مجتمع مهند لم يكن حقيقة برغم كل التغيرات الكثيرة التي حدثت في داخله مهيأ لسماع من يحاول عرض وقائع الماضي البعيد و القريب على ذاكرته لأن تلك الذاكرة أرادت ، بفعل فاعل ، تناسي تلك الأحداث و إحالة تراب النسيان عليها
توقعت رواية تروي ذلك التاريخ الذي لم يدون عن دولة الخلافة التركية. توقعت قراءة الأساطير التي تحكي عن الكنوز التي دفنها الأتراك في أقدس بقاع الأرض قبل خروجهم للأبد من تلك الصحراء. لكن ما قرأته لم يعدو إشارات رمزية حاول فيها الكاتب الدعوة الى العودة بالذاكرة الى زمان والده الملك سعود و البحث في الأسباب التي أدت الى ظهور التطرف الديني في أرض الجزيرة و الذي توج بأحداث تفجيرات مركز التجارة العالمية. 9
تحكي الرواية الصادرة عن دار الفارابي من 238 صفحة من القطع المتوسط مشتملة على ثمانية فصول تحكي رحلة البحث عن الكنز الذهبي الذي قيل أن الأتراك قد خلفوه وراء ظهورهم وهم يغادرون آخر معاقل سلطانهم في جزيرة العرب قبل أقل من مئة عام. تسرد القصة في زمانين : الأول في بداية القرن الميلادي الماضي عن أسطورة الكنز الذي أشيع بأن الأتراك العثمانيين قد دفنوه في بلاد العرب بعد أن أرسل لتمويل حملة الدفاع عن آخر مواقعهم في المدينة المنورة في وجه الثورة العربية بقيادة الشريف حسين. تبحث الرواية من خلال الصراع النفسي الذي سرده المؤلف في مكنونات النفوس البشرية التي صنعت قصة ذاك الكنز وأسطورته. وعن تلك الخبايا التي تمترست وراء زوايا مجهولة داخل نفوس الباحثين في هذه الأيام عن ذاك الكنز وحكاياته العجائبية. 9
و يستعرض الكاتب دور حلفاء الحرب العالمية الأولى و هم يبلعون مناطق النفوذ العثماني في أوربا ، راحوا يقرضون أطراف الرجل المريض الأخرى الممتدة عبر الولايات العربية و اختاروا لأجل هذه الغاية مناطق التأثير الديني و سلالة يرجع لنسبها لآخر أنبياء الرسالات السماوية. اختاروا المكان و الأشخاص كمنطلق دعائي يستغلون من خلالهم ثورة عربية تدّعي أنها ضد نزعة التتريك الطورانية و أنها تثأر من الجهلاء الجاثمين طويلاً على صدر العرب و الذين ترددت الشائعات و الأقاويل عن ارتكابهم مذابح ضد المنادين بالهوية العربية مقابل التعصب الظاهر للعرق التركي في عاصمة الخلافة الإسلامية المحتضرة. 9
حيث إختار الحلفاء بعناية الحجاز كمكانٍ أول لأولى رصاصات الثورة العربية لما يرمز له المحيط المكاني من رموزٍ و معانٍ دينية لا تخفى على أحد. و اختاروا الشريف حسين الذي سبق أن عينته الدولة العثمانية أميراً مسانداً للحجاز الى جانب الحاكم التركي لأن الدوحة الشريفة التي ينتمي إليها حسين بن علي ستعطي للثورة بعداً دينياً الى جانب البعد السياسي الذي كان هو المطلب الأول و الأخير لسادة العالم آنذاك. 9
أما الزمن الثاني فهو بعد أحداث التاسع من سبتمبر حيث يتكون فريق من السعوديين و الأردنيين و السوريين و الأتراك للبحث عن هذا الكنز المزعوم. تبدو شخصية "مهند السعدي" الدكتور الجامعي صاحب المؤلفات التي منعت و سحبت من الأسواق و التي تعيش الإغتراب النفسي مقاربة جداً لشخصية الأمير سيف الإسلام نفسه. 9
