ثقافة الكلأ و المرعى

مرحباً

ليس من عادتي أن أضع بوستين في يوم واحد لكن كما هي العادة لا قانون يسري في هذه المدونة. الهدف من البوست الأخير لم يكن مناقشة مسئولية الأطراف المختلفة في مأساة منطقة عبدالله المبارك بقدر ما كان التحذير من تلك الأصوات الهمجية التي تسعى الى تغييب القانون و سيادة القبلية عبر الإنتصار للفرد على حساب الجماعة ، الإنتصار للقبيلة على حساب الوطن. و بتنا نصدر هذه الثقافات الغبية الى دول الخليج أيضاً عبر كتابات البعض و التي حذر منها السيد عبداللطيف الدعيج و التي أراني متفقاً و إياها تماماً. إذ يجب أن نبتعد عن الحساسيات و نناقش الأمور بشفافية تامة ، ليس من باب الإصطياد و تسجيل المواقف و لكن لأن الوضع أصبح سيئاً و لا يطاق. 9

لذا هنا سأناقش مسئولية الأب المفجوع عما حصل و أعدكم بأنني لن أتغافل مسئولية الحكومة و لكنني سأتناول مسئوليتها من منظور أوسع و أشمل في بوست منفصل بعد إستجواب وزيرة التربية. 9

لو كان أحدكم من جيران هذا المنزل و تصاعدت الغازات السامة و فكرت بتقديم شكوى رسمية فضد من ستقدمها؟ ضد الجهات الحكومية التي مررت هذه المواد و سمحت بتداولها و إستعمالها في غير إستخداماتها المرخصة؟ أم ضد ذلك التاجر الذي فضل أن يستأجر السرداب بدلاً من أن يستأجر براداً مخصصاً لتخزين المواد الكيميائية أم إنك و ببساطة ستقدم الشكوى ضد رب الأسرة الذي يعرض حياة عائلتك الكريمة من أجل حفنة من الدنانير؟

لو كنت أنت نفسك رب الأسرة و فكرت بتأجير السرداب ، فهل ستطلب شهادة ترخيص لرش المواد الكيميائية مثلاً؟ و هل ستطلب إتخاذ إجراءات الأمن و السلامة ؟ هل كان تصميم السرداب مناسباً للتخزين من ناحية التهوية؟ أم إنك تجهل كل ذلك؟ و في ظل جهلك هذا ، ألم تكن الحكمة تقتضي بأن ألتزم القانون؟ لم وضع القانون؟ هل لمضايقة الناس أم لحمايتهم؟

هل يطلب أحداً منكم من الكهربائي الذي يعمل في بيته شهادة تدل على كفاءته و إتقانه للعمل بما يحفظ سلامتك و سلامة أسرتك؟ أليس حرياً من الحكومة أن تنظم شروط العمل المهني حتى تحمي المواطنين و تحفظ النظام من المستغلين و الذي يدعون أنهم يتقنون كل عمل؟ هل تقوم الحكومة بكل هذا؟ في ظل عجز الحكومة عن القيام بدورها ، هل سأسمح لكائن من كان أن يدخل بيت و أن يعبث به كما يشاء ثم ألوم الحكومة على تقصير هذا العامل الذي أنا إخترته لأنه رخيص الثمن؟ من يتولى حماية عائلتي؟ هل سأوكل هذه المهمة للحكومة أيضاً كما أوكلت مهمة تعليم و تربية و تهذيب الأبناء و طبابتهم و توفير السكن المناسب لهم و توفير الأمن لهم؟

ما هي مهمتي في الحياة؟ ما هي فائدتي؟ كنز النقود؟ البحث عن الثغرات في القوانين لإستغلالها؟ إستصدار الرخص و تأجيرها؟ كفالة العمالة السائبة نظير أموال؟ المطالبة برفع دعم الأعلاف؟ المطالبة بإسقاط القروض؟ هل هذه قيمتي في الحياة؟

للأسف هذه هي نظرة تلك الثقافات الغريبة عن مجتمعنا تجاه القانون. هذه ثقافة البحث عن الكلأ و المرعى و الماء ، ثقافة الكسب ، ثقافة إن كل شئ مباح ، ثقافة الشطارة و الفهلوة. 9

هل نلوم الجهات الحكومية التي تتصارع من أجل مزيد من الصلاحيات دون أن تكون لديها الكفاءة لممارسة تلك الصلاحيات و تنفيذ المهام المطلوبة منها؟ أم نلوم التاجر الذي فضل توفير بضعة من الدنانير و كانت أقصى خسارة له هو فقدانه قيمة المواد الغذائية المخزنة؟ أم نلوم الأب المفجوع الذي خسر طفليه؟

اللوم هنا ليس من باب العتب و الملامة و التخندق العنصري البغيض، فلم نخسر شيئاً بل الأب المفجوع هو من خسر. لكنها من باب التحذير من تبعات هذه الثقافة التي باتت تسيطر على مجتمعنا. 9

في الحقيقة لا ندري من نعزي. أنعزي هذا الأب المفجوع أم نعزي وطننا في عقليات و كتابات البعض. 9