يستطيع المراقب لقضية تجاوزات الإعلانات الإنتخابية و عبر مقارنتها بتجاوزات متحف السيارات التاريخية و القديمة و التاريخية أن يستشعر أوجه الشبه و التطابق بينهما. كلتا القضيتين تتعلقان بتجاوزات على أموال عامة. كلتا القضيتين وقعتا خلال عهد حكومات سابقة. كلتا القضيتيان محالتان "شكلياً" على النيابة. كلتا القضيتين المتهم و المخطئ فيهما معروف للجميع ، لكن وجّهت أصابع الإتهام "الحكومية الرسمية" الى موظفين أدنى رتبة بعيداً عن مسائلة الفاعل الحقيقي. 9
فما ذنب المسؤوليين الماليين في ديوان رئيس مجلس الوزراء إن قرر إنشاء متحف وهمي و الصرف عليه من المال العام خدمةً لسيارت المعزب ذات الأضواء الكاشفة الصفراء ؟ و ما ذنب العاملين في وزارة الداخلية من وكيل الوزارة الى أصغر مستخدم فيها حين يضرب الوزير بعرض الحائط القوانين و اللوائح و يوقع العقود دون علم الإدارات المالية و القانونية و لا حتى وكيل الوزارة ؟ أليس من المخجل و المعيب أن يخاطب الوزير منتسبي وزارته مطالباً اياهم بالصمت على الإتهامات الموجهة في حقهم خلال الإستجواب ؟ من إتهم غيرك يا سعادة الوزير ؟ و هل البيانات الكاذبة و المغلوطة لوزارة الدخلية تمثل وجهة نظر حكومة دولة الكويت ممثلة بأجهزة وزارة الداخلية و سياساتها أم تمثل وجهة نظر الوزير الشخصية و طريقته في إدارة الأمور ؟
هنا يستطيع الفرد أن يستشعر خطورة الأسس التي بنى عليها معارضو الإستجواب الأخير خطابهم. فحديثهم لا يستند على أسس دستورية أو قانونية و يفتح الباب على مصراعيه للمفسدين بالعبث بمقدرات الدولة. إذاً الحديث هنا ليس على ملايين خمسة فحسب ، بل "كامل أموال الدولة" و ذات التجاوزات الفاضحة مرشحة للتكرر بل أعتقد إنها باتت "مؤكدة" في ظل التواطؤ الفاضح لنوابنا "الوطنيين الجدد" . 9
القضايا هذه توضح لنا إنتفاء الحدود بين المال العام و الخاص ، و عدم وضوح الفواصل بين السياسات العامة و و القرارات الخاصة المستندة على الأهواء الشخصية. فالسيد رئيس مجلس الوزراء يستخدم المصروفات السرية لصبغ و صيانة و تخزين سياراته الأثرية عبر متحف لا يمت بأدنى صلة لإختصاصاته. و السيد وزير الداخلية يعتقد بأنه يمكنه التصرف و تبديد الأموال العامة كيفما يشاء و توقيع العقود دون مناقصات و ترسية المشاريع دون استدراج عروض و مخالفة اللوائح المالية فقط لأنه وزير في بلد تهيمن فيه السلطة التنفيذية على مصالح الدولة لذا فإنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء.هذه عقلية من يتصور بأنه يمتلك البلاد "براً و بحراً و جواً" و هي أخطر العقليات على مستقبل هذا البلد و التي يدعي السيد المحترم عبداللطيف الدعيج محاربتها ، لكنه يبدو إنه يحاربها في أجنحة معين من الأسرة و يصمت عن أجنحة أخرى لأسباب غير مفهومة بالنسبة لنا. هذه العقليات التي يجب أن تحارب حتى يتم إستئصالها من جسد هذا الوطن. هذه عقلية من يعتقد بأنه يستطيع أن "يحكم" البلد بالسيف و المنسف لا بالدستور و القانون و التطبيق السليم للوائح. 9
الأمر الأخطر إن منطق المدافعين عن وزير الداخلية قد أعطى الضوء الأخضر لأية حكومة تصريف العاجل من الأمور تتولى أمور الدولة في فترة ما قبل الإنتخابات النيابية بإنتهاك جميع القوانين في فترة تعتبر من أخطر الفترات إذ تكثر فيها التجاوزات و الواسطات و الترضيات و تعتبر فترة خصبة لإستثمار المال السياسي فيها ، إذ إن الوزير سيكون في "حِلٍّ" من جميع تجاوزاته بعيد إستقالة الحكومة و تشكيل أخرى جديدة على ضوء نتائج الإنتخابات النيابية. فهل فكر أحد في مثل هذا السيناريو المرعب ؟
هذه هي بعض من الأبعاد الخفية لهذا الإستجواب و فالأمر لا يقتصر على ملايين خمسة و عقد وحيد و وزير لا يملك الإجابات. المسألة أخطر و أعمق من ذلك بكثير و إن صمتنا اليوم فلا يحق لنا الكلام في الغد عن أية قضية أخرى إلا إن تلونت مبادئنا و قصرت أو طالت مسطرتنا في قياس الأمور. 9
سيادة القانون أنتهكت في هذه القضايا و لا مجال لمزايدات في دروس الوطنية في ظل هذا الإنتهاك ، فعن أي دولة مدنية ننظر ؟ و عن أي حلم نتكلم ؟
لهذا السبب ناصرنا هذا الإستجواب .. إنتصاراً للقانون و لسيادته .. و ليس إستغفالٌ لنا من مسلم البراك و لا ولاءٌ أعمى لأحمد السعدون و لا كرهٌ في أحد. 9
للحديث بقية ،، 9