يحكي لي الزميل "فريج سعود" أنه في أحد الأيام و خلال زيارة لأحد المقاهي رقّ قلبه الكبير لعامل مصري إتسخت يده و غلظت و تخشب جلده بسبب منقد الفحم الذي يحمله لمدة تقارب الإثنا عشر ساعة يومياً في بيئة خانقة دون أن يحظى بيوم إجازة. فسأله : لو لم تكن مصرياً .. ماذا كنت تتمنى أن تكون ؟ أجاب العامل بعد فترة تفكير لم تكن قصيرة ... "وددت أن أكون مصرياً" ! تفاجأ فريج سعود من إجابته ، فطلب منه أن يمضي في حال سبيله و أن يعود فيما بعد بعد أن يكون قد فكّر في إحدى الجنسيات التي لو كان يحظى بها لتغير واقعه المعيشي. بعد نصف ساعة بالضبط عاد العامل ليدلي بإجابته : أنا مصر على أن أكون مصرياً و لا شئ غير ذلك ! نقل لنا فريج سعود تلك المحادثة متسائلاً : أهي الروح الوطنية العالية التي يتحلها بها المصريون ؟ أم إنه ذلك الغباء المشرئب بروح إنهزامية تعودّت على الطغاة و الدكتاتورية و المحتل الإجنبي منذ قديم الزمان ؟
أجد هذه المقدمة ضرورية قبل أن أخوض في "نيران صديقة" ، المجموعة القصصية لعلاء الأسواني ، ذلك الروائي و طبيب الأسنان الوفدي المعارض الذي بهرني بروايتيه .. و "عمارة يعقوبيان" و "شيكاجو". و قد حصلت أخيراً على كتابه من خارج الكويت و المعنون ب "لماذا لا يثور المصريون؟". رغم إن حماستي لهذا الكاتب فترت بعد أن أخبرني الزميل "إدراك" عن مضمون بعض مقالاته و موقفه من النظام الصدامي تحديداً. 9
تحتوي المجموعة القصصية على عشرة قصص ، أبرزها و أطولها تلك التي تتحدث عن "أوراق عصام عبدالعاطي" التي تقدم رؤية هامة جدا لمصر بعين شخص غير سوي التفكير يقوم فيها بتشخيص الأمراض الإجتماعية للشعب المصري. تحكي عن ذلك المثقف المصري الذي لا يستطيع الخروج من دائرة الفشل التي عاشها أبيه و دفعته الى إدمان الخمر و الحشيش و ويرى في عدم اكتشاف موهبته ضعفاً وفساداً في الذوق الفني و لم ينتبه بأن لا الكسل و الموهبة هي ما تنقصه ، بل هي هالة "اللمعان" التي تحيط بالإعلام فتمنحه التأثير في الآخرين ، فاللمعان صفة لا تكتسب و لكنها توهب لأناس دون غيرهم ، و اللامعون يولدون و أماكنهم محفوظة على القمة ، يكفيهم أن يعملوا ببعض الإتقان حتى ينهمر عليهم الإعجاب و التقدير ، أما غير اللامع فإن إجتهاده معركة يائسة ضد الطبيعة و قوانينها ، و لا بد أن يخسرها في نهاية المطاف. و مهما تفانى في عمله فإن تقدير الناس يجيئه متردداً يتخلله شك و حذر. حتى تلحقه الهزيمة الكاملة فيتقبلها بصمت دون أن يملاً الدنيا صياحاً أو ينقلب الى حشرة سامة ، بل يلملم بقاياه مبتسماً في حزن قبل أن يسرع الخطى لينزوي في منفاه. و لكن لوعة الفشل لا تهدأ و لا تموت أو تستكين حتى تذوب في الجماعة ، حتى إذا ما أجتمع فاشل مع فاشلٍ آخر ، فإنه لا يخجل من فشله. 9
