Tuesday, 16 March 2010

الأسرى يقيمون المتاريس لفؤاد حجازي


مأسورون من أماكن شتى، وجوه وأيد ملطخة بسواد ، ودماء متخثرة، ضلوع محطمة ، نفوس ذاهلة ، أجساد متناثرة على الرمال ، تعب سنوات طوال في تثقيف عقول وتربية أجساد ينتهي في لحظة واحدة بعد قصف مدفع، عيون مكدودة غير مصدقة أن ما حدث قد حدث


يقول البعض بأن الرواية هي ديوان العصر. فيها تتعرف فيها على المجتمع و تستكشف تفاصيله و تتلمس همومه و تقرأ من خلالها حياة البشر و أحلامهم و صرخاتهم المكبوتة و نجاحاتهم و إخفاقاتهم. و الحرب هي أحد تلك الصور الإنسانية البشعة التي تخلف القتل و التشرد و الدمار. لذا كان أدب الحرب أحد أهم الفنون الروائية التي تؤرخ لمجتمعات الحرب. 9

و كانت نكسة 1967 هي الحادثة التي هزت الوجدان العربي و خدشت كبريائه و قضت على شعاراته. فيها هزمت مصرقبل أن تُحارب. هاجمتها الطائرات الإسرائيلية في الساعة التاسعة من صباح الخامس من يونيو 1967م و قضت على سلاح الطيران في الهجمة الأولى و كشفت ساحة المعركة و سلاح المشاة الذي استدعي على عجل قبل أسبوعين من بدء المعركة. وقعت الهزيمة و قتل من قتل دون مواجهة حقيقية وأسر من أسر. 9

يقدم فؤاد حجازي شهادته على تلك الحرب كأحد المقاتلين الذين أسرهم الإسرائيليون قبل أن يقوموا بقتل عدد من أسرى المعركة لا سيما الفلسطينيون منهم. حدث ذلك و يتناوله الكاتب بوضوح شديد وببساطة وصراحة في وسط تجاهل مصري رسمي متعمد لجرائم الحرب هذه. و يقدم تجربته داخل سجن عتليت الاسرائيلى بعد أسره في نكسة 1967 ناقلاً في شهادته التاريخية المعاملة التي لقيها الأسرى المصريون في إسرائيل والتي بدأت بالإهانة و إنتهت بالقتل. و يسرد من خلالها مقاومة الأسري الهلاك بالإبداع مبرزاً روح التحدي والمقاومة للأسرى الذين أقاموا المتاريس في وجه الأسر حيث كوّنوا مجتمعًا ينتج الصحف و مجلات الحائط التي تتناول التحليلات السياسية و الفكاهات و شكّلوا فرقة موسيقية و مسرحية لرفض الشعور بالمهانة ومحاولة هزيمة الهزيمة و قتل اليأس الذي نحر مشاعر العزة و الكرامة التي نادى بها زعيم الثورة. 9

و تقص الرواية تفاصيل النكسة بطريقة تفاعلية فتروي كيف وقع بطل القصة في أسر الإسرائيليين هو وأفراد فرقته و كيف أنقذه القدر غير مرة من الموت المحتم وكيف رُحّل إلى فلسطين المحتلة و كيف عومل الأسرى و قاوموا و انتفضوا في السجن ، و تحكي تفاصيل صدمة واقع الجيش المصري وصدمة المآسي الإنسانية التي حدثت في تلك الحرب. تصور عذابات الأسير الذي يسرح ببصره عبر مياه البحيرة الزرقاء الصافية الوديعة ، خلفها رمال سيناء البيضاء الناصعة ، و يسأل الرمال دون أن تجيب : ترى هل يعود لأحضان أحبائه أم يقتل غريباً و تطوينه الرمال كما طوت الذين من قبله ؟

مآسي كثيرة ، متلاحقة ، و كل دقيقة تمر محملة بآلاف المآسي. مأسورون من أماكن شتى ، وجوه وأيد ملطخة بسواد ودماء متخثرة ، ضلوع محطمة ، نفوس ذاهلة ، أجساد متناثرة على الرمال، تعب سنوات طوال في تثقيف عقول وتربية أجساد ينتهي في لحظة واحدة بعد قصفة مدفع ، عيون مكدودة ، غير مصدقة أن ما حدث قد حدث. هذا ما خلفته تلك الحرب المجنونة التي إنتهت بالخسارة المخزية. 9

يتأمل الكاتب في حال الأسرى في صورة يختلط فيها تقديم الحدث بالوصف : "كان البحر عميق الزرقة، ممتداً إلى نهاية البص. كنا ننظر إليه في إعزاز شديد فهذه المياه ممتدة إلى شواطئنا. هذه المياه تلعق أقدام بلادنا. كنا ننظر في شوق نحو الجنوب وكأن مصر على بعد خطوات منا". 9

رواية تقع في 120 صفحة من الحجم المتوسط ، تحاول أن تشير الى موضع الألم علّها تفتح أعيننا لنرى و نبحث عن إجابات الأسئلة الحائرة في نفوسنا و تصور تجربة سردية للمؤلف في حرب هزمت فيها القيادة بينما ظل الجنود الأسرى مقاومين رافضين للهزيمة. رواية واقعية صادقة تبرز روح النضال والمقاومة في شخصيات لم تخضع للعدو ولم تحن جبهتها أمامه ولم تستسلم للهزيمة. 9

No comments: