Monday, 15 February 2010

شلومو الكردي وأنا و الزمن لسمير نقّاش


"سنمضي رغم أنفسنا ، تاركين بيتنا هذا ، بعد أن رافقنا و رافقناه مدى حياتنا. سنترك المناظر المنقوشة في الفكر ، المطبوعة في العين. و أصحابنا الذين ألفناهم و الفونا منذ الطفولة. و أحببناهم و أحبونا. و سنترك آثارنا و قبور أحباءنا. البالية منها و الحديثة العهد" 9



كثيرا ما يوصف الأدب الإنساني على انه مرآة للواقع. و ميزة الأعمال التاريخية تكمن في صعوبة عمل الروائي الذي يعتمد على مرجعية أحداث التاريخ فيحاول إعادة تشكيل الأحداث و قولبة الأشخاص و إلقاء النور على الزوايا المظلمة من التاريخ فيخلق لنا رؤية جديدة من العالم الذي صنع أحداثه و يعري اللحظات الهاربة من الذاكرة التي يكشفها لنا و يضفي عليها خياله. و هذه الرواية ينطبق عليها مثل هذا التعريف. 9

"كالعادة كان الفقراء أول من دست الحرب في لحومهم أظافر الجوع الظالم" 9

تنتمي هذه الرواية الى أدب الممنوع المحرم رغم إنها رواية عراقية كتبت بواسطة كاتبها الكردي الأصل الإيراني العرق و اليهودي الديانة سمير نقّاش عن قصة شلومو بن كتان الكردي الذي ولد و ترعرع و عاش في مدينة صبلاخ الواقعة في الأراضي الإيرانية بالقراب من الحدود العراقية و التركية في اقليم كردستان. 9 



"ناحوم يا قرة عيني كيف سأواريك تراباً يأكلك من تحته الدود ؟ و كيف و بالأمس كنت تملأ علي الدنيا ، و تعدو مع إخوتك نحوي لتلف ساقي فتزول في تلك اللحظة كل الأعباء من على كتفي ، أتحبني يا بابا ؟ تسألني بلسانك الغض المتعثر ، أفلا ترى عين روحك كيف قتلني حبك الآن و أنت ممدد قدامي لا تنطق لا تضج ، لا تتحرك ؟! أجل يا فلذة قلبي .. لقد أحببتك" 9

شلومو بن كتان تاجر ناجح لديه زوجة مخلصة و ثلاثة أطفال رائعين و منخرط في شراكة مع تاجر ايراني مسلم. تعصف به الأحداث حين تغزو روسيا القيصرية تلك المنطقة بتواطؤ مع الشاه القاجاري الذي يمارس سياسة الحياد السلبي لضعفه مع جميع القوى التي إستحلت موارد تلك المنطقة كروسيا و التاج البريطاني و الرجل المريض "الخلافة العثمانية". تقتل زوجته الثانية مع أطفاله و يروعه الشاه القاجاري و يرى أفراد طائفته يقتلون الواحد تلو الآخر و هو يحاول الصمود في مواجهة الجوع و الفقر و جيوش الدول العظمي التي تتقاتل حوله بعد أن سلبت إنسانية الجميع. 9

"إذا كان لم يشفع له جيش المؤمنين العثمانيين فكيف تشفع له جيوش الكفار و هي تقتل بالمسلمين و تعيث بنا ذبحاً و تنكيلاً ؟!" 9
المكان هو "صبلاخ" وهي بلدة كردية على الحدود مع العراق، تجاور فيها المسلمون والمسيحيون الكلدان واليهود منذ قرون، وفيها ولد شلومو أواخر القرن التاسع عشر ثم عاش حتى قارب المائة. وصبلاخ هي ذاتها التي سيتغير اسمها في ما بعد الى "مهاباد" اي مدينة القمر بالفارسية وذلك بقرار من رضا شاه الذي سعى الى محو كل الاسماء ذات الاصول التركية. انها ايضا المدينة التي احتضنت في عام 1946 غداة الحرب العالمية الثانية، أول وآخر جمهورية كردية في التاريخ ولدت مع بداية ذلك العام وانطفأت مع انطفائه. واخيرا هي المدينة التي دكتها المدفعية الايرانية طوال عشرين يوما خلال حرب الخليج الاولى لأنها آوت مقاتلين من "مجاهدي خلق" الذين دعمهم العراق. 9

