Sunday 6 September 2009

عزازيل ليوسف زيدان

"الديانة لا شأن لها بالعقل و الإيمان لا يكون إيماناً إلا إذا كان يناقض العقل و المنطق و إلا فهو فكر و فلسفة"
أثارت هذه الرواية جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية الى درجة إنها منعت من التداول في كثير من الدول العربية و منها الكويت ، بعد إحتجاج الكنيسة القبطية المصرية على نشرها ، رغم فوزها بجائزة افضل رواية عربية (البوكر) لسنة 2009 و نجاحها الجماهيري. هذا الجدل المحتدم إنصب على مدى الدقة التاريخية لأحداث الرواية رغم إنها تنقل ما كتب في إحدى المخطوطات القديمة و تؤجج النقاش حول عقيدة التثليث المسيحية بل حتى وجود الرب و الشيطان و الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح و وضع السيدة العذراء ! 9
الرواية عبارة عن ترجمة لمجموعة لفائف خيالية مكتوبة باللغة السريانية، دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق في منطقة الخرائب الأثرية حول محيط قلعة القديس سمعان العمودي قرب حلب/سوريا. كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة جيدة ونادرة و قام بترجمتها الى الهربية مترجم مجهول الهوية. 9

الرقوق الثلاثين عبارة عن سيرة ذاتية خيالية للراهب المسيحي المصري "هيبا" والذي عاش في الفترة المضطربة من التاريخ المسيحي الكنسي في أوائل القرن الخامس الميلادي و التي تلتها إنقسامات هائلة بين الكنائس الكبري (زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية وعقد مجمع أفسس الذي ناقش انشقاق نسطور أسقف القسطنطينية وحرمانه). 9
كتب الراهب هيبا رقوقة مدفوعا بطلب من "عزازيل" شيطانه الذي يوقعه في اثم العلاقة المحرمة مع المرأة. و تتناول الرقوق ما حدث لهيبا منذ أن خرج من أخميم في صعيد مصر قاصدا مدينة الأسكندرية طلباً لعلوم الطب و اللاهوت. و هناك تعرض لإغواء امرأة سكندرية وثنية "أوكتافيا" التي أحبته ثم طردته لما عرفت أنه راهب مسيحي قبل أن يخرج هارباً من الأسكندرية بعد ثلاث سنوات بعد أن شهد بشاعة مقتل العالمة "هيباتيا" الوثنية علي يد الغوغاء من مسيحي الأسكندرية بتحريض من بابا الأسكندرية. ثم خروجه إلي فلسطين للبحث عن أصول الديانة واستقراره في أورشاليم (القدس) ولقائه بالقس "نسطور" الذي أحبه كثيرا وأرسله إلي دير هادئ بالقرب من أنطاكية. وفي ذلك الدير يزداد الصراع النفسي داخل نفس الراهب وشكوكه حول العقيدة، ويصاحب ذلك وقوعة في الحب مع امرأة تدعي "مارتا". 9

