لقد أصبحت بغداد فريسة جريحة بأهلها الأذلاء المهانين حتى في الحصول على لقمة عيش محترمة ، جثث متحركة ، لا إرادة لها ، فبغداد تنزف و لم يبق منها إلا جروح متقرحة. ولكن رغم الجو المشحون بالرعب و الجوع ، لا زالت عيون الناس ونظراتهم تخفي تحتها معارضة صامتة ، و تحت ذلك القنوط واليأس يكمن بركان خامد
ولدت حياة شرارة في مدينة النجف لأسرة عرفت بإبداعاتها الأدبية و ميولها الشيوعية و نشأت في بيئة ثقافية وفكرية وأدبية. أعتقل والدها الأديب "محمد شرارة" و فقد عمله أيام الملكية. و بعد ان أطلق سراحه أدين من قبل المحكمة العسكرية وحكم عليه بالسجن عدة اشهر بسبب انتمائه لحركة "انصار السلام". ومن ثم غادر العراق الى لبنان في عام 1954 للأقامة الدائمة هناك. أما حياة فقد إنتظمت آنذاك في صفوف الحركة اليسارية ، فسافرت هربا من ملاحقة السلطات الى سورية ومنها الى مصر حيث التحقت بجامعة القاهرة للدراسة في قسم اللغة الانجليزية. وعادت حياة الى بغداد مع والدها بعد ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958 وسقوط الملكية ، التحقت بجامعة بغداد وتخرجت منها في عام 1960 لكي تسافر الى موسكو من اجل مواصلة الدراسة العالية في جامعة موسكو. درست الأدب الروسي و تخصصت فيه. لكن ما لبثت أن لاحقتها السلطة بالرغم من محاولتها عدم الإعراب عن مواقفها من سياسة الحكومات آنذاك. وانصرفت الى التأليف والترجمة. 9
عاصرت أيام المد الشيوعي قبل إستيلاء حزب البعث على السلطة و تنكيله بالشيوعيين. إنكفأت على نفسها و عاصرت مجازر حزب البعث و إنحدار العراق و حضارة الرافدين و الإساءات التي طالت طبقة المثقفين و الأكاديميين و دفعتهم الى مستوى يقل عن طبقة اللصوص و الحرفيين. 9
وكانت فترة الحرب مع ايران ثم حرب الخليج من الفترات الصعبة جدا في حياة أسرتها بسبب تدهور الوضع الامني والمعيشي والعقوبات المفروضة على العراق. ومنعت حياة من السفر الى الخارج حين فقدت العمل في الجامعة ، وذلك بسبب ارتفاع رسم الخروج وقانون السفر الجديد الذي نص على بند "الحرم" حيث يمنع سفر المرأة بدون زوجها. وكان زوجها "محمد صالح سميسم" قد توفي بعد اعتقاله في عام 1982 . وكتبت حياة رسالة الى رئيس الجمهورية تطلب فيها السفر الى الخارج مع ابنتيها بدون محرم لكن طلبها بقي بدون جواب. واصاب حياة الاحباط الشديد بعد ان اغلقت امامها أبواب العمل والنشر والسفر.9
و في أول أغسطس/آب 1997 وقع انفجار انبوبة الغاز في بيتها الذي ادى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها، بينما اصيبت ابنتها الصغرى زينب. وفيما بعد قيل ان الحادث كان مدبراً من جهة ما بينما قال البعض بأن الحادث لا يعدو إنتحاراً قامت به حياة نفسها حين لم تعد ترى بصيصاً من النور أو الأمل و أحست أنها أمام منعطف الهاوية عندما فقدت الحياة مغزاها وهدفها. وهكذا انتهى درب الآلام الذي مضت فيه هذه الاديبة العراقية بشكل مأساوي. 9
