
تنويه : فكرة هذه الموضوع أتت من تعليق مجهول إنتقدني فيه صاحب التعليق لأنني يظن بأنني جاملت أحد الزملاء ممن نختلف معهم في حدة الطرح و تطرفه. 9
كنت دائماً ما اعرض عن كتابة المواضيع الشخصية. فعلتها مرات قليلة و في أوقات كنت أحس فيها بالضعف. كتبت عن قراري بالإستقالة و تغيير محل عملي حين مررت بحالة من اللاتوازن و بعد إن تنازعتني أحاسيس من الخوف و الطموح و الرغبة في التجديد و تحقيق الذات. و كتبت أيضاً حين احسست بالضعف و إنهارت مقاومتي أمام الحب الجارف الذي أحاطني به صغيري و أنا أحاول أن لا أقع في نفس الأخطاء التي وقعت بها مع إخته الكبيرة من تدليل مفرط و دلع. سبب هذا الإعراض عن كتابة المواضيع الشخصية هو عدم الرغبة في الكشف عن الهوية. أحيان كثيرة كنت أرغب في كتابة شئ ما و التعبير عما بداخلي ، و لكن كنت دائماً ما أقاوم هذه الأحاسيس و أن اقنع نفسي بان هناك مئات المواضيع التي أستطيع الكتابة عنها بعيداً عن ذاتي. فلقد إستخدمت هذه المساحة فقط كأرشيف لما أكتب. كتبت في السابق أشياء كثيرة و لكنها تاهت و ضاعت ، و بعد إحباطات متعددة قررت أن يكون محلها هو هذه المدونة ، و حينها لم أكن أعلق عند أحد و كان عدد الزوار قليلاً ثم إزداد العدد شيئاً فشيئاً فبدأت احذر بعد أن إنحرف الهدف. 9
و الإصرار على سرية الهوية رغبة شخصية مشروعة. فأقرب الناس من حولي : عائلتي و أهلي و أصدقائي لا يعلمون و يعرفون بأنني أكتب ما أكتب. رغم إن أفكاري هذه معلنة و أناقشها في حياتي العامة. و كنت دائماً ما أقول بانه لو تمعن أحد المقربين مني ملياً في المدونة لأكتشف من أكون بعد خمس دقائق. أحياناً ما كانت تصلني مقالاتي على الإيميل الشخصي فكنت أفرح لأنني إستطعت خداع الجميع و إنه من أرسل الرسالة لا يعلم بأنه قد أعاد المقالة لكاتبها الأصلي. و سر هذا الإصرار إنني اعلم تماماً بانني سأتوقف عن الكتابة تماماً متى ما كٌشِفت شخصيتي. فهي هواية ، مجرد هواية ، و من ظن للحظة بأنني كاتب محترف يتخفى في هذه المدونة فهو مخطئ تماماً. أعلم أن العلنية ستجر أمور كثيرة ، و ستفقدني خصائص و فوائد أقدر قيمتها تماماً ، و أظن بأن من كشف عن هويته و ظهر للعلن يعي ما أعنيه. ما يبقيني هنا هو المتعة و لا شئ غير المتعة. الآن أعيش المتعة الكتابية و غداً أعيش المتعة القرائية و في الإسبوع القادم قد أعيش متعة أخرى ، و في يوم ما قد أغلق هذه المدونة و أنصرف الى متعة أخرى لذا أرجو ان لا نفسد هذه المتعة على بعضنا الآخر و أن نستمتع بما نفعل بدلاً من الدخول في صراع ديكة. 9
