تأميم القروض

يسأل زميلنا الطارق عن تكلفة الإقتراح الأخير القاضي بتكليف الحكومة شراء القروض الإستهلاكية و المقسطة من البنوك التقليدية و اللإسلامية و المؤسسات الإستثمارية الخاضعة لرقابة البنك المركزي و من ثم تقسيطها على المواطنين. الإجابة هي أن التكلفة على المال العام تبلغ 2960,2 مليون دينار أي ما يقارب العشرة مليارات دولار. 9

لكن كيف ذلك؟ فشراء القروض يعني إسقاط فوائدها أليس كذلك؟ هذه هي الكذبة الكبرى التي تحاول الكتل السياسية ترويجها يا زميلي العزيز. و إليك التالي : 9

تنقسم القروض الى إستهلاكية و مقسطة. الإستهلاكية هي تلك القروض التي لا تتعدى الخمسة عشر ألف دينار و التي يتم حساب الفائدة الثابتة عليها و إستقطاعها من أصل القرض قبل إيداعه في حساب المستفيد. و تصرف عادة لشراء سيارة أو أثاث أو لأغراض السفر أي أنها موجهة لأغراض إستهلاكية و ليست لشراء أصول كعقار أو أسهم. أي أن الفائدة محسومة و منزوعة و لا مجال من إسترجاعها. تبلغ قيمة هذه القروض الإستهلاكية في البنوك و شركات الإستثمار التقليدية مبلغ 479,2 مليون دينار. بينما تبلغ في البنوك و الشركات الإستثمارية مبلغ 683،3 مليون دينار كويتي. 9

نعم أيها الطارق ، البنوك و المؤسسات الإستثمارية الإسلامية تسببت بضرر أكبر من البنوك التقليدية. هذه هي الحقيقة و دع عنك الدعايات لبيت التمويل و أسلمة الإقتصاد. الأرقام هي من تقول و ليس أنا أو أنت.

متوسط فترة سداد الرصيد القائم من القروض الاستهلاكية هو 2,5 سنة بحسب بيانات البنك المركزي. لذا فأن فوائد القروض الإستهلاكية و التي تم إستقطاعها مقدماً يبلغ 64،8 مليون دينار في البنوك التقليدية و 106,8 في البنوك الإسلامية. هذه الأرقام تبين و بوضوح شديد من هو المستفيد الحقيقي من إقتراح إسقاط فوائد القروض و شرائها. أي إن إجمالي المبلغ الذي ستتكفله الدولة هو 171،6 مليون دينار، لأنها و ببساطة شديدة ستشتري القروض محملة بفوائدها التي لا يمكن إسقاطها في حالة القروض الإستهلاكية (أو على الأقل لم ينص الإقتراح المقدم من نوائب الأمة على ذلك) و سوف تستوفي فقط الأصول المتبقية من المواطنين و سيتحمل المال العام الفروقات المذكورة. 9

نأتي الآن الى القروض المقسطة و هي القروض التي تصل قيمتها الى 70 ألف دينار للقرض و التي تقسط على فترات تصل الى خمسة عشر سنة و بأقساط تبلغ نصف الراتب و هي عادة ما تكون متغيرة الفائدة بفائدة هامشية تبلغ 4% فوق سعر الخصم الممنوح من البنك المركزي. و هي تلك القروض التي تسقط فوائدها في حال سدادها بصورة مبكرة. 9

تبلغ قيمة أصول القروض المقسطة (من غير الفوائد) هذه بالنسبة في كامل البنوك و المؤسسات الإستثمارية التابعة لرقابة البنك المركزي سواء كانت إسلامية أو تقليدية 4462.6 مليون دينار كويتي. و لما كان الإقتراح المقدم كان قد نص على أن تشتري الدولة هذه القروض و من ثم تقسطها على المواطنين على مدة 25 سنة (300 شهر) بنسبة لا تتعدى 15% من قيمة راتب المواطن. فإن قيمة الأقساط الشهرية يمكن حسابها عن طريق قسمة كامل المبلغ (4462.6 مليون دينار كويتي) على عدد الأقساط (300 شهر) و يكون الناتج 14,9 مليون دينار شهرياً. 9

كما يستلزم التنويه الى أن البنوك و مؤسسات الإستثمار الإسلامية لا تحتسب فوائد بصيغتها التقليدية بل تعمد الى بيع الأصل بأكثر من قيمته التقليدية لذا فأن الفوائد لن تسقط على باقي أرصدة و أصول القروض و التي ستبلغ قيمتها ، أي الفوائد ، على القروض المقسطة لدى البنوك الإسلامية و التي ستتحمل كلفتها الدولة مبلغاً و قدره 581 مليون دينار كويتي ستكون بمثابة سداد مبكر لهذه القروض دون أن تسقط الفوائد !! 9

في علم الإقتصاد هناك ما يعرف بمصطلح "القيمة الحالية" و هي القيمة الفعلية لمبلغ ما في المستقبل مخصومة منها نسبة الإستهلاك. أي أن ما قيمته دينار واحد اليوم قد يكون قيمته 900 فلس بعد سنة أو سنتين. لذا فأن هناك طريقة لحساب قيمة الأموال التي ستسددها الدولة اليوم و قيمتها الفعلية بعد 25 سنة حين ينتهي المواطنون من سدادها. 9

