Wednesday 10 March 2010

الحب في المنفى لبهاء طاهر


متى بدأت الكلمات تصبح مجرد كلمات ؟ الثورة و العروبة و الاشتراكية و العدل ؟ كلمات للمقالات و الندوات و لكنها ليست للحياة ! 9

رواية خيالية رتيبة الأحداث وبطيئة للأديب بهاء طاهر حاصلة على جائزة الدولة التقديرية عام 1985 و جائزة "الزياتور" الإيطالية لكنها تستند على بعض الوقائع الحقيقية استطاع الكاتب بلغة بسيطة فيها أن يفجر الصراع الإنساني ويعمق أحاسيسه. تدور أحداثها في بداية الثمانينيات أثناء الاحتلال الإسرائيلي لبيروت عن صحفي مصري ناصري في الخمسين من عمره، صدم في ما آلت إليه بلاده بعد رحيل عبد الناصر و إنتقال البلاد من زعيم إلى قائد. مر بعدة إضطرابات في حياته الزوجية إنتهت إلى الطلاق من زوجته. وصل لمنصب نائب رئيس التحرير في احد الصحف القاهرية الكبرى في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي بوفاته انقلبت الأمور رأسا على عقب فوق رأس بطل الرواية حيث انه محسوب بقوة على التيار الناصري حتي أنهم يطلقون عليه في الجريدة بالقاهرة "أرملة الفقيد" والذي استبعد بعد رحيل الزعيم إلي الخارج لأنه رفض مسايرة الركب معلنا أنه ليس للبيع. وبالتالي كان لابد من التخلص منه بعد ثورة التصحيح و محاكمة مراكز القوى و نظراً لأنه لم يكن هناك ما يدينه قانونياً تم إبعاده بأن تم تعيينه مراسلاً للصحيفة في المدينة الأوروبية التي تدور فيها احداث الرواية. فالمنفى وطن ثان للهاربين من أوطانهم بزعم أنهم وحدهم العاشقون لتراب الوطن، الراغبون في مجده ورفعته، الرافضون لأحواله حين تركوه، المعارضون، والمحتجون والمالكون لفصاحة اللغة وقدرة المناورة بالكلام. 9

تناقش الرواية و التي تدور أحداثها عام 1982 الاجتياح الاسرائيلي الغاشم للبنان و مذابح صبرا و شاتيلا و شهادات بعض شهود العيان كالممرضة النرويجية و احد اليهود الأمريكان ممن عاصروا هذه المذبحة البشعة و تتناول الرواية كيف تعاملت بعض وسائل الأعلام الأوروبية المسيطر عليها اللوبي الصهيوني مع مذابح كهذه و كيف صوروها على إنها مذابح بين العرب وبعضهم البعض وكيف ان اسرائيل لا دخل لها بهذه المذابح البشعة. 9

كما تتناول الرواية من خلال بطلتها "بريجيت" التفرقة العنصرية التي عانت منها منها في بلدها "النمسا" من خلال ارتباطها بصديقها المواطن الأفريقي الأسود و كيف واجهت أقسى و أبشع وسائل القمع والإذلال من قبل مواطنيها البيض لمجرد أنها تزوجت من مواطن افريقي ملون و كيف تطورت الأمور حتى تسببت هذه العنصرية في إجهاضها و ضياع حبيبها وحبها مما اضطرت معه أن تهاجر من بلدها الى هذه المدينة الأوروبية التي تدور من خلالها احداث الرواية. 9

كما تحتوي الرواية على العديد من الشخصيات والأحداث المتقاطعة و المتشابكة بدءاً من علاقات الناصريين بالشيوعيين السابقين من خلال علاقة بطل الرواية الناصري القديم بصديقه "ابراهيم" الشيوعي القديم والحديث عن نشأة كل منهما و الأسباب التي أثرت على اتجاهاتهما و انهيار الحلم الناصري والقومية العربية ووضع الأمة العربية والإحتلال الإسرائيلي للبنان. و تعرج الرواية على إنتهاك حقوق الأنسان بأمريكا الجنوبية و بالتحديد في شيلي من خلال شخصية "بيدرو" كما تناقش مشاكل مهاجري امريكا الجنوبية في اوروبا و معاناتهم من خلال إقاماتهم غير الشرعية. و تحمل في ثناياها إدانة الحضارة الغربية وتتنبأ بأفولها لأنها قامت على الجشع والعنصرية ورغم وفاة البطل لأن حياته فقدت معناها، وإحباط الشخصيات واغترابهم، إلا أن الرواية حملت بشرى الخلاص، وتدعو للتفكير في السبب أو الأسباب التي دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هي عليه. 9