يغترب عصام في مجتمعه و يتصادم مع الجميع ، أسرته و اصدقائه و رفاق عمله. يفعل ما يعتقد بأنه صحيح وفق أفكاره المادية البعيدة عن الدين الزائف الذي يراه في عمله. و يرفض الإستكانة و الخنوع مما زاد في عزلته و الضغوط التي واجهها من الجميع و توقعه في مأزق وجودي يتحول فيه إلى وضع فارس تحت الحصار ، لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار. 9
ينقل الكاتب لنا في بداية القصة قول الزعيم الوطني مصطفى كامل : "لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً" و يتساءل .. ماذا لو أن قائل العبارة ولد صينياً أو هندياً ؟ هل كان سيردد نفس العبارة معتزاً بجنسيته الصينية أو الهندية ؟ و هل لإعتزازه هذا أي قيمة إذا كان وليد الصدفة ؟ و ماذا لو إختار بملء إرادته الواعية كما يزعم أن يكون مصرياً ؟ لا بد يرى في الشعب المصري فضائل لا توجد في أي شعب آخر ! ما هي هذه الفضائل إذاً ؟! هل يتميز المصريون مثلاً بالجدية و حب العمل كالألمان أو اليابانيين ؟! هل يعشقون المغامرة و التغيير كالأمريكان ؟! هل يقدرون التاريخ و الفنون كالفرنسيين و الإيطاليين ؟! يرى الكاتب بأنهم ليسوا على شئ من ذلك ؟؟ فبماذا يتميز المصريون إذاً غير الجبن و النفاق و الخبث و اللؤم و الكسل و الحقد. هذه هي الصفات المصرية التي يدارونها بالصياح و الكذب .. شعارات رنانة جوفاء يرددونها ليل نهار كما رددها الزعيم المؤمن أنور السادات .. و القائد القومي البكباشي جمال عبدالناصر من قبله .. و الرئيس الأبدي حسني مبارك من بعده .. عن الشعب المصري العظيم ! و المحزن أنه من فرط ترديد هذه الأكاذيب ، أنهم قد صدّقوها بالفعل. 9
يعاني بطل القصة من الإستبداد و الفساد و النفاق في المجتمع المصري و يقارن ذلك بخطاب التماهي الكاذب الذي يردده الإعلام الرسمي عن عظمة المصريين و حضارتهم الخربة الممتدة آلاف السنين. و يحارب الأوهام التراجيدية في مجتمعه .. وهم المكابرة الذي يدفعه لوهم أكبر هو تجاهل الوضع القائم .. لكنه يكتشف بأن لا أوهام تداري الألم و الخيبة ، فالأوهام كما تخدعك تؤنسك ، أمّا الحقيقة الباردة الصارمة فهي تلقي بك فى وحشة قاسية. فقطرة الماء قد تبدو نقية شفافة كالبلورة حتى إذا ما كبّرتها العدسات ظهرت فيها آلاف الشوائب. و قد يظل القمر جميلاً صافياً يتغنى به الشعراء و المحبّين ما دام بعيداً فإذا ما إقتربوا منه بدا لهم كشاطئ قذر مهجور. و حتّى وجه التي تحب ، بشرتها الغضة المتوردة التي تأخذ قلبك ، ما إن تضاعف قدرتك على رؤيتها حتى تتبدى لك كنسيج قبيح محعد. ففي كل مرة تتأكد بها من الحقيقة، تدرك بأن إعجابك بالجمال ما هو إلا خداعاً للنظر و كلما إتسعت الرؤية بانت التجاعيد. 9
هذه هي قصة عصام عبدالعاطي الذي حاول الهرب من الأوهام وإنتهى به الأمر غارقاً فى بحارها العميقة. 9
سؤالي (أنا الحلم الجميل) لكم : "لو لم تكونوا كويتيون ، فماذا تودوا أن تكونوا" ؟
26 comments:
الجواب لسؤالك: لوددت ان اكون (......) صدقني ماكو !