"في محك التجربة يمحى الحب ، و تمحى القرابة ، تمحى الصداقة ، و تمحى الأمومة و الأبوة ، و تبقى الأنا في سباق البقاء. و الناس ، تغدو وحوشاً ضارية عارية من كل قناع. إلا قلة قليلة نادرة رفعتها ذواتها العالية الى مصاف " الإنسان الحق" الثابت الرابض فوق ذروة الطود البشري ، لا يهوى الى قرار الوحشية الهاتفة بأنانيتها الصاعدة صرختا المروعة من أسفل الحضيض الى أسماع إله يؤمن به كل أهل صبلاخ ، لكنهم في اللحظة الحاسمة ينسونه كي يحاربوا حربهم الفردية الضيقة ، من أجل أن يبقوا أحياء على حساب كل شئ و كل إنسان" 9



أما الأحداث فقد سارت بطريقة الفلاش باك أي من النهاية حتى البداية بعكس التسلسل الزمني. يحكي شلومو كيف تحول هو و أسرته الى كرة تقاذفها الزمن الى يد من لم لا طفلاً و لا شيخاً و عجوز. مرة بيد الجنود الروس و مرة بيد أعدائهم العثمانيين و مرة بيد الجوع الذي لم يرحم أحداً حيث يأكل الاحياء امواتهم وتلتهم الام أولادها. 9

"سنمضي رغم أنفسنا ، تاركين بيتنا هذا ، بعد أن رافقنا و رافقناه مدى حياتنا. سنترك المناظر المنقوشة في الفكر ، المطبوعة في العين. و أصحابنا الذين ألفناهم و الفونا منذ الطفولة. و أحببناهم و أحبونا. و سنترك آثارنا و قبور أحباءنا. البالية منها و الحديثة العهد" 9

سلسلة من المنافي (ايران فالعراق فالهند فإسرائيل) ، تناوب على سردها الراوي (الكاتب) و شلومو و الزمن الشاهد على هذه السيرة ، فتحت لنا أفاقاً جديداً من ركام الحسرات و الذكريات و تعتبر وثيقة تاريخية حوت الجانب الذي نتعمد نحن العرب المسلمين تجاهله حول مصير الأقليات التي عاشت بين ظهرانينا و أخفقنا في حمايتها. حيث يقدر عدد يهود العراق بـ 300 ألف منهم 250 ألفاً يسكنون في إسرائيل. وخلافاً ليهود الدول العربية الذي وصلوا الى إسرائيل لم يكن معظم اليهود العراقيين راغبين في الهجرة لولا نجاح إسرائيل في ترهيب أغلبيتهم مما دفعهم الى ترك بيوتهم و أملاكهم والهجرة الى إسرائيل. 9 



"سقط الفأس برأسي و شجه ، شجة لا تندمل طول العمر ، سليطة و خبيثة و شريرة. أَتخمها بالنعمة فتتخمني باللعنات ، أوقد لها أصابعي شمعاً فتدس أصابعها في عيني ، و كفيها في وجهي متمنية موتي و رحيلي" 9



إستعراض جميل حوته دفتي الرواية لأطباع اليهود الشرقيين و كيف تعايشوا مع جيرانهم المسلمين و كيف أثرت المؤثرات الخارجية خلال الحربين العالميتين و إعلان فلسطين على أوضاعهم المعيشية و ولاءاتهم لأوطانهم و القسر و التهجير و القتل الذي طال أبناء الديانة اليهودية في العراق و إيران. 9

"إذا كان الزاني يبيح لنفسه أعراض الناس ، فهو أشد الخلق قلقاً على عرضه ، إنه يتباهى بشعاره "الأبهة و البنات زينة الحياة الدنيا!" و يزداد فخراً في إن أشرف نساء صبلاخ أمي و أخواتي ، فعيونهن لم تقع حتى على هيئة رجل غير أبي .. و أنا !" 9



رواية مؤلمة حول ما جرى لليهود داخل أوطاننا ! 9

"الى أين ستمضي و الحريق من حولك يتأجج بكل وقوده البشرية ، و بالحقد و البغضاء ؟!" 9

4 comments:

Anonymous said...

جميل ان يحتوي البلد على اختلاف ثقافي ولكن الاجمل ان يكون هنالك ثقافة الاختلاف بين ابناء هذا البلد

جبريت said...

زميلنا

استعد لحملة ارحل ترانا راح نتحرك من يديد

دش على الطارق وشوف الي كاتبه

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 1

عين العقل

حلم جميل بوطن أفضل said...

جبريت

الطارق مو صوبك

إقرأ الموضوع جيداً

:)