في التايمز سكوير أكلت

كتب مراسلنا تورنيدو ،، 9

هبطت الطائرة بسلام في مطار نيويورك ولم تأخذ ختم الجوازات أكثر من عشرة دقائق لتفتح أبواب المطار على أرض الحرية و الجمال. 9

سحبت الشنطة و السعادة تغمرني والابتسامة من الإذن إلى الإذن و استغليت التاكسي لأصل إلى فندق ستاي الواقع في التايمز سكوير، فندق صغير الحجم جميل التصميم و ديكور مريح للعين. 9

الجو جميل جداً، وبالتأكيد أي جو غير جو الكويت المغبر سيكون جميل، رذاذ مطر و حرارة لا تزيد عن 19 درجة، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر قبل الظهر و تسجيل الدخول للفندق بعد الساعة الثانية، استغليت الفرصة للذهاب إلى أقرب محل في التايمز سكوير لاشتري بعض الملابس الدافئة وذلك لأني لم أكن مستعد لهذا الجو البارد، وبعدها عدت للفندق لأستريح من رحلة الخوف بالطائرة. 9

نيويورك ولاية جميلة و أنا شخصياً أعشقها و أعشق صخب المدينة و التاكسي الصفر التي تقود بجنون فيها، خرجت من الفندق و كان الجوع يصارع معدتي بضراوة و اتجهت إلى مطعمي المفضل شيك شاك لألتهم ساندويتش الشروم دون رحمة وبدأ جبن الشيدر المحشي داخل المشرومة الكبيرة يسيل من على أطراف فمي لألتقطه بطريقة خاطفة بطرف لساني و استخدمت شراب البيبسي كأداة ضغط تساعد على إنزال الأكل العالق في البلعوم للمعدة. 9

بعد هذه الوجبة الدسمة أطلقت العنان لرجلي إلى أن وصلت للفندق للنوم و الاستعداد ليوم آخر في بلد الحرية والجمال أمريكا. 9

في الصباح توجهت إلى أقرب مقهى لأحتسي القهوة بلذة الحرية، وبعدها توجهت إلى متحف موما (عند أناس يقدرون معنى الفن و يهتمون به مثلهم مثل الكويت طبعاً و مشابه إلى حد كبير لمتحف الكويت الوطني، تسمرت هناك أمام لوحات بيكاسو التكعيبية، و لوحة فان خوخ ستاري نايت ، ولوحات الفنان كليمت الأمل و القبلة، وغيرها من الأعمال الفنية الكثيرة مثل لوحة الفنان سلفادور الساعات وغيرها. 9

خرجت من المتحف و الأعمال الفنية لأتجه إلى نوع آخر من الفن وهو فن الطبخ وهو من الفنون التي أقدرها بشكل كبير وتناولت وجبة الغداء في مطعم سرندبيتي و طلبت شرابهم المشهور حليب الكاكاو الساخن المثلج ، و أنا أعتبر نفسي احد فنانين هذا المجال و متخصص بعمل بيض الأوملت و التوست مع شرائح الجبن بشكل احترافي و أزيد بعض اللمسات السحرية مثل تسخين التوست في الميكروويف و تقديمها مع إستكانة شاي فاخرة. 9

التايمز سكوير من أجمل الأماكن للأشخاص الذين يحبون التأمل مثلي، تجدني أمشي و أتلفت و أراقب و أتسمع على الأعداد الهائلة التي تمشي في هذا الشارع، بدأت أتأمل المكان والناس و رأيت أمور جعلتني أعشق هذا المكان، في هذا المكان تجد الكل، كل الجنسيات، كل الألوان، كل الأجناس، كل الأديان، كل اللغات، مكان جمع العالم كله في مربع صغير، خلال ساعة من وقوفي هناك زرت الصين و اليابان و بلاد العرب والهند و بلدان أووربا كلها، في هذا المكان سمعت لغات لم أسمعها من قبل و رأيت عادات لم أرها من قبل، في ساعة تأمل تعلمت الكثير و استفدت الكثير. 9

لاقيت صديقي هناك بعد ما وصل من بوسطن و اتجهنا إلى أقرب مطعم للعشاء، فنحن الكويتيين لم نتعلم إلى على المطاعم و هذا هو قدرنا الأربع وجبات ضرورية و تتخللهم وجبتين خفاف على المعدة، عند دخولنا للمطعم أتى المسئول عن خدمتنا في المطعم وهو شاب يدعى إيريك، فسألته عن أحد الأطباق إذا كان يستطيع أن يطلب من المطبخ إعداده من غير إضافة الكحول له عن الطبخ، فوجه لي سؤال مباغت و كأنه لكمة باليد اليسرى : 9

هل أنت مسلم ؟ -

نعم أنا كذلك -

أنصحك إذاً أن لا تضع نفسك في هذا الموقف و اختيار طبق آخر أفضل، فانا لا أستطيع أن أضمن من يعمل في المطبخ -

