Saturday, 28 June 2008

هوية ضائعة

ما أثار هذا الموضوع في ذهني هو ما إنتهيت إليه في المقال السابق حول لجنة الظواهر الدخيلة و موضوع الزميل كويتي لايعه جبده حول تعريف تلك المظاهر. فالجدال حول هذه القضية أثار نقطة جوهرية و هو إنه لا يوجد لدينا تعريف موحد و متفق عليه حول المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع و التي يحاول غرسها في نفوس الناشئة من أبنائه. 9
و لنحاول الإجابة على الأسئلة التالية : 9
هل نحن دولة مدنية أم دينية؟
هل مجتمعنا بدوي أو حضري؟
هل يعتمد نظامنا الإقتصادي على القطاع العام أم يشجع القطاع الخاص؟
هل نريد أن نكون دولة نفطية ؟ أم صناعية ؟ أم مالية ؟
أسئلة كثيرة ، نعتقد بأننا نمتلك الإجابات لها. و لكن حقيقة الأمر إنه و بعد 47 سنة منذ الإستقلال و إقرار الدستور الكويتي الذي يفترض بأنه قد حسم هذه الأمور ، فإن الصراع ما زال يدور حول هوية المجتمع الكويتي التي حددها دستور عبدالله السالم ، إلا إن السلطة قد قامت بتشويه هذا الدستور و تفريغه من مضمونه. 9

قد يعتقد البعض إن التنوع في الآراء صحي ، و إنه من السذاجة أن نعتقد بأنه بالإمكان تذويب الفوارق و الإختلافات في وجهات النظر ، بل إن من الواجب تشجيع هذا الإختلاف حتى نثري النقاش و نتوصل الى الخلطة السحرية. نعم هذا صحيح من الناحية النظرية ، لكن يجب أن يكون هناك حد أدنى من الإتفاق. فالمجتمع الأمريكي مجتمع مهاجرين و تتنوع فيه الأعراق و الثقافات بشكل مدهش ، إلا لا يمكن لأحد أن يختلف حول ليبرالية و علمانية النظام الأمريكي. الهند يعيش فيها أكثر من مليار ينتمون الى آلاف الديانات و المذاهب و يتحدثون بمئات اللغات ، لكن المجتمع الهندي عرف عنه التسامح. و لا يمكن لأحد أن يحاول تغريب المجتمع المصري الشرقي و المحافظ بعكس المجتمع اللبناني و لا تستطع حكومة الملالي في طهران من إنتزاع العرق الآري الذي لا تهمه مشاكل العرب كفلسطين و القدس. فنحن نرى بأن لهؤلاء الشعوب سمات و صفات مميزة متفق عليها و هي تستمد قوتها من تلك السمات و تحاول أن تبني عليها مقوماتها كأمة و كدولة مكتملة الأركان. 9
يبدو الأمر مختلفاً في الكويت ، إذ إننا ما زلنا نناقش أمور أساسية في الكويت. و ما زال الجميع يحاول أن يفرض وجهة نظره الخاصة على الجميع في وسط حالة الفوضى الفكرية التي نعيشها و في وسط غياب أي مظهر من مظاهر السلطة المغيبة تماماً. فالسلطة السياسية لدينا إنشغلت و منذ عام 1965 بعد وفاة المغفور له الشيخ عبدالله السالم في إلغاء آثار تلك الخطيئة التاريخية المتمثلة في وثيقة الدستور. فحاولت تزوير الإنتخابات ، و تجنيس ممن لم ينتمي يوماً لهذا الوطن ، و ساعدت بعض الفرق على حساب فرق أخرى ، و سلمت قطاع التربية و بعض القطاعات الأخرى المهمة في الدولة الى أحزاب سياسية ، و همشت دور القطاع الخاص و جعلته كسيحاً عاجزاً يقتات على المناقصات الحكومية. 9
ما لم تدركه السلطة هي إنها قد قامت بتدمير الأسس التي بناها الشيخ عبدالله السالم للدولة الحديثة ، و التي أثارت إعجاب الكثيرين و أضحت الكويت عروس الخليج بسببها. سنت القوانين الحديثة و بدأت عملية بناء الإنسان الكويتي من جميع النواحي. تطورت الخدمات و إستقدمت الخبرات و عاشت الدولة عصرها الذهبي. إهتم الشيخ عبدالله بالصف الثاني و الثالث من الأسرة و زج بهم في دوائر الدولة. 9
سلطتنا الموقرة قامت بتقطيع أوصال هذا المجتمع في صراعها السياسي الداخلي مع أطرافها فأوجدت هذا المسخ الذي لا يمكن أن يوصف بصفة من الصفات. عادَت فئة و فضّلت فئة. أهملت المنتج و المبدع و أفرزت طبقة جديدة من الفداوية. قتلت الطموح و زرعت العنصرية و الحقد. أهملت التربية و التعليم و دللت و زايدت على كسر القانون. إستباحت الأراضي داخل و خارج خط التنظيم العام ، شجعت الإحتكار ، إشترت سكوت الناس على أخطائها بالمناقصات ، قادت البلد نحو كارثة الإحتلال و لم تتعلم من أخطائها حتى يومنا هذا. 9
اليوم ، لا يستطيع أحد من أفراد السلطة تحديد هوية المجتمع الكويتي ، و لن يكترث أحد بما يقول ، فالهيبة قد إنتفت لأن الكفاءة معدومة و لم يعد أحد يثق بقدرة السلطة على تنمية الدولة أو إدارتها. هيبة القانون ملغية ، و الحكومة تزايد و تتبع سياسة الهاوية ثم ترضخ و تهادن في النهاية. لا أحد يملك مشروع دولة ، بل هو مشروع حكم. و هذا الحكم لايستند على مبادئ العدالة و المساواة و تكافؤ الفرص التي ستعطي للكفاءات الحقيقة حقها ، بل إن المعيار الوحيد هو الولاء. فما نعيشه اليوم هو دولة الفداوية. و ليتهم كانوا فداوية آل الصباح. فكلنا فداء لهم. و لكن مراكز القوى ما عادت في يد الأسرة الكريمة التي ظلمت نفسها و ظلمت الشعب الكويتي بإختلافها و إنشقاقها. و من لا يقدر على توحيد أسرة ، حتماً لن يكون قادراً على إدارة دولة. 9
ما الحل ؟ هل هي الدولة الدينية التي تبشر بها تيارات الإسلام السياسي؟ (سيكون لنا تفصيل خاص في هذه المسألة في مقال مستقبلي) ؟ أم هي الدولة المدنية ؟ دولة دستور 1962 ؟
الخيار خياركم يا كويتيون !! 9

