عند التفكر في أي قضية يجب أن نبتعد تماماً عن الإصطفاف الغبي الذي يمارسه عامة الناس. و تبدو قضية مشروع قانون غرفة تجارة و صناعة الكويت أفضل مثال على ذلك. فإما أن تنتقد تلك الطبقة التجارية المتعجرفة التي تضفي هالة القدسية على نفسها و تضع نفسها فوق كل قانون و لا تقبل حتى بحق عضو مجلس الأمة الذي كفله دستور دولة الكويت و الثقة التي منحها له ناخبيه في التقدم بأسئلة برلمانية. و إما أن تدافع و بشراسة عن كل ما يمس الغرفة ملبساً بعقلية المؤامرة التي لطالما إنتقدوها. و لا حل وسط غير هذين الطريقين. 9
أعترف بأن هذه القضية خيوطها متشابكة. لكن ما الطريق الأمثل لفك التشابك هذا ؟ ما رأيكم في أن نفكر بعقلية "القانون و نصوص الدستور" بعيداً عن "عقيدة الإنتقام" التي تتلبس الجميع ؟
يجب أولاً أن نعترف بان القانون الحالي لغرفة التجارة و الصناعة تعتريه الكثير من المثالب. فهو لا يطبق وفقاً للنص الشرعي الذي نشر عام 1959. و هو يفرض الإتاوات و الرسوم و يجبر جميع طالبي التراخيص التجارية على الإنتساب و دفع الرسوم قبل مزاولة أعمالهم التجارية ، مما حول الغرفة الى ما يشبه صندوق ضرائبي خاص مفروض قسراً على عامة الناس من أجل تمويل أنشطة التجار الذين لا تعوزهم المادة. كما إن القانون يسمح بتعدد المناصب و تعارض المصالح كما رأينا في حالة السيد حسين الخرافي و مصنعه لصهر الحديد الخردة. 9
لكن في الوقت نفسه ، يجب أن ندعم كافة مؤسسات المجتمع المدني و ألا نفرض نفس النصوص المعيبة التي غيّبت نادي الإستقلال و سمحت بحل الجمعيات التي أصدرت البيان الشهير أعقاب حل مجلس الأمة سنة 1976. و على رأس مؤسسات المجتمع المدني هذه تقبع غرفة تجارة و صناعة الكويت صاحبة الدور التاريخي الذي لا يمكن لأحد أن ينكره إبان نشأة الدستور و إقراره و جميع الهزّات التي تعرضت لها الكويت من تزوير الإنتخابات في 1967 و تعطيل العمل في الدستور سنة 1976 و محاولة تنقيح الدستور في مجلس 1981 ثم التعطيل الثاني سنة 1986 و مؤتمر جدة و إعادة العمل بالمجلس الوطني أعقاب التحرير. 9
صحيح أن التجار هم من تخلى عن دورهم التاريخي هذا ، و كانت الجريدة هي أول من أشرك السيد أحمد الفهد في الحياة السياسية (من خلال مؤتمرها الشهير) بعد إبعاده عن الحكومة و صحفها هي من كتبت المعلقات الطوال عن حكومة التنمية و الإصلاح و سيادة القانون طمعاً في الحصول على جزء أكبر من كعكة التنمية. و هي من تلاقت مصالحها و سياسة الحكومة فيما يخص قانون الإستقرار المالي و العجز عن تأديب البنوك المتطاولة على نظم البنك المركزي و قانون الخصخصة. لكن حان الوقت أن تخلى عن "عقلية الإنتقام" و أن نرى الأمور بمنظورها الأوسع وفق معايير وطنية تتوخى الصالح العام. و هي من تهرول اليوم الى الحكومة التي دبرت بعض أطرافها هذه المساومة التي أفضت الى أمر مهين ، فبعد أن كان فريق الإستحواذ الرياضي هو من يهرع الى المساومة ، أصبح اليوم فرسان الإصلاح الرياضي و ممثلي الغرفة في مجلس الأمة و الصحافة هم من يهرع لعقد المساومات في الغرف المغلقة. و ماذا كانت النتيجة غير المزيد من الذل و الهوان و الإستجداء. 9.