هذا الإصرار على عدم الخوض بالأمور الشخصية و الإلتزام بخط كتابي معين قد أوجد شخصية مغايرة قليلاً ل "الحلم الجميل" عن حقيقته في الحياة العامة. طبعاً لن أخوض في الجانب الشخصي هنا و أشرح الفروقات ، إلا إنني أريد ان أشير الى حقيقة مهمة جداً. إنكم لا تعلمون شيئاً عن حقيقتي. قد يقرأ بعضكم ما أكتب و يتفق و يعجب بأفكاري. و قد يتمادى و يكون لي إطاراً و قالباً خاصاً ، يظن إنني أعيش فيه و لن أخرج عنه. و لكنني أعيد التذكير ، قد يكون هذا القالب "الظني" صحيحاً و قد يكون وهمياً معلناً الإلتزام بالتمسك عن عدم الكشف عن هذا القالب و أرجو أن يحترم الجميع هذه الخصوصية. 9
لي صديق ، عظيم جداً ، تصارع مع نفسه كثيراً حتى هذبها و وصل الى ما وصل إليه من عظمة. أسدى الى خدمة جليلة بأن شرح لي التشابك بين الجد و الهزل في شخصية الفرد. فكان يقول لي بان أي شخصية إنسانية هي مزيج نسبي بين الجدية و التفاهة ، مزيج بين الإحترام و اللا إحترام. لكن تختلف هذه النسبة بين فردٍ و آخر و لا تميل أبداً لكفة دون الأخرى بشكل مطلق. فلا تظن بأن الناظر الحازم مع طلبته لا يلعب بصبيانة مفرطة مع أطفاله في المنزل ، و لا تظن بأن المفكر الفيلسوف لا يهوى إلا الأمور الجادة ، فقد تجده يجمع صور لاعبي الكرة في مجلد صغير أو تراه يقرأ روايات عبير. فمهما بالغنا في الإفراط في الجدية ، يبقى ذلك الجانب الآخر المظلم في أعينكم , و لكن المشع في عيون المقربين و الخاصة ، تافهاً و ساخراً إلى أقصى الحدود. طبعاً هذا الصديق تمادى في شرحه و حاول أن يفهمني أن تلك الفلسفة هي جزءٌ من فلسفة صينية قديمة لا أذكر إسمها و لكنها تؤمن بالنسبية في كل شئ ، بحيث إن الإنسان مزيج من متضادين ، الذكورة و الإنوثة ، الصدق و الكذب ، الأبيض و الأسود ، الجد و الهزل ، ألخ. 9
و لكل نفس بشرية ضعفها الإنساني ، أحياناً قد يضعف الإنسان أمام جمال حليمة أو جومانة مراد أو كما حصل مؤخراً أمام جمال كيم كاردشيان. هذا ضعف إنساني إعترفت به سابقاً. و أحياناً قد لا يستطيع الإنسان أن يقاوم شهوة المال أو سطوة الشهرة. و أزليٌ هو هذا الصراع ما بين الإيمان بالقيمة و المبدأ و بين الشهوة و الرغبة. أنا مصاب بضعف إنساني آخر ، هو عدم مقاومة ممن يتمتع بروح الدعابة و الفكاهة. فلقد مررت بظروف صعبة في الماضي ، إظلمت الدنيا حينها في عيني ، و أحسست بأنني لا أمتلك لا القوة و لا التأثير و وقفت عاجزاً وسط تلك الظروف. بكيت كالأطفال لسنين طويلة لمرات عديدة في اليوم. و بعد أن من الله علي برحمته ، عرفت طعم أمور كثيرة و أحسست بقيمتها تماماً و عاهدت نفسي على تعويضي و تعويض من حولي على ما فاتني. أحسب أنني عرفت معني السعادة في حياة الإنسان و معني أن يحس الشخص بمعاناة غيره أيضاً و أن يلتفت لها. و لهذا فإنني أعشق المرح و لا أطيق الكآبة و النكد و أقدر ممن يتمتع بروح الدعابة و الفكاهة و لا أستطيع مقاومتهم. 9