و تنقل لنا حياة في هذه الرواية التي صدرت بعد وفاتها بمراجعة و تقديم شقيقتها الاديبة بلقيس شرارة لتعبر عن معاناة الأستاذ الجامعي في ظل النظام السابق ، والمواجهات الحادة التي اضطر الى خوضها. تبدو الرواية مشوشة و غارقة في التفاصيل الصغيرة مما عبر عن الحالة الذهنية التي عاشتها حياة أثناء كتابتها للرواية و محاولتها لإدانة النظام بأكبر قدر من التفصيل. تصور جميع أنواع القهر والحرمان والإذلال التي عانت منها في الجزء العملي من حياتها كونها أستاذة جامعية و تروي شرارة ذلك عبر إنتحالها سيرة حياة أستاذ جامعي بكل تفاصيلها المملة و معاناته حين وجد في رسالته العلمية كل حياته ومبررها. لكن ماذا تعني الكابة إذا أصبحت بلا غاية ؟ إذا لم تستطع أن تنشر ما تكتبه و توصله للناس ؟ ما قيمة الكتابة إن بقت محفوظة في أدراج مكتبك أو على الرف ؟
رواية تتحدث عن بؤس المعيشة في بلاد الرافدين ،، عراق صدام و البعث ، حين يبحث الناس عن لقمة تسد الرمق و تسكت صراخ المعدة و تصبح تلك الحاجة هي هاجسهم الوحيد في بلد لديها من الأنهار اثنان ، ومن النفط منابع في الشمال والجنوب ، ومن الأرض أسودها، ومن السماء أمطرها كما كتب "تركي الحمد". الخوف لفّ كل شيء بردائه، وملاك الموت يراقب الأنفاس حتى يتأكد من أن لا نفس إلا نفس الزعيم، ولا خفقة قلب إلا وهي تهتف باسم الزعيم ! 9
يفقد الإنسان جميع حواسه و إذا كانت حواس الإنسان كالشم و السمع و اللمس يمكنها أن تبقى جامدة. فإن حاسة البصر كانت تفضح المكنون ، لأن العينين تظلان المرآة التي ينعكس على سطحها ما تفعله اليدان و يتجلّى فيهما الذعر و الغضب و الإزدراء. يصبح الإنسان فاقداً لذاته و ملكاً لغيره و أسير إرادة الآخرين الذين لهم اليد الطولى في تصريف الأمور و الناس يجرون في فلكهم سواء كانوا واعين بذلك أو جاهلين برغبتهم أو رغماً عنهم. 9
أصبح التساوي الإنساني الوحيد المتاح يكمن في درجة الخوف والجوع والمرض، عندما يفقد الانسان كرامته وأهمية وجوده في هذه الحياة كل صباح ومساء : كيف يحدث كل هذا وبهذه الصورة السريعة والفظيعة ؟ كيف تنهار كل مقومات الحياة الانسانية الكريمة التي هي حق وهبه الله للبشر؟
و تصرخ حياة في وجه ذلك الحصار و من سبّب الحصار الذي أنهك العراق و أطفاله. أموال مهدرة و خيرات مبعثرة أوصلت الإنسان الى حالة من الفقر و الإغتراب الداخلي حتى أصبح منتهى طموح كل عراقي و آخر أمانيه بأن يهاجر و يترك ما يسمى بالوطن. 9
2 comments:
الحمد الله ..!
هاردلك وماتشوف شر على فريقك الدائم الهزائم , فافيرغسون فاز بفريق متألق ومسيطر على الدوري بقوة وأسمحلي صحيح أني مشجع فريقك ولكن الحقيقة تنقال ياحلو ..!
المؤمنين أنهزموا والشماته كثرو وين إنروح ياحلمي الجميل ..!
تحياتي
فيتامين
هل لديك أطفال ؟
هل لعبت يوماً معهم البلاي ستيشن ؟
هل تسمح لهم بالفوز حتى ترى البسمة على وجوههم ؟
هذا ما أحسه تماماً
أنا سعيد جداً لهؤلاء الأطفال
و لم يحركوا شعرة في رأس إدراك
Post a Comment