Sunday 14 March 2010

اختلاس لهاني نقشبندي



نحن نرى أن المراة ناقصة عقل و دين. لكن من قال إننا نحن الرجال مؤمنون و أذكياء. نحن ما إلا مجموعة حمير تجيد الكلام ! 9

لا يوجد ما هو أصعب على الكاتب "الرجل" أن يحاول التعبير عن أحاسيس "المرأة" و أن يحاول نقلها لن بصدق و عفوية و دون تصنع أو تزلف. و تزداد هذه المهمة صعوبة حينما يتعلق الأمر بالمرأة السعودية التي تتلذذ بدور الضحية بعد أن تعرضت و منذ سنواتها الأولى لأكبر عملية غسيل لعقل إنسان عرفتها البشرية ، فأصبحت بدلاً من ان تدافع عن حقوقها في المساوة والعدل. 9

و يحاول الكاتب "هاني نقشبندي" أن يقول الأمور الصحيحة في هذه الرواية. لكنه يخفق و بإمتياز في تقمص شخصية المرأة السعودية و يناقش بقدر لا بأس من السطحية أمور عميقة تصب في جذور تكوين المجتمع السعودي. لا يفشل الكاتب لأن الأفكار التي طرحها كانت خاطئة. أبداً !! و لكنه يخفق و ببساطة لأنه غير مؤهل لأن يقول مثل هذه الأمور. فهو الكاتب في المجلات النسائية العربية التي تحاول تغييب عقل المرأة و هي وظيقة لنقل بأنها غير "مستساغة" لدينا ، لكنه يحاول تبرئة نفسه و تصوير وظيفته على إنها جهاد و بطولة تنتهي بالإستقالة من مهنة التزييف تلك و تخدير الوعي. 9

تقع الرواية في 390 صفحة تقريبا من الحجم المتوسط و تتناول قضية حساسة في المجتمع السعودي و تكشف المستور عبر عمل روائي يستهدف الإثارة تماماً كما هي رواية "بنات الرياض". بطل الرواية صحافي سعودي يعيش في لندن ويرأس تحرير مجلة نسائية و يستلم رسائل غريبة من قارئة سعودية تكشف فيها الكثير من المخفي من حياتها و علاقاتها و أفكارها و تبحث عن طريقة تعبر فيها عن المكبوت في صدرها و حياتها وسط المجتمع الجاف الذي تحاول التعايش معه و الذي لا يعرف سوى ثلاث أشياء عن المرأة تلك الفاكهة المحرمة الا علي المقتدرين : تحيض ولا نحيض . تلد ولا نلد . نخطئ ولا يحق لها الخطأ ! 9

تدور الرواية حول مقال كتبه الصحفي "هشام" عن الخيانة الزوجية في المجتمع السعودي. لم يكن من المعتاد نشر موضوع كهذا في مجتمع محافظ و أثار سخط الرقيب المتواجد في مقر نشر المجلة "لندن" هذه المدينة التي ليست المكان الذي يخفي فيه العشاق آهاتهم. هناك يجتمع الضد بالضد في وضح النهار كما في عتمات الليل. الإيمان مع الكفر. و حرية الفكر مع إحترام الآخر. الأذان يرتفع وسط قرع كؤوس الويسكي و النبيذ المعتق و عشرات الراقصات شبه عاريات في بيوت للنخبة لا يجرؤ أحد على اقتحامها. هذا الرقيب لا يجرؤ على نشر موضوع عن الخيانة الزوجية في مجتمع مسلم لا يؤمن بوجود أخطاء في مجتمعه المتدين صورياً. لكن هشام كان مختلفاً نوعاً ما فهو يرى أن الفارق بين النجاح و الفشل هو الإعتراف بالخطأ و أن الصراع الحقيقي بين المجتمع و رجال الدين و إن كان له جذور سياسية فمحوره الأساس المرأة. 9

تغضب "سارة" التي تحاول الإعتراف بفشلها في تحقيق ذاتها و تراسل الصحفي تسع مرات الذي يستمتع بقراءة الرسائل على أمل أن يتصل بعلاقة بكاتبتها يوما ما لكنه في الوقت ذاته يقيم علاقة مع فتاة إسبانية, ثم أخرى ايطالية إلى أن يجد نفسه صورة هو الآخر عن الرجل الشرقي السعودي الذي تهرب منه كاتبة الرسائل. إنه باختصار يتعرى أمام نفسه كما هي قارئته تتعرى أمام ذاتها. و ترفض سارة أن ينادي مجتمعها بقيم يناقضها و يفعل عكسها و تحاول هزيمة ما يعانيه المجتمع السعودي من قهر اجتماعي من إستعباد للمرأة. مجتمع يأكل أبناءه من فم مفاهيم بالية ما زالت تطلق احكامها التراثية علي شكل حياة وسلوك الناس اليومي. 9

