Saturday, 20 November 2010

القرن الأول بعد بياتريس لأمين معلوف

و إذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت

رواية مختلفة من أمين معلوف. فعلى خلاف أعماله الأخرى التي يستحضر فيها التاريخ ليضفي أفكاره الإنسانية على طبيعة الصراعات البشرية ، هنا يتطلع معلوف الى المستقبل و تحديداً الى القرن الواحد و العشرين الذي أسماه "القرن الأول بعد بياتريس" أي مطلع الألفية الجديدة في إشارة الى مولد بياتريس الإبنة الوحيدة لبطل هذه الرواية. 9

تدور أحداث الرواية حول وحشية التقدّم العلمي الذي أنجزه البشر و تأثير ذلك على إنسانية الحياة. و يعتقد كاتب الرواية بأن التاريخ من الآن و صاعداً لن يكتبه الجنرالات و الإيدليوجيون و الطغاة ، بل الفيزيائيون و البيولوجيون. فعلى مر القرون كان تأليه الذكر الذي بمثابة آفة إجتماعية ومنذ منذ آلاف السنين و العالم لا يتوقف عن تعظيم الذكر و البشرية جمعاء لم تشأ غير إنجاب الذكور. لكن ومع تطور العلم و التقدم الذي حاق بعلم الجينات فإن تحديد جنس المولود أصبح واقعاً و أصبح من يعارض الإجهاض و الإختيار الجيني اليوم هم المتدينون أنفسهم الذي وصموا تاريخياً بمعاداة الجنس الناعم ، و أصبح دعاة المساواة بين الرجل و المرأة هم من يسمح للبشرية بأن تستخدم أكثر الوسائل تطوراً لخدمة القضايا الدنيئة و توظف أسلحة العام 2000 لتسوية نزاعات تعود الى العام 1000 ، و هم من يشيح بنظره عن تلك الحدود الفاصلة بين وحشية العلم و إنسانية الطبيعة ؟ إنها اللحظات التي يضع فيها أكثر العلوم سمواً نفسه في خدمة أحقر الغايات ! 9

بطل الرواية عالم حشرات يصف نفسه بأنه مجرد ذبابة حوامة متطفلة و سيئة الطالع. و لكنه يقدس تلك المخلوقات الضئيلة التي عجز الإنسان العظيم بعقله و علمه عن محاكاتها. فلقد وجدت الحشرات على هذه الأرض قبلنا و ستبقى بعد رحيلنا. فهل من مخلوق عرف مثلها إستخراج مواد أعظم شأناً من الحرير و العسل و المن و السلوى ؟ لقد دأب الإنسان منذ القدم على تقليد عناصر و طعم هذه المنتجات التي تصنعها الحشرات. و ماذا عن طيران الذبابة الحقيرة ؟ كم من القرون نحتاج لنقلده ؟

يلتقي عالم الحشرات بصحفية طموحة تجد ضالتها في قضية بعض العقاقير التي بدأ إنتاجها سراً من أجل التحكم في جنس الجنين. و تبدو تلك التقنية مقبولة في العالم المتقدم لكنها حتماً ستبدو مذمومة في الدول النامية التي تعاني حالياً من الطفح السكاني و لكنها متعطشة لمزيد من الذكور لتغذية الحروب أو تغطية وسائل الإنتاج البدائية فيها. و هنا يبرز الكاتب قضية غاية في الأهمية و هي الموقف من العلم في وسط التناقض في المنظومات الأخلاقية بين نصفي الكرة الأرضية : الشمالي و الجنوبي. خلال القرن الماضي ، تقاسم الأرض جنوب يتظلّم و شمال يتذمر. 9

و يبدو هذا الأمر جلياً في كثير من جوانب الحياة : هناك من يستخدم التلفاز من أجل مشاهدة البرامج العلمية أو الترفيهية و هناك من يستخدمه من أجل مشاهدة الأفلام الجنسية. هناك من يُحسن إستخدام الإنترنت لزيادة محصوله المعرفي و هناك من يستخدمه لمجرد الثرثرة التي خربت الكثير من بيوت الزوجية. هذا الفارق الجلي في القيم و المؤسسات و اللغة و أسلوب العيش ، أبرز بصورة فظة الهوة السحيقة التي تفصل بين دول العالم ، شمالها و جنوبها. 9

يتحرك الزوجان (عالم الحشرات و الصحفية) مع مجموعة من الأصدقاء من أجل منع هذه الأبحاث حيث أنها ستتجاوز مرحلة الاختيار الشخصي إلى إجبار العالم على تغيير هويته. فيؤسسون جماعة أسموها "شبكة العقلاء" أخذت على عاتقها مقاومة كل محاولة لاستمرار هذه الأبحاث أو تشريع نتائجها. و ينجح الشخص الذي كان مقتنعاً بضآلته كما أسلفنا في قضيته التي آمن بها متى ما أعطاها وقته و جهده و لا بد أن يصل في النهاية إلى مبتغاه. 9

و تتجلى جمالية القيم الإنسانية التي كثيراً ما دعا إليها أمين معلوف في أعماله مهاجمة الحقد الذي يصبغ حياة الإنسان مهما تقدم و تطور في العلم. فعندما يتعلق الأمر بالحقد ، تخترق الذاكرة الزمن و تقتات من كل شئ ، و حتى من الحب في بعض الأحيان. و لقد نجح عدد قليل من العقائد عبر التاريخ في إستصئال الحقد و اكتفى معظمها بتحويله من شئ لشئ لآخر ، فاستهدف الملحد و الغريب و المرتد و السيد و العبد و الأب. و الحقد ليس حقداً إلا عندما نراه عند الآخرين ، أما الحقد الذي نحمله في أعماقنا ، فهو يحمل آلاف الأسماء. و عندما نعجز عن القضاء على الجُذام ، نتهم المجذومين أنفسهم و نشيد المحاجر الصحية ! فيا لهذه الحكمة الأزلية ، و يا لهذا الجنون الأزلي ! 9

4 comments:

Anonymous said...

شكرا على الجهد الواضح في العرض المركز للروايه
تسلم إيدك

حلم جميل بوطن أفضل said...

تحلطم

الله يسلمك

ebtsamh said...

ماشاءالله عليك

دايم تحليل مميز مع اي رواية تطرحها ..

عجبتني الرواية والتحليل

قواك الله ..

حلم جميل بوطن أفضل said...

إبتسامة

الله يقويك