هناك ملاحظات فنية عديدة على قانون الخصخصة الى جانب السقطة الكبيرة ل "الرمز" أحمد السعدون في الموافقة على قانون يسمح بتخصيص المورد الأساسي لأموال الدولة. 9
و قبل أن أسترسل في تلك الملاحظات يجب الإنتباه الى تجارب الشعوب السابقة في عمليات التخصيص. أولى تلك التجارب هي للولايات المتحدة الأمريكية التي خصصت القطاع الصحي مما أدى إلى نتائج كارثة أشار لها المخرج مايكل مور في فيلمه الشهير "سيكو" و الذي إنتهى الى تعديل تاريخي قدمته حكومة الرئيس باراك أوباما على نظام التأمين الصحي لكي تستعيد الحكومة الأمريكية بعضاً من مسئولياتها في مواجهة القطاع الخاص الجشع. 9
ثاني التجارب هي التجربة التاتشرية مطلع الثمانينيات و الصراع مع النقابات الذي إنتهى الى المضي قدماً في عمليات التخصيص تلك و التي أدت إلى إنحسار صناعات الفحم و الصلب في بريطانيا و تهالك خدمات النقل العام و سوء خدماتها مع إرتفاع أسعارها و نضوب حقول الشمال دون إستغلال تلك الفوائض على عكس الصناديق السيادية التي قامت مملكة النرويج بإنشائها نتيجة إصرارها على السيطرة على عمليات إنتاج النفط في حقولها البحرية و إستغلال تلك الفوائض إستغلالاً مثالياً جعل الشعب النرويجي مضرب المثل في الرخاء الإقتصادي. 9
ثالث تلك التجارب و المقاربة لوضعنا هي التجرية المصرية في خصخصة القطاع العام في ظل مستويات مرتفعة من الفساد السياسي و الإداري في عصر الإنفتاح الذي نعيش نظيره في الكويت و الأدلة و الشواهد على ذلك كثيرة. 9
لذا يجب الحذر في تقنين عملية الخصخصة تلك مع الإقرار بحتميتها للصالح العام. و المبالغة و التوسع في الضمانات أمر مستحق في ظل إنتشار الفساد السياسي و الإداري في الدولة تحت همينة حكومة الشيكات و البخور الرئاسي. 9
أولى الملاحظات الفنية على مشروع القانون هو إنه "قانون بلا مخالب" فهو قانون يسمح و يسمح و يسمح. فقد غابت كلمة "لا يسمح" عن القانون. و رغم إن أهداف القانون التي أشارت لها المذكرة الإيضاحية للقانون هي زيادة لكفاءة القطاعات الاقتصادية في البلاد ورفع مستوى جودة السلع والخدمات و زيادة انتاجية ومساهمة العمالة الوطنية في الاقتصاد الوطني وتوفير البيئة اللازمة لاستيعاب العمالة الكويتية الناشئة في القطاع الخاص و تشجيع دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية وزيادة مساهمته في دعم الاقتصاد الوطني و توجيه سياسات الدعم الحكومي المقدم للمستهلكين بغرض ترشيد الاستهلاك و تنمية سوق رأس المال المحلي وجذب رؤوس الأموال الوطنية من الخارج لاستثمارها في داخل البلاد و تقليص المصروفات العامة للدولة وترشيد الانفاق وزيادة ايراداتها. 9
فالصلاحيات منتفية لدى الهيئات المستحدثة (المجلس الأعلى للتخصيص و الجهاز الفني لبرنامج الخصخصة) في متابعة تحقيق مشاريع الخصخصة لأهدافها من توفير لفرص التوظيف للعمالة الوطنية و تطوير الخدمات و تحسين الأسعار. و لم يرافق هذا المشروع أي إشارة الى قوانين أخرى مستحقة كالخضوع الى هيئات مستقلة تنظم عمل شركات الخصخصة أو إقرار قانون ضريبي يكفل تحقيق الدولة للعوائد المحتملة من عمليات الشركات الخاصة تلك. 9
ثاني الملاحظات الفنية هو في عدم تمثيل مؤسسات المجتمع المدني في المجلس الأعلى للتخصيص كإتحاد العمال و غرفة التجارة و الصناعة و جمعيات حماية المستهلك. 9