القيمة الشرائية لهذه المديونية و التي ستسرجعها الدولة بعد سلسلة من الدفعات المستقبلية مخصومة بناء على سعر فائدة اليوم (6,25 %) ستبلغ 2255 مليون دينار. بخسارة تبلغ 2207,6 مليون دينار كويتي لأنه ببساطة يمكن للدولة أن تستثمر هذه الأموال الموجهة لشراء فوائد قروض بعض الشعب الكويتي في مشاريع تنموية تدر مداخيل إضافية كبناء مصافي جديدة أو مشاريع بتروكيماويات أو صناعات تحويلية أو إستثمارا ت خاريجة أو أقل الإيمان توضع في البنوك و تستفيد من فوائدها. 9

مما ذكرنا أعلاه نكتشف بأن الكلفة على المال العام في حال تنفيذ المقترح النيابي مبلغ 2960,2 مليون دينار كويتي. 9

هذا ناهيك عن إنتفاء معايير العدالة بين ممن لم يقترض و بين من إلتزم بالفساد و قتر على نفسه وفاءً بإلتزاماته و بين من بعثر هذه الأموال أو لم يتعب في سبيل ردها لأصحابها. إن ما يحصل اليوم هو حالة مشابهة لتأميم الأراضي في مصر بأوائل عهد ثورة ناصر. اليوم نحن نقترح تأميم القروض و أن نجعل من لا يستحق يحصل على أموال من يستحق. هذه هي الغوغائية التي أحاول محاربتها. هو نفس المبدأ "التأميم" الذي يتناقض و أبسط مبادئ الإسلام و الذي يروج له لصوص الفقراء من نوائب الأمة و الذي أعتبر كل منهم بمثابة روبن هود دائرته !! 9

أيضاً المقترح لم يكشف عن آلية سداد المواطنين للدولة، و خصوصاً ممن لا يعمل لديها بل يعمل لدى القطاع الخاص أو لحسابه أو يقيم خارج الكويت. 9

الكل متأكد و متيقن من أن هذا المقترح لن يؤدي إلا تأصيل النزعة الإستهلاكية و الى تضخم رهيب و سيولة لا يستطيع السوق تحملها و ستؤدي الى زيادات مباشرة في كل شئ .. العقار .. الأسهم .. السلع .. و ستؤدي بالنهاية الى أزمة شبيهة بازمة سوق المناخ. هل تتذكرون تحذريات الدكتور عادل الصبيح حينما حاول التصدي للنفس الغوغائي خلال إستجوابه. الرجل رفض زيادة رأس مال بنك التسليف و الإدخار لأن الإستمرار بضخ الأموال لن يحل المشكلة بل سيمولها لتشتعل و تشتعل أسعار العقار معها. الآن و بعد 6 سنوات من تلك النقاشات و بعد زيادة رأس مال بنك التسليف 1000 مليون دينار كويتي على دفعتين ، أسئلكم : هل حلت المشكلة الإسكانية؟ أم تم إشعال أسعار العقار؟

حالات التعثر في السداد تبلغ 9473 حالة أي 2,1 % من إجمالي المقترضين و أنا متأكد من أنه متى ما تم تسييل الأصول التي قام المعسرون بالإقتراض من أجلها فأن هذه النسبة ستقل كثيراً خصوصاً في ظل إرتفاع أسعار العقار. أعرف طبيباً كويتياً حاول إقناعي بأنه معسر و أن الأقساط تبلغ ما قيمته ثلاثة أرباع راتبه هو و زوجته و بعد قليل من الأسئلة إكتشفت بانه إشترى البيت بمبلغ مائة و ستون الف دينار كويتي و تبلغ قيمته الآن مائتين و خمسون ألف دينار كويتي بالراحة !! فأين العسر بالموضوع؟

قليلٌ من العقل و لنرحم هذه الأرض. الكل يريد أن يسرق ، لا أحد يعتقد بأن هذه الدولة باقية. تصرفات مسئولينا تدل على هذا الشئ أيضاً. لكن من أجل أطفالكم أرجو أن نعود الى ساحة النقاش العقلي المبني على الأرقام الفنية. 9

الآن ما قاله آلان غرينسبان في مدونة الحلم الجميل ، لم يكن بسبب عقله الجبار أو معلوماته الإقتصادية الفذة. بل إن جميع ما كتبته هنا مستوحى من أرقام تقرير البنك المركزي الذي قدم لمجلس الأمة و الذي لم يناقش أبداً طوال جلستين تصارع فيها الغوغائيون على إستدرار عطف الجماهير و على تغييب الحقيقة بما فيها هذه الأرقام. هذا التقرير حذر من 10 عوامل سلبية لهذا المقترح و كما هي مبينة هنا. 9

أرجو أن أكون قد أجبت على تساؤلك أيها الطارق. قد نصحتك بقراءة هذا التقرير و لكن يبدو أنك لم تفعل. أرجو أن تحكم عقلك الآن و أن تذهب و ان تحاسب من خدعك و حاول خداعنا جميعاً.

و من ثم أوجه أنا سؤالي الى قلبك و ضميرك أيها الطارق ،، هل تستحق 3 مقاعد نيابية للبصيري و خضير و الحربش مبلغ 2960,2 مليون دينار؟؟

لعن الله هذه الكراسي و قاتل الحزبية التي تعمي عقولنا (لا قلوبنا إن شاء الله). 9