لماذا أنحرف قطار التنمية ؟ - الجزء الخامس

أعود لإستكمال هذه السلسلة من المقالات بناء على إلحاح بعض الزملاء و معتذراً عن التوقف الذي لا سبب الذي لا مبرر له سوى الكسل. موضوع اليوم هو عن تحرير الإقتصاد و دور طبقة التجار في التنمية و ما إستفز أفكاري في هذا الجانب هو مقالة الكاتب الكبير عبداللطيف الدعيج بعنوان كفو و رجاء. 9

الجزء الخامس : تحرير الإقتصاد

حسناً سنتكلم عن تحرير الإقتصاد ، و لكن ممن سنحرر إقتصادنا؟ الجواب هو من هيمنة السلطة السياسية. فلسنين طويلة إعتقدت السلطة أن الطريق للتنمية الموعودة هو عبر العمل السياسي (حقبة الشيخ سعد العبدالله السالم شافاه الله) لا الإقتصادي و لكنني أعتقد أنها إستوعبت الآن خطأ منظورها هذا و رفعت شعارات كتصحيح المسار الإقتصادي أيام تقاسم السلطة بين الشيخ سعد و الشيخ صباح في نهاية التسعينات. إلا أنها أدركت عجزها فيما بعد عن إنتهاج هذه التعديلات خوفاً من تحدي المجتمع و إيماناً منها بأن ذلك سيعزز من نفوذ الطبقة التجارية التي تعمل على تحرير الإعلام و إنشاء الإحزاب مما سيضاءل من هيمنة الحكومة على مجريات العمل في الكويت. سأحاول أن أطرح وجهة نظري بكل حيادية .. و على محورين .. 9

الأول .. أن معيار المواطنة هو الإنتاجية ، شئنا أم أبينا .. و لا أقصد بذلك حجم الثروة .. فكم من الثروات تكدست بسبب قانون الوكالات التجارية الجائر أو الإستيلاء على الأراضي و نراها الآن في عمليات غسيل الأموال .. لكن أقصد توظيف الطبقة التجارية لأموالها في تنشيط الدورة الإقتصادية بعيداً عن الدعم الحكومي و المال العام .. 9

الثاني .. هو أنه قديماً .. كانت السلطة و الإدارة للأسرة .. و كان النشاط الإقتصادي يقوم به التجار الذين كانوا يمدون يد العون للسلطة الحاكمة .. مما أوجد نوعاً من التوازن .. ما شجع تلك الطبقة المتنورة على المطالبة بالإصلاحات في العشرينات و مرة أخرى في أواخر الثلاثينيات و مجالس الحكم في الخمسينيات .. حتى توجت بإقرار الدستور .. 9

بعد ظهور النفط .. و إنحسار تجارة اللؤلؤ و إختراع المحركات البخارية التي قضت على النقل عبر السفن الخشبية .. بات هذه الطبقة تعتمد تماماً على المناقصات الحكومية .. المتتبع لتغيرات الإقتصاد الكويتي .. يرى تعمد السلطة على تهميش قطاع الخدمات في القطاع الخاص .. فحتى الشركات الخاصة المدرجة في البورصة أو العائلية تعتمد إعتماداً أساسياً على مناقصات الحكومة .. و قليلة هي تلك المؤسسات التجارية التي إستقلت عن سياسات الحكومية كبعض البنوك و شركات الإتصالات و العقار. بل يتعدى الأمر هذا الى تجارة السلع و التجزئة و من ينظر الى هيمنة الجمعيات التعاونية سيعني ما أقول فلقد أصبح التاجر الراغب في تسويق بضاعته رهين التحالفات الفئوية و القبلية و الطائفية و ذلك الموزاييك العجيب من تقاطع المصالح في جميع مجالس إدارات الجمعيات التعاونية لذا فأن التاجر بدأ يلعبها "سياسة" من أجل تسويق بضاعته. 9

لذا فإن طبقة التجار لم تعد كالسابق .. بل هي رهينة مصالحها .. و تسعى لأبسط انواع التحالف من أجل الظفر بالمناقصات الحكومية .. و هي ما نراه يتجلى الآن في قضايا الفساد و الأسماء الموجوة في مجلس الأمة .. حقبة التنوير و رجالات الدولة إنتهت .. و يجب أن نستوعب ذلك و أن ننهج النهج المؤسسي المبني على الخطط لا على المبادرات الفردية للتجار. 9

ما هو المخرج ؟

تحرير الإقتصاد و خصوصاً فيما يتعلق بالقطاع الخدمي .. لا أفهم لم تتمسك الحكومة بقطاعات فاشلة و يمكن تحسين مستوى الخدمات فيها و التخلص من أعبائها .. كالبريد و الهاتف و الخدمات الصحية و النقل و غيرها .. 9

حينها سنخلص تلك الطيقة المنتجة من السيطرة الحكومية و سندفع بعجلة التنمية و نحسن الخدمات. و رغم إختلافي مع ما قامت به شركة زين (لأنها أصلت نمت و كبرت و توسعت بسبب تأسيس الحكومة لها بنسبة 100% و إحتكارها للخدمة منذ سنة 1983 حتى منتصف التسعينيات مما أمكنها من تحقيق أرباح فاحشة و اليوم تتنكر لدور الحكومية في تحويلها الى غول إقتصادي) إلا إنني أكبرت إستقلاليتهم و عدم إعتمادهم على دعم الحكومة و أتمنى أن تكون باقي المؤسسات و التكتلات الحكومية بنفس الشجاعة. 9

تبدو العقبة واضحة في تلك الطبقة الخاملة التي تقتات على المعاش الحكومي الشهري و التي أوجدتها سياسات الحكومة و تراخيها. لمواجهة هذه العقبة توجد الكثير من الحلول و التي طبقت في دول مجاورة لكن يبقى فوق هذا كله .. الإرادة الحكومية .. و هي المنتفية تماماً .. فالسلطة ضعيفة و تدرك إنها غير قادرة على تولى زمام الأمور لذا فإنها تلجأ للحل السهل و الضعيف و هو إبقاء الأمور على حالها السئ و الإستمرار في الرضع من ثدي مكامننا النفطية التي بدأت بالنضوب. 9

يجب البدء فوراً في تشريع قوانين خاصة بالإحتكار و الخصخصة و حماية العمالة الوطنية و إعادة تأهيلها و تدريبها من قبل السلطة التشريعية و يجب على السلطة التنفيذية تنفيذ مشروع تحرير الإقتصاد بخصخصة المؤسسات الحكومية على هيئة شركات خاصة تتملك الحكومة نسباً منها و تطرح جزءاً منها للإكتتاب العام و المزايدة و تخصص الجزء المتبقى لموظفي هذه المؤسسات كنوع من التعويض. 9

قد يعتقد البعض أن الحل سيكون مؤلماً و صعباً .. لكن لنكف عن الأنانية و لنستحمل من أجل هذا الوطن و من أجل مستقبل أطفالنا. 9

للحديث بقية ،، 9