و سارة تلك تنتمي الى عائلة سعودية محافظة تزوجت مبكراً‏ ولها توأمان و تتمتع بجمال يستحق أن تقوم ثورة من أجله‏. لكنها ثورتها كانت على العادات و التقاليد و نظرة المجتمع للمرأة كأمر ثانوي في الحياة الإجتماعية المزدوجة التي يعيشها المجتمع السعودي. و لأنها جميلة كانت تشعر بأن حريتها يجب ألا تقيد لأنها هبة الله على الأرض. و لأنها كائن حي يشعر و يحس كانت لا تريد أن تسير ميتة وهي علي قيد الحياة‏ ، تستجدي هذا الإحساس من الرجل المسكين الذي يدرك مواضع العفة في نسائه ، لأن الإحساس بوجود الشئ أهم من وجوده أحياناً. تصرخ سارة رافضة إنكار هذا المجتمع الذكوري من تزييف الحقائق بما يخص الخيانة الزوجة و إلقاء اللوم كل اللوم على المرأة. لماذا استمع آدم الى المرأة في جنة الخلد ؟ لماذا لا يكون هو المخطئ لا هي و يكون سبب عذابات الإنسان في معيشته على هذه الأرض ؟

تعاتب سارة في رسالتها هشام على نشر موضوع عن الخيانة الزوجية بهذه الدرجة من السطحية وتقول ان المجتمع السعودي, الذي يختبي وراء عباءة الدين, مليء بالخيانة والأخطاء اكثر مما ذكر التحقيق و إن كانت الخيانة مصيبة فالسكوت عن سببها مصيبة أعظم. تنهمر رسائلها على هشام كالمطر تعري المجتمع‏‏ و تكشف غواياته ونفاقه لتكسر تلك القيود المصطنعة و تزيح الرمل عن عيون من يقهرون المجتمع ونساءه تحت ذرائع ومسميات دينية و تقليدية اجتماعية اعتادها المجتمع. 9

علاقة هشام برسائل سارة كانت نموذجاً للرجل العربي الذي يرى في العلاقة مع المرأة علاقة الصياد مع الطريدة. و ما أن يظفر الصياد صيده حتى يبدا بالتفتيش عن طريدة أخرى. و أول حالة إغواء إنسانية أتت من الرجل لا المرأة. ثم تحول الإغواء الى هواية نسائية و حرفة رجالية بكل ما فيها من تفاصيل و وراء التفاصيل يكمن الشيطان. إذ تنتقد سارة ضعف الرجل العربي في موقع المسئولية. فالرجال لا يريدون أن ينشروا ما يهدد عروشهم و مناصبهم ، و لو على حساب تقدم المجتمع و إصلاحه. 9

لكن أفكار سارة تلك لم تثر إهتمام الصحفي هشام في البداية. جل ما شغله هو تخيل سارة نفسها ومدي جمالها‏‏ وقابليتها للغواية نتيجة لتجربتها المريرة للدخول في علاقة معه‏.‏ يظل هو الرجل في انحصار تفكيره بالمرأة. هو كنزار قباني "أسخف الشعراء" و أكثرهم أنانية ، جعل من عقل المرأة نهداً و من رأسها نهداً و من رمشها نهداً ثم تبحث عن هذا النهد فتجده مخبوءاً في فم الشاعر ، يمضغه وحده ! و كلنا نزار و لو رميناه بألف حجر !! 9

في النهاية يجد هشام نفسه بين صراعين : صراع الانفتاح الذي يعيشه في الغرب و صراع الانغلاق والخوف الذي نشأ عليه في مجتمعه, من كل ما هو حقيقي. و يتعاظم هذا الصراع حين يلتقي بصديقته الإسبانية التي تكشف له نفسه و إنه مهما إدعى الرقي في أفكاره و الإنفتاح بأفكاره فإنه ما يزال ذلك الرجل الشرقي الذي يرى أن عقل المرأة مثل جسمها ، جميل لكنه ضعيف. تجلده تلك الإسبانية التي تكتشف خيانة هشام لها مع فتاة ايطالية أخرى بأن صورة تسلط الرجل الشرقي التي كتبت عنها سارة ما هي إلا إنعكاس لصورة هشام في حقيقته حتى وان و إن إدعى عكس ذلك. تنتقد الإسبانية إدعاء الشرقيين بأن الغرب ضده و ضد ثقافته. لكن في الواقع أن الشرق ضد نفسه فهو بلا هوية‏ و من لا يملك هوية لا يملك ثقافة. و لا ينبغي لأحد أن يخلق عدواً من وهم و أن يتصور أن الآخرين لا هم لهم سوى إقتناص أخطائه ، فللآخرين أخطائهم أيضاً. 9