ثالث الملاحظات الفنية هو أن القانون تنظيمي في طبيعته. فهو لا يقرر تخصيص قطاعات بعينها و لكنه ينظم عملية التخصيص متى ما شاءت الحكومة ذلك دون الرجوع الى مجلس الأمة. و بذلك تتنازل السلطة التشريعية عن إحدى صلاحياتها الدستورية الى السلطة التنفيذية ممثلة بالمجلس الأعلى للتخصيص الذي سيكون له الحق الأوحد في تحديد القطاعات التي ستخصص ومن دون الرجوع إلى مجلس الأمة لاستصدار قانون بذلك مثلما تنص المادة 152 من الدستور التي تنص على أن كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون الا بقانون ولزمن محدود. و هنا لا يراودني أدنى شك في أن الحكومة ستعمد الى تفسير قانون الخصخصة هذا على إنه الغطاء الدستوري للقيام بأية عملية خصخصة دون الرجوع الى مجلس الأمة الذي أعطى "شيكاً على بياض" للحكومة لتجاهل دوره و دور مؤسسات المجتمع المدني المغيبة عن التمثيل في المجلس الأعلى للتخصيص. 9
و لهذا السبب تقدمت النائبة أسيل العوضي بإقتراحها الجميل بتعديل المادة الثالثة من القانون لكي تقضي بعدم جواز منح التزام باستثمار أي من المرافق العامة الاستراتيجية وعلى الأخص التعليم والصحة والكهرباء والماء والنفط والغاز الطبيعي الا بقانون مستقل وإلى مدة محددة. أي إن القانون ينظم أليات عمليات الخصخصة التي يجب أن تقدم في مشاريع قوانين مستقلة تعرض على مجلس الأمة لأقرارها و هي الآلية الصحيحة ! 9
رابع الملاحظات الفنية هو النص المعيب الذي "يفخر" أنصار السيد أحمد السعدون بالموافقة عليه و هو توزيع ما قيمته خمسة بالمائة من تلك المشاريع على العمالة الكويتية التي تعمل في تلك المنشآت. مع العلم بأن بعض أصول القطاعات تبلغ قيمتها مليارات الدنانير و سيوزع نسبة الخمسة بالمائة من ذلك المال العام على عمالة كويتية تقدر ببعض مئات فيما يشبه "الرشوة" لتلك العمالة الوطنية للقبول بعملية الخصخصة ! 9
خامس الملاحظات الفنية و أخطرها هو أن كثير من القطاعات التي يمكن تخصيصها هي ذات صيغة إحتكارية ، أي أن الحكومة ستمنح الخيط و المخيط الى شركات تحتكر تلك الخدمات دون رقابة (كما أوضحنا أعلاه) و هو ما يخالف نص المادة 153 من الدستور التي تقرر بأن كل احتكار لا يمنح الا بقانون والى زمن محدد. و من الأمثلة التاريخية على وقوع الحكومة في مثل هذا الخطأ : خصخصة شركة السينما الوطنية مما أدى الى زيادة الأسعار ، خصخصة شركة الإتصالات المتنقلة مما أدى الى زيادة الأسعار و رداءة الخدمات المقدمة قبل كسر الإحتكار ، إعطاء حق تقديم خدمات الإنترنت الى شركات خاصة دون مزايدة رسمية مما أدى الى إرتفاع الأسعار مقابل رداءة الخدمات. 9
و لهذا أيضاً تقدمت النائبة "المجتهدة" أسيل العوضي بنص جديد يضاف على المادة الثالثة من القانون يقضي بأنه في حال تضمن التخصيص منح احتكار فلا يكون إلا بقانون مستقل وإلى زمن محدود. 9
سادس الملاحظات الفنية هو أني لا أرى بإلزامية مفهوم "السهم الذهبي" على كافة مشاريع الخصخصة إذ إنه سيقيّد حرية القطاع الخاص و سيجعله رهن مشيئة الحكومة التي لا تمتلك الرؤية و لا الكفاءة و لا الخبرة و هي سبب فشل تلك القطاعات و هو الأمر الذي سيقتل روح القانون و الهدف منه. من الأفضل أن تخضع تلك الشركات الى ضوابط القوانين المنفصلة التي تحوي كافة الإشتراطات و منها المراقبة من هيئات متخصصة بمتابعة أداء تلك القطاعات بعد خصخصتها كما كان الحال في التعديل المقدم من النائبة أسيل العوضي (الملاحظة الخامسة). 9
ختاماً ،، قانون الخصخصة أمر مستحق و إنهاء الدولة الريعية قرار حتمي لا رجعة فيه. لكن المبالغة في الضمانات تحقيقاً لنصوص الدستور و أهداف مشروع القانون أمر مستحق أيضاً تقتضيه المصلحة الوطنية. 9
هذا القول يجب ألا يوجه فقط ل "الرمز" أحمد السعدون فحسب ، بل يطال السيد "علي كوكو" و باقي الشلة الإنبطاحية الذي يبصمون على كل مشروع حكومي تحت ذريعة التعاون ! 9
إنتهى ! 9