Monday, 22 February 2010

ليون الأفريقي لأمين معلوف


ختنت ، أنا حسن بن محمد الوزان، يوحنا - ليون دو مدشيتي، بيد مزين و عُمّدت بيد أحد البابوات، وأدعى اليوم "الإفريقي" ولكنني لست من إفريقيا و لا من أوروبا و لا من بلاد العرب. و أعرف أيضا بالغرناطي و الفاسي و الزياني، و لكنني لم أصدر عن أي بلد، ولا عن أي مدينة، و لا عن أي قبيلة. فأنا ابن السبيل، وطني القافلة و حياتي هي أقل الرحلات توقعا. لقد عرف معصماي على التوالي دغدغات الحرير وإهانات الصوف ، ذهب الأمراء و أغلال العبيد. و أزاحت أصابعي آلاف الحجب و لونت شفتاي بحمرة خجل آلاف العذارى ، وشاهدت عيناي احتضار مدن و فناء إمبراطوريات. و لسوف تسمع من فمي العربية و التركية و القشتالية و البربرية و العبرية و اللاتينية و الإيطالية لأن جميع اللغات وكل الصلوات ملك يدي. و لكنني لا أنتمي إلى أي منها. فأنا لله و للتراب، وإليهما راجع في يوم قريب


يستحضر أمين معلوف كعادته شخصيات طواها النسيان تقف على الحياد من الصراعات و التناقضات و الحروب الدائرة بين الطوائف و الجماعات و الأمم و تمثل بالنسبة له "المواطن العالمي" الذي يمثل قيم الإنسانية و التسامح و التي تستوطن الأوطان بعيداً عن تعصب العقيدة. ليون الأفريقي هو الحسن بن محمد الوزان الفاسي الذي قدر الغربيون تمام التقدير و استفادوا من مؤلفاته و نقله لعلوم المشرق في عصر النهضة و اعتمدوه كمصدر أساسي عن إفريقيا ، أما العرب والمسلمون فلم يَعرف عالمهم الوزان ولم يعرفوا به وأغفلوا كتابه القيم "في وصف أفريقية" في زوايا النسيان. 9

ينتسب الحسن بن محمد الوزان إلى قبيلة بني زيات الزناتية الأمازيغية، الواقع موطنها في أقصى غرب غمارة من سلسلة جبال الريف - شمال المغرب، عاشت أسرته حقبا من الزمن في الاندلس، وولد هو بمدينة غرناطة قبيل سقوطها في يد الأسبانيين في عام 894 هـ وانتقل للمغرب للعيش بفاس وأصبح سفيراً لسلطانها في رحلة مر بها على تمبكتو وممالك أفريقية أخرى، وقد زار كذلك مصر وإسطنبول في رحلاته كما حج أثناء إقامته في غرب آسيا، ثم سقط في الأسر خلال توقف سفينته في جزيرة جربة واقتيد إلى روما كهدية للبابا ليون العاشر الذى حمله على اعتناق النصرانية، والبقاء لتدريس العربية في روما، التي كتب فيها مجموعة كتب في اللغة والأدب والجغرافيا أشهرها كتاب "في وصف أفريقية" الذى ترجم للعربية ونشر في سنة 1979 على يد د. عبد الرحمن حميدة (إضغط هنا للتحميل نسخة من الكتاب). 9

تلك المخطوطة أودعها ليون الأفريقي انطباعاته وملاحظاته عن كل مكان جديد يحل فيه من الشمال الأفريقي عبر صورٍ بانورامية عن عادات المسلمين و أساليب معيشتهم و أصول شريعتهم و شعائر دينهم وك ل تفاصيل حياتهم الصغيرة في ذلك الزمان حتى لايفوت الكاتب أن يأتي بالسور القرآنية و الأحاديث الشريفة التي تسند ما يحلله أو يحرمه الدين الإسلامي. 9

