Saturday, 13 February 2010

وكالة عطية لخيري شلبي


"إذا كنت في بلد لا يؤمن بالله فليس هناك تهمة بالكفر ، و إني في الواقع لزعيم بأني في بلد لا يؤمن بالشرف إلا من قبيل الدعاية و المنظرة و الفشخرة الكذابة ، فليس بالتالي تهمة بالعار"

كعادته يغوص خيري شلبي في قلب الفئات المسحوقة و المهمشة و ينتصر لها. ينتصر لغرائزها و إحتياحاتها الحيوانية و ينتقد المثل التي تدعو الى الشرف و الفضيلة و هي غير قابلة للتحقق في واقع غارق بالفقر. هذه المرّة تنقل لنا الأحداث من مدينة "دمنهور" في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي صاحبة الحضور الإخواني البارز فيسرد لنا قصة طالب شاب طُرد من كليّة المعلمين لأنه هاجم أستاذه الذي قال عنه إنه "حافي القدمين ومن حثالة المجتمع" ، وهو ينتمي إلى جيل الفلاحين، وأحد فقراء المدينة الذين يرتقون السلم الاجتماعي بواسطة التعليم. وينتهي به الحال بالعمل في "وكالة عطية" وانحدر إلى عالم الجريمة وعاش بين البيوت الرخيصة، وأوكار الحشاشين، والمقاهي البوهيمية، وفي السراديب والأقبية التي تؤوي المجرمين والمدمنين الهاربين من النظام البوليسي. 9

وقع في غرام وكالة عطية التي كانت ذات يوم خاناً مشهوراً خارج مدينة الإسكندرية، والتي أصبحت حالياً منطقة تشهد مشاكل في مدينة دمنهور : عشرون حجرة في طابقين كل حجرة تحوي أسرة و جميع هذه الأسر تربطهم صلة أقوى من صلة الرحم ، هي صلة البحث عن القرش بحيل جهنمية بعيداً عن أساليب العنف و الخشونة ، إذ ها هنا يتم تصنيع الحيل التي تبطل مفعول القانون و تلتف حوله تحاصره ترتكب أبشع الجرائم في ظله. تعلم بأن للقذارة و النتن جانبها المثير الحيواني. فمثلما نزول السلم سهل فإن التظالم و الإستكانة للفقر و النتن سرعان ما سيصبح لها طعمهما المثير اللذيذ الأليف. 9

نماذج مسحوقة مخلوقة من العدم : شوادفي صاحب الوكالة ، المتصوف الشيخ زينهم عتريس ، كبير النصّابين سيد زناتي ، وداد الغازية ، سندس الغجرية ، سارقة الدجاج قطيطة ، دميانة و قردها المسكين ، الحانوتي عبدالحسيب و آخرون كثيرون. 9

و تعلم بأنّ المثل القائل عن بلده : إنها بلد بتاعة شهادات و انا أحب أن أرى من ألّف هذا المثل الكاذب لأضربه جزمتين على بوزه ! نحن بلد لا قيمة للشهادات فيه حتى شهادة أن لا إله إلا الله يقولونها بر و عتب ! 9

و تعلم بانّ الذين يخلبوب لبّنا بالحديث الطلي الشهي هم الذين يمكنهم أن نعطيهم ثقتنا بل كل ما في جيوبنا و قد نأتمنهم على شرفنا و أسرارنا نسلمهم مصائرنا. عرفت أن أبرعهم من كان يعرف مشاكل الناس و أوجاعهم. براعتهم تتجلّى في قدرتهم على حقن الناس بأمصال من المأثورات و الحكايات التاريخية المطابقة لأوجاعهم ، و كيف انتهت كما أراد الله أن تنتهي لا كما يريد العبد ، حينئذ يرعوي كل صاحب ألم فيرمي بكل أوجاعه و مشكلاته على أكتاف المشيئة الإلهية فيخلص من حملها طالما إن كل شئ يحدث للإنسان إنما هو قدر مقدور عليه أن يتحمله دون أن يواجهه ، لأن من الكفر مواجهة المشيئة الإلهية و تحديها ، و من حسن الإيمان الامتثال لها و إحتمالها بصبر كصبر أيوب. 9

المثير هو ما نقله الكاتب عن الإخوان و تنظيمهم الذي قوبل بالعنف القاسي من قبل النظام. و كيف إن هذا لم يردع الشاب الذي قوبل بالإحسان من قبل رموزهم بأن يستغل مأساتهم فيبدأ بالنصب عليهم مستغلاً ظروفهم و حاجتهم. فما الدنيا سوى غابة لا قيمة حقيقية فيها سوى المال الذي يؤمن تلبية الغرائز و الرغبات. 9

و من جميل الصور الفريدة التي نقلها لنا خيري شلبي معاناة الشاب الدمنهوري مع حاجته الجنسية و عجزه في إطفائها : "صعد البعير فوق الربوة حاول النفاذ من خرم الإبرة. دهورته الصدمة الأولى فأحترق دمه و لانت عظامه فجأة صار جلداً على جلد على رخاوة. بصبر خرافي راح يفكر في كيفية إمكانية ان يحول نفسه الى فتلة رفيعة يلضجها في وهج الحلم الحي الذي تحول فجأة الى موات ، و لكن دون جدوى. ثم نفق البعير !". 9

و رغم كافة الدروس التي تعلمها الشاب في وكالة عطية إلا إن المطاف إنتهى به كما بدأ ، في السجن ! إذ إنّ لا عدالة حقيقية في الدنيا ! 9

6 comments:

ebtsamh said...

ما شاء الله عليك

تلخيص رائع ,عجبتني الروايه من طرحك

وشكرا على الرواية ايضاً

ودمت

Unknown said...

السلام عليكم ورحمة
الله تعالى وبركاته
بداية شدنى أسم الرواية
فسعيت للحصول عليها وقد كان
أنزلتها كتاباً اليكترونياً وحفظتها
فى جهازى لتكون لى ملجأً حين يخاصمنى
النت وقد كان قرأت منها عدداً
من الصفحات وتوقفت ولكنك
ايقظت رغبتى ثانية فى
قراءة الرواية
سأنهيها بأذن الله
وحينها سأعود لأقول لك
رايى النهائى فيها.

سيدة التنبيب said...

قرأتها العام الماضي
قبل ثلاثية الأمالي
و أعجبتني أكثر من ثلاثية الأمالي

ساهمت قراءتي لها بتغيير فكرتي حول تكوين المجتمعات و نظرة كل طبقة للقيم

الرواية تحاول تبسيط فهمنا لهذه الطبقات المسحوقة


لكني لا أجدها
تحاول تبرير الخطايا
فليس جميع الفقراء و المحتاجين سراق و محتالين و نصابين
لا يجب تبرير الجرائم بحجة الفقر

دمت بخير

حلم جميل بوطن أفضل said...

ابتسامه

العفو

حلم جميل بوطن أفضل said...

norahaty

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

تستحق القراءة فأحرص على قراءتها

حلم جميل بوطن أفضل said...

سيدة التنبيب

فعلاً مشوقة أكثر من ثلاثية الأمالي و لكن الثلاثية تتميز في السرد الواسع و إعطاء الشخصيات حقها في شرح تكوينها

هذه ليست وجهة نظري حول تبرير الخطايا و لكنها وجهة نظر الكاتب و أنا نقلتها كما فهمتها

ناقل الكفر ليس بكافر