Wednesday 15 September 2010

شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف

إن السجن ليس فقط الجدران الأربع وليس الجلاد أو التعذيب ، إنه بالدرجة الأولى خوف الإنسان ورعبه ، حتى قبل أن يدخل السجن ، وهذا بالضبط ما يريده الجلادون وما يجعل الإنسان سجيناً دائماً

أسست هذه الرواية لعبدالرحمن منيف ما يسمى ب "أدب السجون" ذلك النمط الأدبي الذي تميّزت به دولنا العربية لما حفلت به من مآسي و مصائب في حق مواطنيها. تدور الرواية حول رحلة السجين السياسي "رجب إسماعيل" و إغترابه في أربعة دوائر متداخلة. قوبلت تلك الرواية بإقبال شديد من القراء المتعطشين لمعرفة ما يجري خلف أسوار المعتقلات السياسية التي إنتشرت في بلاد المشرق العربي و بالمنع الذي فرضته حكومات المنطقة المنطقة عليها خوفاً من فضح ممارساتها. 9

كانت أولى تلك الدوائر "السجن" و الضغط النفسي و التعذيب البدني الذي حاق بالسجين الحالم و المؤمن بأن الكلمة ليست هي السلاح ، بل إن السلاح الحقيقي يكمن في ضمائر الناس و عقولهم. في السجن فقد رجب سنده في هذه الدنيا : أمه التى ماتت كمداً على شباب إبنها المهدور. أحس بالتعاسة عندما فقد القدرة على أن يقول تلك الأشياء التي نامت معه و قامت خلال سنين ، فأضطر في لحظة إستسلام الى الإعتراف و الإبلاغ عن زملائه في ما أعتبره بمثابة خيانة لجميع المبادئ و المثل التي ضحي من أجلها بعائلته الصغيرة المكونة من أمه الأرملة و أخته أنيسة و زوجها و أطفالها. وقع تلك الورقة الصفراء المليئة بإعترافات كاذبة فكانت بمثابة شهادة وفاته كإنسان سقط فلم يخلّف سوى الغبار و الموت و اللعنة. كانت تلك هي الخرزة الأولى التي إنفرط بعدها كل شئ. 9

و إنتقل بعد ذلك الى سجن أكبر هو "المجتمع" الذي كان يخشى التعامل مع سجين سياسي سابق بعد خروجه من السجن و إرتباط إسمه بالعار بعد إفشائه لأسرار التنظيم ليقرر في نهاية المطاف الهرب و الإغتراب في الدائرة الثالثة "المنفى" حين شعر بأن السجن ما يزال في داخله فهرب من سجّانخ خوفاً من الإنتحار. في مرسيليا و باريس ، بُهر بحضارة الغرب و وجدها ملاذاً آمناً من شرور السلطة التي لاحقته في منفاه عبر الضغط على بقايا العائلة قبل أن يقرر في إستسلام ، تكرر في الرواية ، العودة الى الدائرة الرابعة "الوطن" الذي سيطرت عليه السلطة و الذي تكون فيه كرامة الإنسان أرخص الأشياء و أقلها إعتباراً. 9

يسرد الكاتب أحداث الرواية عبر لسانين مختلفين .. فيمزج المكان و البيئة النفسية ليعطي للرواية أبعاداً أكثر شمولية. يسردها على لسان "رجب" بطل القصة و أخته "أنيسة". رجب ذلك الإنسان المعذب الذي حلم بشرعة حقوق الإنسان و الدستور ، تلك الوثيقة التي مضى على إقرارها عشرات السنين و مع ذلك فإنها أكثر الوثائق التي تعرضت الى التحدى و العبث و المخالفة ، ما جعله يتساءل في قرارة نفسه : هل تم إقرار هذه الوثيقة لكي تتفنّن السلطة بمخالفتها . أو أن تلك الوثيقة غير قابلة للتحقق و بالتالي لا بدّ من تجاوزها حكماً ؟

6 comments:

حسين مكي المتروك said...

أحب هذه الرواية كثيراً،
وأرى أنّ عبدالرحمن منيف، نادرة من النوادر التي عاشت في هذا العالم، فهو يمتلك قدرة جبّارة على السرد ..

Anonymous Farmer said...

ليش ؟ ليش ؟

كله تخرب على بوستاتك السياسية الجيدة لما تنزل عقبهم بوستات من هالنوع وبسرعة .

خله يتنقع عالساحة وفي عقولنا شوي .

آي وانت آس كيسر باك ناو .


فارمر

حلم جميل بوطن أفضل said...

حسين مكي المتروك

هذه الرواية السابعة التي أقرأها لمنيف. لكن القدرة السردية تجلت في مدن الملح. كانت ملحمة

لا زال لدي كتابان له و لكني أتمنى الحصول على ثلاثية أرض السواد التي أتمنى أن تضاهي مدن الملح و تتحدث عن العراق و تاريخ الملكية فيه

حلم جميل بوطن أفضل said...

فارمر

لأني كنت أنوي الكتابة عن برمودا الشقيقة و لكني أتتني أوامر عليا بتسليم الدفة لفريج سعود مع كافة المعلومات التي حصلنا عليها

ترقبوا فريج سعود قريباً

Icarus said...

قريتها هالصيف وناوي اقرأ تكملتها "الآن....هنا" مع اني غالبا ما اتقبل فكرة وجود جزء ثاني لكتاب عجبني ، من تجاربي السابقة دائما الجزء الثاني يكون كارثة مثل "الغريبة" لمليكة أوفقير.

حلم جميل بوطن أفضل said...

Jako

إشتريت "الآن هنا" قبل فترة وأنوي قراءتها متى ما سنحت لي الفرصة

أتفق معك فيما يخص الأجزاء المتتالية. لكن ألا تعتقد بأن منيق قد كسر القاعدة في مدن الملح ؟