18 comments:

Anonymous said...

مقال رائع كالعادة . وهو ذو حدين مؤلم ومفرح . أماكونه مؤلما فبما حواه من تشريح دقيق للمسببات التى أدت الى ما أنتهينا اليه من وضع لا يسر . وأما كونه مفرحا فلأنه صادر من قلب شاب يحلم بوطن أجمل و قلبه مفعم بحب الكويت

الله يوفقك لما فيه الخير

Mohammad Al-Yousifi said...

ما ادري شنو الجواب , بس اكيد مو دولة دينية

خصوصا مع التدين السطحي الموجود حاليا

secret said...

خيارنا ككويتيين

هذي هي المشكلة

تجريد القانون من هيبته ادى الى انقسام المجتمع لفئات و طوائف و حفز التعصب بشكل كبير

ما تريده هو ما اريده .. و لكن الاغلبية لا تريد ذلك

مشكور على الموضوع

كويــتي لايــعه كبــده said...

أولا شكرا للإطراء

ثم...

بوست موفق تماما ان شاء الله
كلام قلته وكررته لين طاح حنكي!

حال الدولة ما اتى بالصدفة بل بالعمل المقصود والمنظم منذ الستينات. ليس المقصود منة الإطاحة بمستوى دولة الكويت لكنه قصد الاطاحة بأجزاءها كي يهيمن على أجزاء أخرى ومع التراكم الزمني لتلك الممارسات للسلطه وصلت الكويت الى ما هي عليه اليوم.

