عليكي أن تخوضي غمار الحياة و تحصدي شوكاً لم تزرعيه و تواصلي الحصاد بإصرار و يدمي الشوك يديك و قدميك و تواصلين الحصاد و كأنك تسعين الى شئ مآله في النهاية إلى لا شئ
يوسف السباعي روائي مصري تقلد العديد من المناصب العسكرية و السياسية و الثقافية و كان له العديد من المؤلفات الرائعة التي ترجمت الى أعمال فنية كرد قلبي و اني راحلة و بين الأطلال و السقامات. و من هم رواياته "نحن لا نزرع الشوك" التي نشرت على جزئين في 790 صفحة من الحجم المتوسط. 9
تتناول الرواية قصة "سيدة" الطفلة يتيمة الأم و التي يعمل والدها في أحد المطابع قبل أن يتوفى و يتركها في يد زوجة أباها سيئة السمعة و التي أساءت معاملتها. رح أباها في ضجة و خلّف ورائه الفراغ و الصمت و ذكرى طيبة لدى بعض الناس يستذكرونها بعض الوقت و يطلبون له الرحمة ثم ضاعت ذكراه في زحام الحياة و تاهت في ذاكرة الزمن و أصبحت أتفه مشاغل العيش لدى سيدة أشغل لها من أعز ذكريات والدها. نحن لا نذكر في هذه الدنيا إلا الذين يشغلوننا .. يتحركون حولنا و يؤثرون على مصيرنا . اما الذين يقبعون في الذاكرة فمصيرهم الى الزوال لأن الذاكرة تطوي مع الزمن ما يرقد فيها .. تأكله يوماً بعد يوم حتى يكاد ينقرض إلا بقايا كأنها الرفات أو الأطلال. 9
تضطر هذه الفتاة للهرب لمنزل صاحب المطبعة الذي إحتضنها كخادمة في منزله. لكن الشقاء كان مكتوباً لها حين أثقلت ربة المنزل كاهل الطفلة بالأعمال المنزلية الشاقة و حرمتها من المتع الصغيرة التي كانت تتمتع بها في منزل والدها و تعرضت للمضايقات الجنسية من قبل إبنها. 9
بدأت سيدة بالسرقة البسيطة لكي تحصل على قطعة حلوى أو فاكهة تسد بها جوعها. فهي لا تمارس الظلم كهواية و لا ترده لأصحابه إنما ترده لمن تجد في حاجة الى ظلمه دون أن تميز حتى أنها تظلم من سرقتهم. حاجتنا فقط هي التي تبرز واضحة لأعيننا و يتضاءل بجوارها كل شئ حتى ظلم الغير. نحن لا ندرك من الظلم إلا ما وقع علينا أما ما نوقعه بالغير فشئ لا وجود له. و الذنوب في عرف سيدة هي ما يمارسه الناس خفية عن الآخرين عندما يعجزون عن ستره بالكذب و النفاق. 9
ثم هربت سيدة مرة أخرى لتعمل في أوكار الرذيلة فعندما نخير بين الموت و الحياة .. نختار الحياة أياً كانت الحياة. ليس لنا سبيل الى الإختيار عندما نفاضل بين اللقمة .. مجرد اللقمة .. و الموت جوعاً. و لكن عندما عندما نثبت أقدامنا على أرض الحياة لا تعود اللقمة تكفينا و لا تغنينا. الإنسان بتركيبه المعقد تزداد إحتياجاته و على رأسها حريته .. بعد اللقمة .. و تصبح من الحيوية بحيث تفقد الحياة قيمتها بغيرها و تعود اللقمة و هي وسيلة البقاء على الحياة وسيلة للعذاب و تبهت قيمة الحياة و تتضاءل حتى يتمنى الإنسان لو فقدها و يصبح الضياع خيراً لديه من البقاء الذليل في سجن الحياة. عاشت سيدة كمعشوقة سرية لثري تعيش في شقته الخاصة. لكن هذا الثري ما لبث أن تركها وحيدة ليستفرد بها "عبّاس" الذي تزوجها عنوة و أنجب منها و أجبرها على أن تسيل ثروتها الصغيرة لتمويل هوايتي المقامرة و السكر خاصته. خلف صراع سيدة في الحياة من أجل الحرية استعباد لم يخطر لها ببال .. استعباد الحزن .. استعباد الوجيعة. 9
تفقد سيدة كل شئ في الدنيا بحثاً عن حريتها لتنتهي خادمة في أحد البيوت .. بلا أسرة .. بلا مال .. بلا أحلام .. بلا رغبة حقيقة في الحياة. حتى مشاعر الأمومة فيها دفنت عندما مات أعز ما تملك .. صغيرها .. فمن نعم الله علينا أننا احرار في مشاعرنا نمارسها في باطننا كما نشاء. لن يملك إنسان على ظهر الأرض أن يمنعنا من أن نحب هذا المخلوق أو نكره ذاك. لن يملك إنسان أن يحجر على حريتنا في الحب أو الكراهية .. الذي ما أحسست بمتعة في حياتها كما أحسست بمتعة تجاه هذا الصغير .. مرة واحدة .. أحست بالإنتصار فيها على الزمن .. مرة واحدة .. أحست بقدرتها على نزع الشوك الذي لم تزرعه قط ! 9
4 comments:
مسكينة نزعت شوكة لتُزرع مكانها اشواكاً
لا أدري إن كانت الرواية بهذا الجمال والقسوة كالتي شرحتها لنا .. لكنني حتما أعشق كتاباتك يا السباعي .. الله يذكرج بالخير يا دكتورة نسيمة الغيث
علةى العموم لا اعتقد أنني سأجدها في مكتبة جرير .. وين ممكن أحصلها؟؟
مساء الورد
بالنسبة للرواية للأسف ما قريتها
أما الفلم كان من بطولة شادية وبالنسبة لي شادية أبدعت
أنا معجب بشخصية سيدة من طفلة برئية ثم خادمة إلى غانية ثم إمرأة ثرية ينتهي بها الامر وحيدة
الوتين
الرواية جميلة و قاسية كما كتبتي
لربما تحصلين عليها في جرير أو دار العروبة مقابل مجمع النقرة خلف مكتبة العجيري
مساء الدهون الثلاثية غير المشبعة
:)
جاكو
و انا لم أشاهد الفيلم و لله الحمد
قراءة الرواية تتيح لك أبعاد لا يمكن للفيلم أن يصل إليها
أنا معجب بعباس هلى فكرة
بس من غير قمار و لا مشروب
:)
Post a Comment