صالح هيصة لخيري شلبي

هل السينما تاخذ من الواقع أم أن الواقع يأخذ من السينما ؟

كعادة خيري شلبي المنتصر دوماً للمهمشين في طبقة القاع ، يبحر في رواياته عبر رحلة ممتعة إلى عالم المثقفين وقاع مدينة القاهرة والصعاليك وغُرز الحشيش، ليتحول صالح هيصة إلى شاهد على العصر بأحلامه بإنكساراته وانتصاراته والأحلام الكبرى التي لم تتحقق.. يقول صالح هيصة بطل الرواية: "ربنا خلق الدنيا هيصة! وخلق فيها بني آدم هيصة! كل واحد في هيصة!.. بيعمل هيصة! عشان يلحق الهيصة، ويا يلحق يا ما يلحقش!.. وكلهم كحيانين!.. بس كل واحد كحيان بطريقة!.. وأنا ملك الكحيانين!.. عشان كحيان بكل الطرق". 9

ينتقد شلبي الثورة (1952) التي قامت و هو طفل فعاش طفولته كلها في ظلها وعايش أحلامها. وكلما تقدم الزمن اتضحت أكثر أخطاء الثورة. ففي البداية كان معجباً بها باعتبارها أمل ولكنها للأسف لم تحقق المرجو منها و كانت نكبة على الشعب المصري ، لأنها قتلت كرامة الإنسان ، وقادته إلى نكسة 1967 و تأميم الشركات و المصانع الكبيرة وتسليمها للصوص القطاع العام مكبدين الدولة خسائر طائلة. فهي انقلاب عسكري وليست ثورة بيضاء. تجسدت بها كل أشكال الديكتاتورية وبرز في ظلها المخابرات والسجون الحربية. كان الإنسان يملك في عصر ما قبل الثورة كرامة دمرتها الثورة و زرعت الخوف في نفوس الشعب وسحقت القيم فكان الأولاد يتجسسون على آبائهم وكانت منظمة الشباب تعلم أعضائها كيفية التجسس على ما يسمونهم بأعداء الثورة فترسخ الخوف في نفوس الناس، وخلق القمع في الناس جبن وذل امتد معهم إلى الآن. 9

في شارع صغير بوسط مدينة القاهرة يقع مقهى صغير يعمل فيه صالح هيصة المتمرد على الأشخاص و الأحداث بتدفقاتها وجنونها مستخرجاً باطن الزمن و أسراره. رمزية المكان و ما حواه من غرز ومقاهي لا يرتادها الا المشاغبين والخارجين عن القانون وليس المثقفين المتحالفين مع السلطة عكست الحالة النفسية والاجتماعية و طبيعة الحياة التي عاشتها شخصيات الرواية و المسحوقة بذلّ النظام الجديد و الذين تعرضوا لمتاعب مضنية من تحقيقات و تهديدات بالفصل من الوظائف التي يشغلونها و التعرض للمداهمة فجراً و تفتيش المساكن مرات عدة و الحبس لأسابيع أو شهور ثم التشرد و الضيقة المادية لحد الإرباك التام. حتى ينتهون الى العزلة عن الزملاء و الأصدقاء و الأحباب خوفاً من التطرف و التجنب من المشاكل التي قد يحلبونها معهم. كل ذلك كاد أن يوصلهم الى الجنون الحتمي لولا مقاومتهم الجنون بسلاحين : السخرية و الحشيش ! فورثوا بذلك جروحاً لا تشفى و لا تندمل. حيث ظلوا دائماً أبداً يشعرون أنهم مستهدفين للعزل ، فكانوا في كثير من الأحيان يبادرون بعزل أنفسهم حماية لكبريائهم ، و في بعض الأحيان تتسلط عليهم الرغبة في العزلة حتى عن أصدقائهم المقريين. 9

يستعرض خيري شلبي و بحرفية بارعة أجواء غرز الحشيش التي خدرت و غيبت الشعب المصري و سلخته عن الأحلام و الوعود التي جاء بها النظام الجديد من حرية و تعددية وديمقراطية فتتعرف على أنواع الحشيش و أسمائها و طرق بيعها و شرائها و رصّها و صفّها و تحضيرها. 9

و يصور الكاتب شخصية صالح هيصة على إنها شخصية فوضوية تمثلت في رجل متفتح للحياة ويفعل ما يريد ويضع نفسه فوق البشر وينتقد الناس جميعهم بغض النظر عن مراكزهم أو أهيمتهم و يحاول الإستعلاء عليهم برغم هامشيته. لكن برغم هذا يبقى صاحب قيمة ، يقول الحق دائما في زمن ندرت فيه الحقيقة. 9

هذه كانت مأساة صالح هيصة الذي إدعى الغباء "أكبر مصلحة ليك يا بيه إن اللي حواليك يتعاملوا معاك على إنك مفهوميتك على قدك !! حيبقوا حلوين معاك و آخر فل ! بالهم يطمئن من ناحيتك ينسوم يسبوك في حالك وده أول مكسب ! يتكلموا على راحتهم قدامك ! يفتحوا أبوابهم المهجورة !يخشوا في الجخانيق و الأوض اللي هما دافنين فيها حاجات كتير يمكن جثث قتلوها يمكن حاجات وسخة عملوها أو اتعملت فيهم يمكن يمكن يمكن ما تعدش !!". لكنه كان الناقد الحاقد على الثورة و رجالاتها فالعرب كما يروي صالح هيصة مصابين بداء السلطة و عشق المريسة و الإمارة. سيظلون أبد الدهر يعيشون في ركاب القوى الخارجية التي تمكن كل قرصان فينا من الإمارة و ما أكثر القراصنة المستعدين للتسلطن حتى و إن وعوا بأنهم مجرد خفراء و أدوات قمع لشعوبهم. 9

لتحميل الرواية إضغط هنا