مشروع الحكم قتل مشروع الدوله

مشروع الدولة ليس بكلام المترفين ولا علاقة له بالمعيشة اليومية لعامة الشعب مثل ما يعتقد أغلبية شعبنا بل هو بالفعل اجمالي ما نشتكي منه كل من زاوية مختلفة. لا نرى الكويتي نرى السني والشيعي والحضري والبدوي ولا حتى حتى نفهم معاني هذه المصطلحات. لا نفهم مفهوم تقلص الطبقة الوسطى وانعكاساته على البلد بشكل عام لكننا نشتكي من القروض ونطالب ب50 دينار ونرى الاجرام والسطو المسلح والدعاره تزداد بالكويت.

لا يسرني ان أقول ان هناك قوة اندفاع للأمور وما رأيناه حاليا هو مجرد قمة جبل الجليد وبقيتة العظمى بالطريق ولن تعكس اتجاهها بتصريح تلفزيوني او خطاب او استنكار.

هذا التدهور يشمل الدولة بكافة مجالتها... الاقتصاد، المجتمع، السياسة، الخ.

المسؤولية التاريخية على من تعمد بهذا مقابل ذاك!

البلد أفسدت وليس فسدت
ونحن جميعا ندفع الثمن

نظام الفداوية وصل بالناس الى أعنى رجال الكرة الأرضية وها هم اليوم يتنافسون من يتقرب أكثر من ذاك

الشق مو عود
الشق ما يترقع

Blog 3amty said...

فكرت بالإجابة كثيراً، ووجدت أن خير السبل لتحديد الهوية في الوقت الحالي، هي إشهار الأحزاب بالطريقة الغربية التي تضع النقاط على الحروف على توجه الدولة

As YoU LiKE said...

الكويت دولة دستورية.

Dr. Academy said...

جميل مقالك ..

ولكن هل تعتقد ان الشعب الكويتي الذي لا يملك اسس السياسة يستطيع ان يحدد و يختار ..

لا اعتقد مع انني اتمنى ان يتثقف هذا الشعب و يفتح عيوووووونه

Someday said...

We do have so many things in common, starting with the basic fact of being human!! And then going all the way to all the things that you unit us, but still, we forget all about them concerning our selves on what is different!
a religious country carried by whom?!
those who are Muslims today don’t represent Islam!
I often wondered how can a raye7 fyha guy choose Islamist, but it made sense after a while cause they simple don’t want to make the choice!

Anonymous said...

اللعب الوقح على التعددية الاجتماعية والسياسية في الداخل الكويتي اوصلنا لهذه الحالة التي ستبقى طويلا الى ان تتغير

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 1

جزيل الشكر على كلماتك الطيبة المشجعة

حلم جميل بوطن أفضل said...

مطقوق

المشكلة محد عنده الجواب

حلم جميل بوطن أفضل said...

سيكرت

ما قلته هو لب المشكلة و عين العقل

حلم جميل بوطن أفضل said...

كويتي لايعه جبده

هو السقوط الحر. المشكلة إننا لم نر القاع حتى الآن

حلم جميل بوطن أفضل said...

بلوق عمتي

سبق أن ناقشنا هذا الموضوع عبر مقالات متعددة

http://7ilm.blogspot.com/2007/12/blog-post_21.html

http://7ilm.blogspot.com/2007/12/blog-post_26.html

http://7ilm.blogspot.com/2007/12/blog-post_945.html

http://7ilm.blogspot.com/2007/12/blog-post_29.html

لا أحبذ إنشاء الأحزاب في الوقت الحالي رغم سمو الفكرة

حلم جميل بوطن أفضل said...

AYL

إذاً لنرجع لهذا الدستور و لنحتكم الى ما يقول

حلم جميل بوطن أفضل said...

أكاديمي

و من سيختار إذن؟ النُخَب أم الأحزاب؟

حلم جميل بوطن أفضل said...

Someday

سأقوم بتأجيل ردي على تعليقك و سأضمنه في مقال خاص عن مفهوم تيارات الإسلام السياسي للدولة

حلم جميل بوطن أفضل said...

محسد

صحيح ، زد عليه ضياع هيبة القانون مما دعى الجميع الى التخندق و التحزب القبلي الطائفي الفئوي