
ألتقي أحياناً بنماذج شبابية رائعة تلفت إنتباهي لفرط ثقافتها و إطلاعها الواسع. حاولت مقارنة بعض تلك النماذج فوجدت أن هذه النماذج التي تصلح لأن تكون نواة لنخب قيادية تعاني الإحباط الشديد و الإهمال. غالباً ما تكون هذه النماذج منصرفة لأعمالها الخاصة أو ممارسة هواياتها بعيداً عن الشأن العام. 9
هناك عدة أسباب مشتركة لهذا الإحباط ، قد يكون أهمها عدم تهيئة هذا الشاب بصورة جيدة و الصدمة التي يعيشها خلال حياته الجامعية. فللأسف ، تلعب البيئة الجامعية السيئة في الكويت دوراً كبيراً في هذا الشأن حيث غالباً ما يتم إستغلال الطلبة أسوا إستغلال في أنشطة سياسية لا تنمي من قدرات الطالب و مهاراته و لا تمده بالخبرات اللازمة و لا تجعله يعيش سنه و يستمتع بحياته الجامعية. بل تكون هذه التيارات مستغلة لهذا الشاب المسكين و تعرفه على عوالم لم يكن يدري بها كالطائفية و القبلية و الفئوية و الواسطة و الحرمنة و الرشوة و الفساد. 9
الشئ الآخر هو أنه في ظل ثورة المعلومات ، أصبح الشباب لدينا لا يعيش سنه و لا يستمتع بحياته و أحسه أنه يقرأ كتابات أكبر من عمره. فلا أعرف ما فائدة قراءة كتب بيزنطية و فلسفية لا تفيد الشاب في حياته العامة أبداً. أبتسم حين أرى فتاة في الواحدة و العشرين و هي تتكلم عن عمق فكر سيد قطب و أرثى لحال من أغفل مشاهدة مسلسل ساينفيلد و فريندز و كان يتابع مناظرات بول دورانت. لا ضير أبداً في متابعة المباريات و التسكع في القهاوي لفترة من الزمن. شريطة أن لا يكون هذا هو الأمر الوحيد في حياة الشاب. بل يكون أحد جوانب حياته. 9
من الأمور السلبية الأخرى هو الطموح اللا متناهي لدى الشباب ، و عدم رغبته بالتضحية إطلاقاً ، ما يجعل الهوة عميقة بين أحلامه و طموحاته و الواقع الذي يعيشه ، فيصاب بالإحباط مطلقاً. الشاب يظن بأنه سيتخرج مديراً على الفور و سيكون راتبه لا يقل عن ألفي دينار و أول ما يسأل عنه حال توظيفه ، ليس مكتبه و طبيعة عمله ، بل عن مميزاته. للأسف مسألة أن تعطي و تجد في عملك حتى تتفوق و تتميز غائبة تماماً في مجتمعنا لأسباب كثيرة. و أحس أنه من الصعب الآن أن تقلل من حماس هذا الشاب الذي سمع قصصاً كثيراً من أصدقائه عن أناس وصلوا إلى قمة المجد عبر الواسطة أو التضبيط ، فنسي أن المعرفة هي القوة الحقيقة و ليست الواسطة. 9
من الأمور المحزنة أيضاً هي قضية إختفاء القدوة التي يلتف حولها الشباب و يستلهمون منها القيم. فالدين مسيس و السياسيون غارقون في الفساد من أعلى رؤوسهم حتى أخمص قدميهم. و الآباء و الأمهات مشغلون في متع الدنيا. لذا لن تستغرب أن يرفع شاب علامة نايك (ماركة أحذية رياضية!) كشعار له ، أو تتخذ فتاة مشروب عصير السانكسيت كهوية لها. هذا التسطيح هو ناتج عن إختفاء القدوة ، و ثقافتنا العربية الغارقة في الوعظية و تقديس الرموز كقيم مطلقة ، لا تحتمل الخطأ و الصواب. فأصبح الرمز و الشخص هو القدوة و القيمة ، لا الفكرة أو المبدأ. 9