يكتشف هشام متأخراً بأن الرقيب الذي خشى منه و إنتقده على الدوام أصبح قابعاً داخل عقله. إنه نفسه الرقيب الذي زرعه المجتمع في عقول أفراده و جعلهم يخشون مناقشة أية فكرة أو مراجعة ما اصطلح العرف عليه للتأكد : هل هو عرف أم تقليد أم هو قيمة إسلامية حقاً ؟

أعجبتني الصراحة اللامتناهية في الرواية و جلد الذات يحاول فيها الكاتب الإعتراف بالحقيقة والإعتذار عن حياة الزيف والكذب. و هذا العمل الروائي هو نص أدبي يهدف الى الإستفزاز عن طريق الإثارة. رواية تبوح بالأسرار و تلجأ الى المصارحة و ترفض الازدواجية في التفكير والتعامل. كما أعجبني الإسلوب السردي الذي إعتمد على التوازي في البداية ثم على التقابل بعد ذلك. فهو يفرد فصلا لسار تارة وآخر لهشام بعد ذلك وعندما تبدأ رسائل سارة إلى هشام نجدهما معا في معظم الفصول منتقلاً من أحدهما للآخر بسلاسة حسنة. 9

رواية جديرة بالقراءة والنقاش. 9

6 comments:

المقوع الشرقي said...

المجتمع السعودي..جزء من المجتمع العرببي
في معظمه
ينظر الى المرأة متاعا
وكما قلت كلنا نزار وان انكر ذلك
مجتمع ذكوري بهيمنة وبموروث واليات تتستر بالدين وبقوة العرف..لتخدم سطوته..وأنانيته وملذاته
حتى بالتربية الاخ يهيمن ويسيطر حتى لو كان مفعوص واصغر من خواته
بتشجيع مخزي من والديه
وهو اللي يبيه يسويه
أبيض يا ورد
ريال وعيبه بجيبه
بيرجعون للدين؟العقاب من جنس العمل وليس من جنس الذكورة والأنوثة
قانون الأحوال الشخصية عندنا مثلا ظالم جائر لأن من سنه ذكور من مصلحتهم الأستفاده
تخلف مع أن قد تكون أخته او أمه أو أبنته مثلا

..
التناقض والصراع موجود حتى بمجتمعنا البائس وان كان بدرجه أقل
يدرس بامريكا مثلا ثم يأتى وبمساحه يمسح كل ما عاشه وتعلمه ليعود متكشخا يلبس بنطلون
واللسان المعووج
فقط
الاسامي هيا هيا
ببيروت شفت متنقبة أمكمكمه من فوق لي حدر وزوجها لابس شورت وسبايكي
هل كيف
؟؟

أعتقد في عصر العولمة وانهيار جدران الصمت والعالم قرية صغيرة
ستتتغير كثير من المفاهيم ولكن ببطء شديد
تقمعها من الناحية الأخرى بشدة موازية لها بالقوة ومضاده لها بالاتجاه...أصولية
وعرف
وعقول منتنة
والسكه طويلة بشكل

أخيرا
أحيي شجاعة الكاتب وتعريته لنفسه
بالدرجه الأولى
الرياجيل ما يسونها

شكرا على النقل
وآسفه ع الأطاله
الموضوع مهم
تحياتي

Anonymous Farmer said...

Too long so I skimmed.

Saudi is the epitome of repressiveness. The cycle of oppression starts with the rulers and their oppression of citizens who in turn, oppress one another - man oppresses woman, woman oppresses child .. etc - sucks.

Anyway, trying to speak for or represent whom you cannot relate to is fairly difficult, if not impossible to achieve with success, such as the case with this author.

Glad you're still off politics; you live longer if you stay away from politics, which I believe was invented to officially legitimate crime.

حلم جميل بوطن أفضل said...

المقوع الشرقي

لا يقتصر الأمر على العرب ة لكنها العقلية الشرقية التي تضم شعوباً أخرى

لي تعليق طويل عريض على قانون الأحوال الشخصية الذي يظلم الرجل كثيراً. لكن ليس هنا. ربما في بوست مستقبلي

من وجهة نظري أحد مسببات انتشار حالات الطلاق هو قانون الأحوال الشخصية الذي يشجع المرأة على الطلاق و ابتزاز الرجل

الكاتب منافق

هذا كل ما أقدر أن أقوله عنه

حلم جميل بوطن أفضل said...

فارمر

بعض الأصدقاء اشتكوا من الصبغة السياسية التي طغت على المدونة

أصدقاء آخرين الآن يشتكون من الروايات

ما بقى إلا أن أكتب عن الطبخ و الحلويات

خلوني بحالي و على كيفي يا جماعة

:)

Anonymous said...

انا افضل الروايات على المواضسع السياسية المضيعة للوقت

نبيك تكتب عن علم النفس ومايختص بهذه الامور


مع تحيات باروكة

حلم جميل بوطن أفضل said...

باروكة

مواضيع علم النفس لا تستهويني

لكن أتمنى أن يقرأ الزميل ادراك تعليقك هذا