توثق الرواية لجرائم الصهيونية في مخيمات الفلسطينيين بلبنان فتورد شهادة حقيقية لممرضة نرويجية عما حدث في مخيم عين الحلوة، وفي الفصل الأخير شهادة حقيقية للصحفي الأمريكي رالف عما حدث في صبرا و شاتيلا ومسئولية الاحتلال الإسرائيلي عن المذبحة التي أرادت أن تلصقها بالآخرين و تمثل الرواية إدانة للصمت العربي إزاء جرائم الصهيونية التي لا تنتهي حيث يتساءل بطل الرواية : "كيف تكون هذه المجزرة اليومية حرباً ؟ و كأنه يمكن ان تكون هناك حرب فعلاً بين جيش جرار يملك أحدث الطائرات و يلقي أفتك القنابل من الجو و من البحر على مدينة يحاصرها و لا تملك طائرة واحدة و لا جيشاً و لا أسطولاً". أسأل كيف تكون حرباً ان يدافع مئات أو بضعة آلاف عن هذه المدينة بالبنادق و الرشاشات أو حتى بالمدفعية و الدبابات ؟ أين هي الحرب في هذه المذبحة اليومية ؟ لاشيء غير الدبابات والقنابل تطير و تدك، و الطائرات تقصف و جنود إسرائيل الأصحاء يبتسمون على الشاشة و هم يرفعون رشاشاتهم بعلامات النصر، و في المخيمات يجري الأطفال عرايا والأمهات بالشباشب البلاستيك وهن يلطمن وجوهن وسط أكواخ انزلقت أسقفها على جدرانها لتصنع أكواماً مهووشة من التراب و الطوب و أسياخ الحديد الملتوية وسط دخان أسود ودخان أبيض. 9

ورغم وفاة البطل لان حياته فقدت معناها، واحباط الشخصيات واغترابهم، فإن الرواية حملت بشرى الخلاص وتدعو للتفكير في الاسباب التي دفعت هذه الشخصيات الى ان تصبح على ما هي عليه. كل الشخصيات الموجودة في الرواية بدأت ناجحة طموحة وانتهت بالفشل. و يحذر الكاتب من أخطاء التطرف الذي إجتاح المنطقة العربية لأن كل الشرور التي عرفت في الدنيا خرجت من ذلك الكهف المعتم. تبدأ فكرة و تنتهي شراً : أنا على حق و رأيي هو الأفضل. أنا الأفضل إذن الآخرون على ضلال. أنا الأفضل لأني شعب الله المختار و الآخرون أغيار. الأفضل لأني من أبناء الرب المغفورة و الآخرون هراطقة. الأفضل لأني شيعي و الآخرون سنة أو لأني سني و الآخرون شيعة. الأفضل لأني أبيض و الآخرون ملونون أو لأني تقدمي و الآخرون رجعيون و هكذا الى ما لا نهاية. 9

هي شهادة المنفى والمغترب و بوح الذات المنكسرة أو الأنا الصادقة في لحظات الاحتضار و تجميع شتات الغربة التي ترى الوطن و محاكمة أحلام المجد الى هاوية السقوط حيث لا وطن ولا قومية ولا حلم فالكل يتهاوى. و تبدو الرمزية السياسية عالية و ذات دلالات واضحة فالراوي يمثل فترة جمال عبدالناصر وزوجته "منار" تمثل مصر الانفتاح التي إنها تغيرت بعد أن كانت ذات مبادئ فالمال لم يكن الشيء المهم في حياتها ولكنها أصبحت انتهازية فيما بعد وبدأت مشاريعها الخاصة حيث بدأت تدخر لحسابها الخاص وتشتري الفضة من خان الخليلي ثم تعيد بيعها عندما ترتفع الأسعار. وابناؤه يمثلون فترة جماعات العنف و "ابراهيم" يمثل مرحلة المعتقلات والمنفى والحرب الأهلية ببيروت و تمثل شخصية "الأمير حامد" الخداع وتعدد الأقنعة لدى المواطن العربي مع محاكمة للصحافة العربية على امتداد الوطن لآفاتها المتعددة. 9

