الانفتاح عليه، يزيل الكثير من التشوهات التي خلّفها الزمن المنقطع فحولها إلى جبال متراكمة من الحقد والعداء، وكذلك فان الانفتاح على الأفكار الأخرى يعطينا الأسباب المعرفية للوقوف على روح التقدم الذي تعيشه، ويثرينا بتجارب ايجابية بناءة كما انه يفتح علينا أبواب التفاهم المجتمعي والتعايش مع الآخر إذا كانت المشكلة هي مشكلة تضاد الأفكار؛ فالحوار هو الطريق الأمثل لتحقيق التجانس، وإذا كانت المصالح هي جوهر التصادم، فإن المصالح المشتركة لا يمكن تقنينها دون وجود الحوار الحقيقي
مشكلة مجتمعاتنا الشرقية أسلامين و ملحدين, يساريين و يمينيين, حضر كانوا أم بادية هي عدم تقبلهم لمبادئ الحوار و لا لحرية الآخرين بأتخاذ مواقف أو أفكار مناهضة لأفكارنا فسرعان ما تنتشر عدوى التكفير و التخوين و الأتهامات دون التمعن بما يقوله الآخر. ان احترام حرية الاختيار هنا ليس احتراماً للخطأ فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة اسقاطها ليسا الهدف الذي لا يكون الحوار مجدياً الا اذا تحقق
شخصيا أرى أن أولى أهداف الحوار هو محاولة لفهم الآخر و لتبيان طبيعة منطلقاته الفكرية التي أدت الى أتخاذه مواقف تتضاد و تلك التي أتخذها. فالحوار هو محاولة لتثقيفي أنا قبل أن تكون لتثقيف الآخرين. و يجب أن يكون هذا الحوار هادفا الى أبراز القواسم المشتركة و العمل على تقليص الفجوات و أذابة الحواجز و تطوير رؤى مشتركة تمكن للأطراف المختلفة من العمل الأنساني المتآخي لما فيه مصلحة الجميع بدلا من الأقتتال. لكن للأسف تسعى الأغلبيات في عوالمنا العربية و الأسلامية الى تجاهل و ألغاء و ربما تذويب الآخر بدلا من أحترامه و الأنفتاح عليه و التكامل معه و محاولة التعايش معه بصورة سلمية يشوبها الأحترام و الثقة المتبادلة
أن غياب الحوار الواعي بين الطوائف و الملل و الجماعات يولد نوعا من الاستبداد الفكري الذي يعيشه مجتمعنا الكويتي حاليا و تحول الى حالة تطبع أساسي في السلوك، وتعود على التمسك بالأحادية، ورفض الاستماع للرأي الآخر، وقطع الطريق أمام الحوار والتفاهم؛ ففي حالات ترسخ روح الاستبداد والتسلط يصبح الحوار منعدما، وإذا كان فعلى الأغلب يكون عقيما؛ ذلك أن الوضع ليس إلا سيطرة شمولية للرأي الواحد. ويمكن فهم العلاقة المترابطة بين غياب الحوار، وظهور الاستبداد؛ إذ إن عدم وجود الحوار يقود نحو الاستبداد، من خلال آلية وجود الآراء والأفكار الإنسانية المتنوعة؛ فثقافة الاستبداد تفترض وجود رأي واحد مطلق ينطبق مع أهدافها الأيديولوجية، أو يكرس مصالحها الفئوية الخاصة، وكذلك فان عدم التمسك بالحوار ينبع بشكل اساسي من خوف البعض من انكشاف خطأ آرائه أو تعرض مصالحه للضرر؛ وفي كلتا الحالتين يقود التقديس المطلق للرأي الى موت التواصل والحوار وحتمية الصدام
مما يجعلني أتساءل .. كيف يمكن لأي إنسان أن يعيش دون أن يتعايش مع أخيه الإنسان؟ وكيف يمكن لجماعة أو طائفة أن تتكيف مع الحياة وهي تجرّد أسلحتها ضد الآخر الذي يعيش ضمن نطاقها الاجتماعي؟ و كيف يمكن للفرد أن يحقق وجوده الاجتماعي ما لم يكن منفتحا على الآخرين ومتواصلا معهم من مجتمعه الصغير إلى المجتمع العالمي الكبير خصوصا عندما تترابط المصالح والافكار بشكل معقد؟ فالفرد منذ بدايات تكوينه الجنيني تتحرك فيه دوافعه لتلقي المعرفة من الآخرين وينشأ تدريجياً على ذلك
آخر مقالي هذا هو الدعوة الصادقة الى الأنفتاح على الآخر و على أفكاره دون وجل أو خوف. هذا الأنفتاح يجب أن يكون مدفوعا بمبادئ التعايش المشترك و العمل على أيجاد المساحات المشتركة و زيادة هوامش الحرية في مجتمعاتنا و أن يكون الهدف من الحوار هو محاولة فهم الآخر و أعادة تقييم أفكارنا بدلا من محاولة التأثير على الآخر أو أقصائه
مصادر
ثقافة الحوار في الاسلام: حرّية الاختيار وحق الاختلاف – محمد السماك
الأنفتاح و التواصل و منحنيات الأصلاح و التجديد – مرتضى معاش
آفاق الأصلاح و التجديد: الحوار طريقا – مرتضى معاش
4 comments:
كلامك عدل وماعليك زود
:-)
شكراً عزيزي باغي الشهادة
هذه كانت أول مقالة لي هنا بالمدونة و تعمدت أن تكون الأولى لأنها تبين الهدف من إنشاء المدونة
هي محاولة لفهم أفكاركم .. لا لنشر أفكاري
Your most commendable post.
Anonymous
غير معرف
شكراً جزيلاً على الإطراء
Post a Comment