و كمساعدة مني هذه أسماء مطاعم تبيع أكل ذبح إسلامي إذا أحببت

وهل أنت مسلم أيضا ؟ -

لا أنا يهودي من أصول يمنية، عشت في إسرائيل فترة و قدمت بعدها إلى هنا -

آه نعم شكراً لك على أية حال -

أنا تعلمت اللغة العربية في المدرسة، ولكن لا أستطيع فهم اللغة التي تتكلم بها مع صديقك ؟؟ -

نعم هذه لغة عامية تختلف عن اللغة العربية التي تعلمتها -

نعم أنا أتكلم لغة القرآن و يجدر بك كمسلم التكلم بها فهي جميلة -

شكراً لك، أتستطيع أن تأخذ الطلب من فضلك -

بكل تأكيد -

أخذ الطلب وبعدها ذهب، فقلت لصاحبي يبدو عليه أنه شاب محترم ولكنه كثير الكلام، فأجابني كيف يكون محترم وهو يهودي الديانة ؟! 9

عاد إيريك مع الطعام، ولكنه قبل أن يذهب وجه لي ضربة قاضية باليد اليمنى هذه المرة فقال : 9

أنا متضايق منكم جدا أيها المسلمون -

ولما ذلك ؟ -

أنا شاب عربي الأصل ولكن لم أعيش بين العرب لأني يهودي، ولقد تركت إسرائيل لكرهي لسياستها مع المسلمين في فلسطين -

بل وخرجت بمظاهرة هنا مع يهود آخرين ضد تصرفات الصهاينة

حسناً شكراً، ولكن ما دخل المسلمين ؟ -

لقد شاهدت قبل فترة في موقع اليوتيوب شيوخ دين مسلمين في المساجد يدعون الله أن يمحي كل اليهود من على الأرض -

ولم افهم ما دخل كل اليهود ولما كل هذا الكره، مع إني أنا شخصياً أحب المسلمين ولا اكرههم، ولكني بالتأكيد أخاف منهم

أولا أنا عن نفسي أعتذر لك عن ما سمعت، فأنا كمسلم أعتقد و هذا رأيي أن الدعاء لك بالهداية أولى من الدعاء عليك، ودعائي -

لك بالهداية ليس تقليلاً من شأنك إنما لأني أعتقد أن ديني هو دين الخلاص وودت أن لو كل البشرية يؤمنون به، أما الخوف من المسلمين لا أرى منه داعي فالأولى أن المسلم يخاف من اليهودي إذا مشينا على المنطق الذي تتكلم به وخاصة أن اليهود هم من يغتصبون أراضي المسلمين وليس العكس، ولكن أنا كشخص لا أخاف منك لأني لا أحب الجمع في إصدار أحكامي على الأشخاص و هذه عاده اكتسبها الشعب الأمريكي عن طريق الإعلام الموجه الذي يبث هذه البروبغندا عليه، تأكد إنني أحترمك كإنسان و عقيدتك لن تغير شيء لي

شكراً لك على التوضيح -

عفواً هل لي أن أكمل وجبتي الآن لأنها بدأت تبرد -

ذهب من أمامي ولكن الأفكار بدأت تتلاطم في ذهني، أضحك على من؟؟ نحن المسلمين نحترم الأديان الأخرى ؟؟ نحن المسلمين لم نستطع حتى احترام مذاهبنا المختلفة كيف تكون لنا القدرة على احترام الأديان ؟؟

في الكويت بلد به مليون إنسان فقط، هناك السنة والشيعة السلف والإخوان، البدو و الحضر، أصيل وغير أصيل، أما في البلدان المتقدمة تجد كل الأشكال ولكنك تجد الاحترام بدرجات أكبر، نعم لا أنكر أن هناك بعض أشكال العنصرية، ولكن بالقياس بين الملايين في هذه الدول ودولة لا يوجد بها غير مليون شخص ستعرف لما سمينا بالعالم الثالث. 9

كم شاب و شابة في الكويت تكسرت آمالهم و أحلامهم على شاطئ التفرقة العنصرية، كم منهم حلم بالارتباط ولكنه لم يستطع لطبيعة المجتمع العنصري، قد يخالفني الكثيرين و أولهم عائلتي الكريمة التي تعيش على أفكار أغلب العوائل الكويتية ولكن هذه هي الحقيقة بالنسبة لي، هذه أفكار بالية جاهلية فلم يعد للأخلاق قيمة ولا للطموح قيمة و إنما هناك الأصل والمذهب فقط وهم فقط ما يحدد إذا كنت صالح للزواج أم لا، وليس فقط الزواج و إنما الأصدقاء أيضاً و زملاء العمل، وبالطبع لا أجمع الكل ولكن أقول الأغلبية. 9

نحتاج نحن كمجتمع أن نضرب ناقوس الخطر ونبدأ في التفكير بجدية، أن هذه التفرقة العنصرية لن تجلب سوى الدمار لأطفالنا في المستقبل. 9