يقول الكاتب على لسان البطل "أريد أن أفهم، من أكثر من خمسين سنه أحاول أن أفهم، حاول الطفل وحاول الرجل ورجع الطفل ومات الرجل وكله دون فائدة. مائة سنه لا تكفي. عمر كامل نحياه ولا نستطيع أن نفهم الحكمة والحقيقة. الأمور تختلط رغباتنا و مبادئنا ، علاقتنا بالآخرين و ذاتنا و الأهداف و السبل". لكن بهاء طاهر لا يستطيع أن يقتل ذلك الحلم فيه في الوطن الوليد الطفل .. طفل هو أنت و هو أنا .. نعيش فيه معاً و نعيش معه .. بعيداً .. في جزيرة أو فوق جبل. نعلمه ان يحب الأشجار و الزهور و الشعر و نعلمه كيف يتخذ من الشجر أصدقاء له .. يصغي لما تقوله أغصانها و يفهم الرسائل التي تبعثها أوراقها المتساقطة. نعلمه أيضاً ألا ينساها في الخريف. يقول للشجرة إنه معها في عذاب الموت و الميلاد و إنه هو أيضاً سيولد معها من جديد حين تنبت أوراقها الخضراء مرة أخرى. لكنه لن ينساها و هي تقف عارية في الشتاء بل يمنحها الدفء. دعنا ننجب ذلك الطفل. 9


10 comments:

kuwaiti_cool said...

ابدعت بنقل الروايه واحداث مهمه بتاريخ العرب


لم اقرأ الروايه من قبل لكن يبدو انها ستكون من اول اهتماماتي
مبدع كالعاده

Anonymous said...

شكرا لك اخي الحلم الجميل

بالنسبه للمهاجرين العرب الموجودين في افريقيا او امريكا الجنوبيه او اوروبا او امريكا الشماليه انا اتوقع هذه كانت خيره للعالم العربي ولهم لانه هؤلاء هم حلقة الوصل بين ثقافتنا والثقافات الاخرى

مبدع كالعاده

Multi Vitaminz said...

شكراً لك ياحلمي الجميل ..!


ومساء الورد

رواية جميلة وكثر منهم ..!

Anonymous Farmer said...

It's a shame one can't talk about such reviews in person. There is so much to talk about in reference to the previous posts and book reviews in general, where ideas can grow or transform into actions through peer interaction.

Start a book club, anyone?

رورو الشخبوطه said...

السلام..

الروايه اعرفها كعنوان فقط قريته بظهر رواية الكاتب واحة الغروب..

ومن كلامك ومن ماسبق وقريت له لاحظت انه الكاتب دائم يدمج الحقيقه بالخيال من خلال تركيزه ع احداث واقعيه مع اشخاص خياليه واحيانا بعضه تكون وحقيقيه كذلك..

كنت متشوقه اقراه توقعت انه من اسمه رومانسي اجتماعي طلع انه يطغي عليه البعد السياسي بعد..

ومشكور..

حلم جميل بوطن أفضل said...

كويتي كول

شكراً على الإطراء

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 1

هذا فيه حديث ذو شجون

فقط أنظر للعصر العباسي و كيف إزدهرت الثقافة الإسلامية بسبب الإنفتاح على باقي الثقافات

حلم جميل بوطن أفضل said...

فيتامين

صباح الخير

إدراك راح ينفجر من هالروايات

:)

حلم جميل بوطن أفضل said...

فارمر

سجل ادراك معاك

حلم جميل بوطن أفضل said...

رورو الشخبوطة

انتظري رواية اختلاس لهاني نقشبندي التي سأكتب عنها بعد يومين