تنتظم الرواية في كتب أربعة هي: غرناطة، فاس، القاهرة، روما مُقطّعة إلى عدد من السنوات تشكل بمجموعها إحدى وأربعين سنة هي سني عمر بطل الرواية و تسرد رحلة دوران حول البحر الأبيض المتوسط فانطلقت من غرناطة وأكملت دورتها حول البحر برحلة طويلة شبه متعرجة انتهت بها في روما، ثم تونس. و تفصّل الرواية الأحداث الكبرى التي عرفها العالم في نهاية القرن الـخامس عشر الميلادي و بداية القرن الـسادس عشر وفي مقدمتها انتهاء الوجود العربي الإسلامي في الأندلس وظهور دويلات هزيلة في شمال إفريقيا واحتلال الأسبان والبرتغاليين معظم الضفاف الجنوبية للبحر من شمال المغرب إلى طرابلس في ليبيا مرورا بوهران والجزائر. ثم انهيار دولة المماليك في مصر على يد الإمبراطورية العثمانية الناشئة وصراع هذه الأخيرة مع الممالك في شرق أوروبا ووسطها بما في ذلك تهديد "فيينا" وأخيرا اجتياح البروتستانت الألمان مدينة روما طالبةً الانتقام من البابوية الفاسدة كما يراها "لوثر" الذي سعى إلى إصلاح الكنيسة بالعودة إلى مبدأ الإيمان والتقوى الأصلي للمسيحية قبل أن يستأثر بها بابوات روما. ثم الحروب الدموية بين الإمبراطوريات الإسبانية والفرنسية، وفي كل ذلك كان ليون الأفريقي في قلب الأحداث فحيثما ذهب كانت رحلاته متواصلة إلى الدول والإمبراطوريات. 9

كان الارتحال هو المحفز السردي لقبول الاختلاف الذي أخذ به ليون الأفريقي فكلما مضى في ارتحاله انكشف أمامه تنوع العالم واختلاف العقائد بل وهشاشة الأسباب التي تقوم عليها الحروب والمنازعات. فلقد نفيت أسرته من غرناطة على خلفية دينية. وغادر هو روما على خلفية صراع مذهبي. وبين هاتين المرحلتين، طاف في دار الإسلام باسمه الأول وبان له التنوع الثقافي والديني حيثما وصل. فقد عثر على بقايا النصرانية في المغرب وكان الوجود اليهودي ظاهرا فيها. وفي مصر أمضى جانباً من زيارته في بيت قبطي وضعه تحت تصرفه. و حينما ألتحق بالبابا "ليون العاشر" اصطدم بأمواج الإصلاح البروتستانتي التي هبت من ألمانيا ونهبت روما. 9 


لقد كنت في رومة "ابن الفريقي" و سوف تكون في إفريقية "ابن الرومي". و أينما تكون فسيرغب بعضهم في التنقيب في جلدك و صلواتك. فأحذر أن تدغدغ غريزتهم يا بني ، و حاذر أن ترضخ لوطأة الجمهور ! فمسلماً كنت أو يهودياً أو نصرانياً عليهم أن يرتضوك كما أنت ، أو أن يفقدوك. و عندما يلوح لك ضيق عقول الناس فقل لنفسك أرض الله واسعة ، و رحبة هي يداه و قلبه. و لا تتردد قطّ في الإبتعاد الى ما وراء جميع البحار ، الى ما وراء التخوم والأوطان و المعتقدات
 

 
خاض ليون تجربة الحياة المتنوعة وظل ينزع إلى "التغيير" عبر الارتحال فأكمل دورة تجاربه وهو في الـ40 عابرا أهم هويتين في تلك الحقبة: الإسلام والمسيحية و رفض أن يُحبس في هوية واحدة فحدّ بذلك من فكرة الانكفاء داخل معتقد و وفر له مسعاه في عبور أطراف من القارات الثلاث فرصة للغوص في ثقافات عصره، فانتهى وسيطا بينها كمبعوث للسلطان العثماني أو سفيراً للبابا. فخرج من تجربته تلك مشبعاً بتجربة منحته رؤية أكثر شمولا للعالم ممّا لو كان حبس نفسه في مكان واحد و معتقد واحد و لغة واحدة و إسم واحد. 9


نصوص مختارة من الرواية : 9

كثيراً ما سمعت في المآتم مؤمنين و مؤمنات يلعنون الموت. مع أنّ الموت هدية من الله عز وجل ، و لا يمكن أن يلعن المرء ما يأتي من عند الله. أتبدو لكم كلمة "هدية" تحدياً ؟ و مع ذلك فإنها الحق الصراح. فلو لم يكن الموت من الأمور التي لا تُدفع لأضاع الإنسان حياته بأسرها لدفعه. و ما كان جازف بشئ ، و لا حاول شيئاً ، و لا شرع في أمر ، و لا إخترع شيئاً ، و لا بنى شيئاً. لنحمد الله على أنْ أهدى لنا الموت ليكون للحياة معنى ، و لليل ليكون للنهار معنى ، و السكوت ليكون للكلام معنى ، و المرض ليكون للصحة معنى ، و الحرب ليكون للسلم معنى. لنحمده على أن أعطانا التعب و الأتراح ليكون للراحة و الأفراح معنى. لنحمده فإن حكمته لا تحد