استطاع كاتب الرواية "يوسف زيدان" المتخصص في التراث العربي المخطوط والتوثيق و التحقيق ان يقود القارىء الى منطقة نائية في التاريخ الكتابي العربي وخصوصا في المجال الروائي ، وأن يدخل هذه المنطقة ويؤثثها حبرياً بما يليق بدهشة الكشف وذلك ضمن تقنية روائية يتداخل فيها التوثيق التاريخي مع الابداع وإسقاطاته. 9
الرواية مليئة بالصراعات الدموية التي عصفت بتاريخ الكنيسة المصرية : الصراع بين الإنسان والشيطان. وصراع آخر عاصره بطل الرواية الذي يعيش في القرن الخامس الميلاد. وهو الصراع بين المسيحية والوثنية. بالإضافة الى الصراعات بين الفرق المسيحية وبعضها. 9
و يلمح الكاتب في الرواية الى عدم تصديقه للكثير من الثوابت المسيحية فوجود الرب مشكوك فيه كما هو الحال للشيطان الذي يغويه و يصادقه فيتخفى زيدان في دور مترجم الرقوق بدلاً من دور سارد الرواية أو صانعها فيكتب : "البدايات ما هي إلا محض أوهام نعتقدها. فالبداية و النهاية إنما تكونان فقط في الخط المستقيم. و لا خطوط مستقيمة إلا في أوهامنا ، أو في الوريقات التي نسطر فيها ما نتوهمه. أما في الحياة و الكون كله فكل شئ دائري يعود الى ما منه بدأ و يتداخل مع ما به إتصل. فليس ثمة بداية و لا نهاية على الحقيقة و ما ثم إلا التوالي الذي لا ينقطع ، فلا ينقطع في الكون الإتصال ، و لا ينفصم التداخل ، و لا يكف التفريع ، و لا الملء و لا التفريغ. الأمر الواحد يتوالى إتصاله ، فتتسع دائرته لتتداخل مع الأمر الآخر ، و تتفرع عنهما دائرة جديدة تتداخل بدورها مع بقية الدوائر. فتمتلئ الحياة بأن تكتمل دائرتها فتفرغ عند إنتهائنا بالموت ، لنعود الى ما منه ابتدئنا". 9
و يناقش أيضاً دور رجال الدين الذي ينتقده بشده و يسبح في بحر تأملات الراهب هيبا حين ينعزل في داره بالكتيسة مراقباً و ناقده لتصرفات و سلوكيات و أفكار رجال الدين المتشددين و نظرتهم الى الحياة : "لماذا لا يتعلم الناس من الحمام ، العيش في سلام ؟ الحمام طير طاهر ، و بسيط ، و قد قال اليسوع المسيح : كونوا بسطاء كالحمام .. الحمام مسالم ، لأنه لا مخالب له ، فلينبذ الناس ما بأيديهم من الأسلحة و عتاد الحرب ! و الحمام لا يأكل فوق طاقته و لا يختزن الطعام ، فليكف الناس عن اكتناز القوت و تخزين الثروات .. و الحمام يعيش حياة المحبة الكاملة ، لا تفرق ذكوره بين أنثى جميلة و أخرى قبيحة ، مثلما يفعل الناس .. و اذا بلغ الفرد منه مبلغ الطيران ، لم يعد يعرف أباً له و لا أماً ، و إنما يدخل مع البقية في شركة كاملة لا تعرف أنانية و لا فردانية". 9
و لا يخفي بطل الرواية ندمه على الفترة التي قضاها في بحور اللاهوت و علومها قبل أن يقع في حب الفتاة البسيطة التي تعشق الموسيقى مثله فيكتب : "الحمار لا يمكن بحال أن يكون غبياً ، هو صبور بطبعه. و قد يبدو الصبر غباءً أحياناً ، و جبناً أحياناً. يبدو أنني قضيت عمري حماراً !". 9
رواية رائعة بكل المقاييس و تعد بحق النسخة العربية من "دافنشي كود" و تستحق الجائزة التي حصلت و النجاح الجماهيري الذي لاقته و إهتمام النقاد بها. 9

6 comments:

صوت الكويت said...

أنا ماني عارف ليش يمنعون الكتب
كلشي قاعد ينشر بالإنترنت والناس أغلبها صارت تستعمل الكمبيوتر والإنترنت ووزارة الأعلام للحين تمنع الكتب

justice maker said...

عيزت ادورها مو محصلتها والمشكله ماحب اقرا رواية ع اللاب لما يأست نزلتها بس ماكو فايده ماقدرت اقراها

جاري البحث عنها

يعطيك العافيه ع الكتب الحلوة

Nikon 8 said...

القصة موجودة عندي ومأجلة قراءتها لعلة العيد ... لا أحب قراءة القصص أو المجلات في رمضان

حلم جميل بوطن أفضل said...

صوت الكويت

المنع أتى بسبب احتجاج الكنيسة القبطية. و مثلما نطالب الآخرين باحترام عقائدنا فإنه يجب علينا احترام عقائد الآخرين

أتفق معك في جزئية عدم نجاح ثقافة المنع

حلم جميل بوطن أفضل said...

صانعة العدالة

ما أعتقد راح تلقينها في الكويت لكنها موجودة في دبي و بيروت و مصر. على العموم أنا عندي نسخة انتهيت منها

الوعد لا يزال في12 سبتمبر

حلم جميل بوطن أفضل said...

نيكون

هذه كلها قراءات ما قبل رمضان لكن تأخرت في الكتابة عنها