أما يخص جيمس بوند المدونين الزميل ولد الديرة ، فرأيي فيما يكتب حتماً لا يحق لي أن أناقشه هنا ، و إن كنت قد أبلغته برأيي الصريح ، حتى أتخلص من تأنيب الضمير. و لكنني كنت قد كتبت في وقت سابق ، بين الفارق بين قبول الرأي الآخر و بين إحترامه -مع التنويه بأن هذا المقال لا علاقة له بالزميل لا من قريب و لا من بعيد. يومها قلت بأنني أعتقد بانه من الواجب أن نتقبل كافة الآراء مهما كانت متطرفة أو حادة. فأنا أخشى أن نقع في فخ الديكتاتورية حين نتجاهل ما (نعتقد) نحن بأنها آراء غير محترمة أو سفيهة. لذا كنت أحاول أن ألزم نفسي بقبول وجودها. لكنني لست مجبراً على مناقشتها ، ناهيك عن إحترامها. لذا فإن رأيي هذا هو من باب الخوف من إنحراف الذات و جنوحها نحو الدوغماتية و الديكتاتورية. و هذا جل ما كنت أفعله مع الزميل ، فلم أدخل معه في حوار حين إنتفت أسس الحوار و لم أعلق في مدونته أبداً و لم أجد نفسي أستطيع المشاركة حين تدنت لغة الحوار. لكن هذا شأني و رأيي الخاص و لا يعد تقليلاً من شأنه فلست أنا من يقيم مستويات الحوار ، إنما هي قناعة ذاتية و خيار شخصي. 9
على الطرف الآخر ، أنا أعترف أيضاً ، بأن مدونة ولد الديرة هي أول مدونة أقراها صباحاً مع كوب القهوة. نعم انا أكركر من الضحك على بعض تعليقاته الساخرة. نعم هذا الجانب موجود في شخصيتي الحقيقة و أبحث عن الضحكة و أقدر من يمنحني إياها في ظل الواقع السيئ و المحبط من حولنا. نعم لن انافق و لن أكذب و لن أتجمل و أقول أنا راقي و لا أقرأ و لا أطلع على هذه المدونة. بالعكس أنا أبحث عما يضحكني و لكن من غير نبرة عنصرية فلا أستطيع أن أكون كالرقيب على أحد بل أنا أقرأ ما أقرأ في صمت و أتجاوز ما لا يعجبني في صمت أيضاً. قائمة المدونات المفضلة لدي منشورة و ستجد إن أغلبها ممن يتحلى بخفة الطينة مثل براقش الشر و أنجلو و حسام بن ضرار و مطقوق و فريج سعود و تويتي و بوجيج و غيرهم ممن يرسمون البسمة على شفاهي و لا أزال أتذكر كيف إحتبست انفاسي ضحكاً و أنا أقرأ بوست مطقوق عن زيارته لسوق الجمعة. 9
مؤخراً قام ولد الديرة بالإعلان عن قراره بعدم التطرق لتلك المواضيع الجدلية و التي كانت تثير الحساسية ، و يومها علقت للمرة الأولى في مدونته و كان رأيي صريحٌ بما يكتب و لم أجامل. لكنني أيضاً أحسست بتأنيب الضمير فكتبت البوست من باب المداعبة. فنحن لا نكره أحداً مهما إختلفنا معه. 9
في النهاية ، أتمنى على الجميع أن يضع رجله على الأرض "keep your feet on the ground" و أن لا يشطح كثيراً في خيالاته ، فنحن بشر عاديون جداً ، لسنا كتاب أعمدة أو ممثلين عن جماعات سياسية ، بل شباب بسطاء جداً كالذين نخالطهم في الأماكن العامة كالمقاهي و الأسواق و المطاعم و الديوانيات. كحال باقي البشر ، لنا أخطائنا و عيوبنا التي نتمنى من الناس قبولها. و بالمثل ، يجب أن نتقبل الآخرون أيضاً و إلا لما قرأت أو خالطت أو جالست أحد و ظللت فقط أسمع صدى صوتي. السالفة حلوة و ممتعة ،، رجاءً لا تخربونها بخلافاتكم. 99
في النهاية ، شكراً جزيلاً على تساؤلك الذي جعلني أتخلى عن بعض المحظورات عندي. 9