نشوء الدول وسقوطها.. الحب والخيانة.. العشق والموت.. البحث عن الذات والثروات.. المثاليات ونقائضها.. كلّ تلك القيم والظواهر وما بينهما.. هي مادة هذه الرواية وبناؤها. و فيها يقارب الكاتب بصورة خفية بين أحوال الدولة العثمانية و أمراضها و بلاد الشمس و التاريخ .. و الزيت (المملكة العربية السعودية) التي كانت تحتضن أمراضها قبل 2001 و ظهرت علامات المرض جلية بعد ذلك. علل زادتها بيئة متخلفة في التعليم و مخرجاته و شفافية خجول مستغربة و اعتقادات بأن خصوصيتنا عندما يتطرق الحديث عن الماضي و الحاضر و المستقبل ، هي فوق الدراسة و التنقيح و الرغبة فيما لدى الجديد الآخر. و يستفسر الكاتب عن مفارقة بناء ديننا الرائع القويم لحضارات الرشيد و ابن رشد و الفارابي ؟ و كيف يستغل الآن في هدم شواهد الحضارات ؟
و يتساءل الكاتب بصورة رمزية عن حال دولته قائلاً عن دولة الخلافة "أين الخلافة و السلطنة ؟ أين الخلافة و صدورهم العظماء ؟ أين الفرمانات الهامانوية الموجهة للعالم الإسلامي بإسم خادم الحرمين الشريفين ؟ أين تركيا العظيمة التي تُهاجِم و لا تُهاجَم ؟ التي تَحتل و لا تَحتل ؟". 9
و ينتقد غياب عملية التنمية في بلاده التي يجب أن تعطى الأولوية المطلقة للإنسان و أن تصب المشاريع قبل كل شئ في صالح تحسين شروط الحياة المادية لمجموع الناس و ليس النخبة من المحظوظين أو بعض الإنتهازيين. و في أحسن الحالات تفقد هذه النخبة بنمط حياتها و تفكيرها الصلة بالسكان التي أنبثقت منهم و لا تعود قادرة على تمثيلهم و لا التواصل معهم و تصبح جسماً غريباً لا يتمتع بثقة مواطنيه و لا يمكنه بالنتيجة أن يؤدي دوراً في تطور المجتمع الذي ننتمي إليه. 9
و ينتهي الى أن حلم الدولة قد إنتهى كما إنتهت الخلافة العثمانية من قبل حيث نقل على لسان "مختار بك" كبير مهندسي دولة الخلافة و المشرف على بناء خط حديد الحجاز "هزم مشروع دولتنا التي قضينا أعمارنا ننافح من أحلها و نحارب. كنا نشيد خطوط سكك الحديد و نبني الجسور و نجهز الجيوش و نخطط لمعاركها لأجل أمة عثمانية تضم شعوباً إسلامية مختلفة اللغات و اللهجات و الأعراق ، فما كانت النتيجة ؟ خدعتنا شعوبنا الإسلامية و حاربت مع الكفار ضد خلافتها. خلافتنا وهنت هي الأخرى الى أن أصبحت رجلاً دولياً مريضاً يستجدي المساعدات و أميالاً مربعة كانت له و يقدم له الدواء على شكل قائد ادعى أن كل الأتراك أبناؤه بعد أن ألغى الذاكرة القديمة و البطولات الماضية و حتى لغة الأذان التي لم تعرف آذاننا غير حروفها العربية منذ مئات السنين". 9
و لا يعفي الكاتب القيادة السياسية في بلاده مسئولية ما جرى إذ نقوم نحن البشر بتقرير ما ننوي فعله ثم ننفذه و نحيل بعد ذلك هذا الأمر و ما ينتج عنه للقدر ... سبحانك ربي !! 9