توفي الكاتب "يوسف أبورية" وسط ضجة كبيرة ، فلقد توفي هذا الكاتب الذي ينتمى الى جيل "السبعينيات" الضائع من كتاب الرواية بعد صراع قصير مع مرض السرطان و عن 53 عاماً فقط. ففي الوقت الذي يتداول فيه الناس أخبار فضيحة "العلاج بالخارج" و التي تورط فيها الكثير من نواب مجلس الشعب المصري ، فإن الكاتب أبو رية كان أحد نتائج إهمال و إغفال الدولة عن رعاية مثقفيها و ضحية من ضحايا البيروقراطية المصرية التي تمثلت في إستيلاء وزارة المالية المصرية على مبلغ 20 مليون جنيه كان قد خصصها حاكم الشارقة من أجل توفير سبل الرعاية الكريمة الى المثقفين و الكتاب في مصر. و يعزو الكثيرون هذا الموقف السلبي للحكومة المصرية في عدم إبتعاث الكاتب للخارج من أجل العلاج الى مواقفه السياسية الرافضة للتوريث و الى مشاركاته الفاعلة في حملة "كفاية". هذا الموقف الذي جعل الكثيرون يزمجرون في غضب : هل مات يوسف أبو رية مقتولاً ؟
إستمر صراعه مع المرض لمدة أربعة أشهر ، لم يخبر فيها أحداً من أقاربه أو أصدقائه عن سر الهزال و الضعف الشديدين. بل إنهمك في إكمال روايته الأخيرة التي أسماها "ليالي البانجو". تدور أحداث الرواية حول أحد فتيات المدينة و إسمها "مها" و التي قام أباها بتزويجها الى أحد أثرياء الصعيد. لم يستمر زواجها سوى ثلاث أشهر قبل أن تقوم بالهرب مع عشيقها الذي لم تتسنى له فرصة الإرتباط بها بسبب رفض عائلته لمثل هذا الزواج بسبب الفارق الطبقي الهائل. 9
تتنازع "مها" نوايا سيئة كثيرة من حولها. فالكاتب يشير الى المضايقات الجنسية التي تعرضت لها من أباها و عمها رغم ستار الفضيلة و الخوف من العار و الذي أجبر أفراد العائلة على الإصرار غلى ملاحقتها و إعادتها و ربما الإنتقام منها. كما إن لزوجها موقف سلبي في العلاقة الزوجية و لم يمنح لها الجو النفسي الذي كانت تعتاده في المدينة قبل الإنتقال الى قرية صغيرة. أما عشيقها فقد الأمل و أصبح غاية أمله في أن يظفر بها و ان يستمتع بها لمدة قصيرة. يضع الكاتب المرأة في مواجهة المجتمع الغائص في التدين المظهري الزائف و العلاقات الشاذة غير الشرعية و يعكس الثقافة الذكورية السائدة فيه و التي تدفع إما للخطيئة وإما للموت. 9
يتناول الكاتب الصراع الطبقي الهائل الذي ما زال مستعراً في مصر برغم التحولات الإقتصادية و الإجتماعية التي جرت بدءاً من الخمسينيات "التأميم و الإصلاح الزراعي" الى التسعينيات "الإقتصاد الحر" مروراً بالسبعينيات "الهجرة الى دول الخليج و الإنفتاح الإقتصادي". فلا يبدو الأفراد في الرواية ممثلون لذواتهم ، بل هم رموز الى الطبقة التي ينتمون لها إما إجتماعياً أو إقتصادياً أو حتى فكرياً. 9