الزمن تغير ، و الشاب الكويتي حقاً مظلوم في نواحي كثيرة. فالتوقعات كبيرة و الفرص قليلة. زمن الستينيات و السبعينيات و لى و راح. حين كان تمنح البعثات الدراسية و كان تتكفل الدولة بكل شئ و كانت متعددة. يجب أن نضع هذه الحقيقة أمام أعيننا حتى لا نظلم الشباب الكويتي. 9
الآن ، الشاب الكويتي أصبح مطالباً بأمور كثيرة فهو مطالب بأن يقوم بإعاشة زوجته بنفس المستوى الذي ترعرعت به في بيت والديها. نعم هذا هو الواقع الاجتماعي. رغم أن والديها قد تخرجا من جماعة الكويت في أوائل السبعينيات ليحصلان على بعثة في الولايات المتحدة لدراسة الماجستير و ما لبث إن عادا إلى الكويت لسنة أو سنتين ليقوما ببناء القسيمة ذات الألف متر التي منحت لهم في النزهة أو العديلية أو مشرف. ثم يعودان لمواصلة دراسة الدكتوراه حتى تخرجا في أواخر السبعينيات من أرقى الجامعات الأمريكية ليتم تعيينهم كأساتذة في جامعة الكويت. كان أطفالهم خلال هذه المدة قد تدرجوا خلال المراحل التعليمية المختلفة في المدارس الأجنبية التي كانت تدفع الحكومة نصف تكاليفها. ثم ما لبث الحكومة أن أسقطت القروض الإسكانية خلال فترة الغزو التي كانت جيدة من خلال الخدمات الصحية و لم نشهد فيها لا بنغالاً و لا مصريين و لا إيرانيين يزاحموننا على العيادات الحكومية. 9
اليوم ، هذا الشاب يكدح من أجل أن يتخرج في جامعة الكويت التي سادتها المحسوبية و الحزبية ثم ينتظر لكي يعين في وزارة داثرة يتعلم فيها الكسل و التهرب من الوظيفة و يرى المناقصات الحكومية كيف توزع كعطايا و هبات سياسية. ثم ينتظر 16 سنة حتى يحصل على قرقور في أحدى عجائب صحاف الكويت الوزير الحميدي السبع التي قام بإنشائها في محافظ الكويت الست. يدفع نصف راتبه من أجل تأمين التعليم المناسب لأطفاله و التأمين الصحي لهم في ظل رداءة الخدمات الحكومية. ينام فتظهر له حماته ككابوس و هي تطالبه بأن يبني لإبنتها فيللا جديدة من ثلاثة أدوار و سرداب مع حمام سباحة. 9
ما يحتاجه الشباب الكويتي هو الإهتمام و خصوصاً من الآباء و الأمهات الذين إنغمسوا في ملذاتهم الخاصة و أهملوا أبنائهم. ترى الأولاد و البنات مرمين في الأسواق و المجمعات و ترى ظواهر و أمور غريبة و تتساءل كيف لنا ان نستغرب هذه الأمور التي لا يلاحظها الآباء في البيت؟
أيضاً سياسيونا و نخبنا الثقافية أنانية جداً. فهي ما تزال تنظر و تتصارع حول مشاكل كانت من صنعهم هم لا الشباب. و يقسون جداً على جيلنا برغم إن الفرص و الموارد المتاحة لهم كانت أكثر بكثير و هم من اخفق بإستغلال هذه الموارد الإستغلال الأمثل. لا تخفوا رؤوسكم بالرمال ، هذا الجيل الشبابي هو صنيعتكم أنتم ، فشله يعني فشلكم أولاً و أخيراً. 9
هنا لا أطالب بمحاسبة هذه النخب. فقط أطالب بان يكفوا ألسنتهم و تنظيراتهم المزيفة. محد ودّرنا غير غبائكم و فشلكم. 9
و من موقعي هذا و تضامناً مع مطالبات الشباب الكويتي و إحساسه بإحباطه المتنامي و من باب الترفيه (أو التمليق لا فرق) على الشباب الكويتي حتى لا يحس بحجم معاناته أترككم مع هذا الفاصل الأكثر من اللطيف. شعارنا في هذه المرحلة المصيرية هو "حليمة لكل مواطن" !! 9