لو لم أكن كويتي لوددت ان أكون الماني
كويتية طبعًا
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي
وان شحوا علي كرام
يمكن حبك لبلدك يعمي عيونك عن رؤية
عيوبها .. ما حبيت ذمة وشوفه للجانب
السئ فقط .. مصر حضارة وفكر
شكرا حلم على الكتاب وواضح النشاط
:)
بدون مبالغة ومجاملة ونفاق
لو لم اكن كويتيا لوددت ان اكون كويتيا
كما قال قيس بن الملوح
بلادي وإن كانت تراباً احبها
وليلى وإن كانت خيالاً حبيبتي
ولا تلوم المصري يوم يحب ديرته
حب الوطن فطرة بالإنسان :)
عزيزي الحلم الجميل
شكرا جزيلا على إبداعك اليومي
فاتن ومفيد، ما تكتبه وما ترمي إليه
كل ليلة تتركني مندهشا، ومستغرقا في التأمل، باختياراتك الأخاذة وملاحظاتك القيمة، حتى لو اختلفنا
محبتي
عبدالله
عبارة "لو تفتح عمل الشيطان" لم تقال عبط وهذا الموضوع هو دليل اليوم .
وجدت السؤال خاطئا بحد ذاته ، وكذلك بأن السؤال هو ما يحدد هوية الشخص ، لا العكس (بافتراض الشخص عدم انتمائه إلى هوية - جنسية معينة واختياره لأخرى) .
فمن ناحية الهوية ، فهي غير مهمة بقدر أهمية قناعات الإنسان ، فهي التي من شأنها تغيير الأمور والأحوال .
ومن ناحية السؤال ، فوجدته ينتمي إلى الهوية الكويتية القائمة على التمني لا العمل ، والأحلام والفرضيات لا السير في الواقع .
وعلى ذلك أقول بأنك - أنت الحلم الجميل - كويتيا لوضعك لهذا السؤال "لو لم تكن عما أنت عليه الآن ، فماذا تود أن تكون؟" ، لازلنا في عقلية التمنيات وهذا ما يعرقل التقدم .
فارمر
تصدق الكتاب عندي صارله سنة تقريبا و كل ما ابي اقراءة اخذ كتاب ثاني غيره بس شكلك شجعتني ان اقراءة
راح اقراء و انزل بوست عن رايي فيه
شكرا
لو ما كنت كويتي ، بعد ما يبيله ابي اكون برمودي أو بربرودي
بس سؤالي انا كابوس هافانا؟
منهي صديقة؟؟
لو لم أكن كويتيا لوددت أن أكون مزدوجا
: ))))))))
تصدق كويتي !
وبدون تفكير
كويتي
وبعد التفكير كويتي
________________
انا عاشق لمصر كمصر رغم ندرة ذهابي لها بس ثقافتي كلها مصرية خاصتا بالادب والسياسة والاعلام, لي صديق دكتور مصري يذهب للاسكندرية بالسنة مره واحده لمدة شهر وبقية الشهور في الكويت او دبي ,, اذا اجتعمنا اول شي يقوله لي " هااا اييه اخبار مصر " واعطيه تفصيل تفصيل هالبلد العجيب الغريب .
ما لنا غير ديرتنا .
بلادهم حلوه,,,
بس الوطن ماله مثيل
ميت
يعني احنا و الإخوة المصريين في الهوا سوا
هذا ما كنت أردده طوال الوقت
غير معرف 1
حيا الله الجيرمان
ابتسامة
و مصر فساد و فقر و تخلف في كل شئ
لا مانع أن أكون مصرياً أو كويتياً .. لكن يجب أن ننظر ملياً في المرآة و نعرف حجمنا و قدرنا
حقوقي
حيا الله بن الملوّح
عبدلله
العفو و شاكرلك الإطراء
فارمر
نيوزلندياً أرعى الخراف في مزرعتي الصغيرة
عين بغزي
يستحق القراءة
شوكت
إستريح
من بعد ندوات قوى 11/11
و ربعك الميامين أو الميانين لا فرق
إنت تخرس خالص
غير معرف 3
حيا الله الطرثوث
أندلسي
هنيئاً لكم
بو بدر
مو مشكلة بس نعترف بعيوبها و بعيوبنا بعد
خالف تعرف
حيا الله عبدالرحمن العقل
Dream,
Exactly!
We got sheep over here y'know. And your question suggests running away from our ba ba's to Newzealand's ba ba's or some other forsaken place's ba ba's.
Hep hep for local ba ba's.
فارمر
خراف نيوزلندا أحلى و أسمن و أطعم
Post a Comment