لست أطلب المعرفة ، فهي توثق اليدين بأحكم مما يوثقها القيد. أرأيت في حياتك فقيهاً يقود جيشاً أو ينشئ مملكة ؟

ان أعظم منة من الله تعالى على إنسان أن يجعله يولد في جبل مرتفع تقطعه طريق تمر فيها القوافل. فالطريق تجلب المعرفة و الغنى ، و الجبل يمنح الحماية و الحرية. و أنتم يا اهل المدن في متناول يديكم كل الذهب و كل الكتب ، و لكن لكم أمراء عليكم أن تطأطئوا لهم الرؤوس

اذا ما التقط الرجل حجراً بحجم البطيخة فإنه يكون في وسع الجَمْع الإبتعاد مطمئنين لأنه ليس في نية هذا الرجل على الإطلاق أن يقذفه ، إنه في حاجة فقط أن يشعر بثقل ما في يديه العاريتين

الثروة و السطوة عدوا حصافة الرأي. و أنت حين تتامل حقل قمح ألا ترى فيه سنابل منتصبة و أخرى محنية ؟ ذاك لأن الأوليات فارغات ! 9 

إنهم يحملون في أيديهم على الدوام خنجراً : إما لذبحك و إما لذبح شاة لإكرام وفادتك

إلام يحلم الإنسان بقصر إذا كان في وسعه الحصول على السعادة في كوخ عند سفح الأهرام ! 9

ينبغي على كل أمير أن يقتل. و كل ما يُطلب هو ألا يجد في القتل لذته

 

6 comments:

Multi Vitaminz said...

الحمد الله ..!

تحية طيبة وبعد أخي حلمي الجميل والرائع والمبدع ..!

رواية حقيقة جميلة ولها أبعاد وتصورات تثير العقول ..!

إقتباس :
نصوص مختارة من الرواية : 9


كثيراً ما سمعت في المآتم مؤمنين و مؤمنات يلعنون الموت. مع أنّ الموت هدية من الله عز وجل ..!

فعلاً الرجوع للذات شيئ مهم والموت حق لإن تذكرة الموت هو فالظاهر يعبر الموت الحقيقي (نزع الروح) ولكن الباطن القصد محاسبة النفس لقول :
الرواية المعروفة (موتوا قبل أن تموتوا)!..

يقول الإمام الكاظم (ع): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم: فإن عمل خيراً؛ استزاد الله منه.. وإن عمل شراً؛ استغفر الله منه، وتاب إليه).. فالإنسان من دون محاسبة، لا يصل إلى شيء.

فمتى ما الإنسان تذكر الموت وصنع له قبر في البيت لينام فيه قبل النزول الحقيقي فإنه يحاسب نفسه ..!


وشكراً لك على الروايات الطيبة والمفيدة ..!

بالتوفيق صديقي وهاردلك للتعادل يا أبناء الليفر :)

ونحن أنتصرنا مشجعين السيدة العجوز التي بدأة تستعيد شبابها ..!

سؤالين إذا أمكن صديقي :

الاول هل تزودنا في روابط لرويات الطاهر بن جلون ..؟

وهل نستطيع اللقاء بك قريباً وشكراً

Icarus said...

قريتله سمرقند وايد عجبتني

:)

t.q8 said...

من اجمل الروايات الي قريتها
واجمل ماكتب امين معلوف
واعتقد والله اعلم ان هذي الروايه الي اخذ فيها الجائزه
عجبني صورة التناقض الي عاشه
شلون كان ينتقد ابوه في طريقة معاملته لامه وحبه للمسيحيه
ويتكرر معاه مثل الموقف
وكيف كانت طريقة معاملته لابنت خاله

حلم جميل بوطن أفضل said...

فيتامين

هذه رواية تلك العتمة الباهرة لبن جلون

http://7ilm.blogspot.com/2009/02/blog-post_23.html

و بخصوص طلباتك .. أرجو المراسلة

حلم جميل بوطن أفضل said...

جاكو

سمرقند أحلى رواياته على الإطلاق

حلم جميل بوطن أفضل said...

t.q8

صحيح ما ذكرتيه


فازت بالجائزة لأنها حاولت المقاربة بشكل مباشر بين الغرب المسيحي و الشرق الإسلامي