الحكومة تتملك مفاتيح و قواعد اللعبة في كافة المجالات. و منها المجال المالي و الإقتصادي و هي من جعلت الشعب الكويتي أسير الرواتب الحكومية و حبيس القروض البنكية و فاقمت المشكلة الإسكانية قبل أن تغرق أبناءها في مستنقع سوء الخدمات التعليمية و الصحية مما أجبر المواطنين على تحمل أعباء معيشية إضافية. و في الوقت نفسه ، قمعت القطاع الخاص صاحب المبادرات في إنشاء المؤسسات و الشركات الوطنية كالبنك الوطني و شركة الناقلات و شركة السينما و مصافي البترول. لتجعله رهينة المناقصات الحكومية التي بزغت فيها شركات الخرافي و الصقر و غيرهم من العوائل التجارية الكبيرة التي أصبحت تحاول الإستحواذ على الشركات الحكومية التي يتم تخصيصها بعد أن كانت تؤسس الشركات و تسلمها الى الحكومة فيما بعد. 9
يجب أن يشارك الجميع في إدارة البلد و مرافق الدولة. غرفة التجارة ستبقى للتجار كما سيبقى إتحاد العمال للعمال و كما ستظل الدوائر الرابعة و الخامسة لأبناء القبائل و الدائرة الأولى للطائفة الشيعية. هؤلاء هم مكونات الشعب الكويتي. لكن يجب أن نبعد كل هذه المكونات عن الوصاية الحكومية و عن سياسات السيطرة من خلال زرع الفرقة و الشقاق. 9
لذا فإن من الضروري أن تتعقل الغرفة و صحفها و ان تكف عن محاولات تغييب الوعي لدى المواطنين فالقانون الحالي معيب الى درجة كبيرة ، و محاولة الدفاع اليائسة و البائسة ستفقدهم الكثير من الأوراق خصوصاً دور القيادي الذي تخلوا عنه من أجل المزيد من الأموال و الحظوة لدى السلطة. و عليهم أن يتفكروا جيداً و ان يسائلوا أنفسهم : لم تخلى عنهم عامة الناس و بسطائهم بعد أن كانوا يهبون للدفاع عنها ؟ هل تغير الناس أم تغيرت الغرفة .. أم إن كل شئ قد تغير ؟ يجب على هذه الفئة التنبه أن كل ما جرى هو صنيعة سوء مواقفها و إصرارها على العناد و مخالفتها للمبادئ التي تتغنى بها و إضفائها هالة من القدسية على أعمالها مع تهميش الآخرين بطريقة مقززة. 9
و في الجانب الآخر يجب المحافظة على إستقلالية مؤسسات المجتمع المدني جميعها. و يجب العمل ليس فقط على رفض "المحاولات المشبوهة" التي يقوم بها رفاق "بواب مغارة علي بابا" كالسادة أحمد السعدون و حسن جوهر و يوسف الزلزلة لفرض الوصاية الحكومية على غرفة التجارة ممثلة بالمواد المتعلقة بإشراف وزير التجارة و الصناعة على أعمالها و تقديم دعم حكومي يستوجب متابعة حكومية متعلقة بأعمال الغرفة و منعها نهائياً من التدخل في الشأن السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، لكنه من الواجب أيضاً على حماة الدستور و دعاة الحريات بأن يعمدوا على تعديل قانون جمعيات النفع العام حتى تنال نفس القدر من الإستقلالية و الذي نطالب و ننادي به لغرفة التجارة. 9
أما مسألة نظام الإنتخاب الجزئي فهي تفصيل لا يستحق النقاش لكنه من الواجب أن ننبه بأن هذا النظام يحقق التوازن و معمول به بدءاً من إنتخابات مجلس الأمة و إنتهاءاً بإنتخابات الجمعيات التعاونية. و أن فرسان الإصلاح الرياضي هم من كان يطالب بتمثيل أندية التكتل و المعايير في الإتحادات الرياضية. لذا فإنه لا ضير و لا ضرار في أن ينتخب ثمانية أفراد من قائمة و أربعة آخرون من قائمة مناوئة. إذ إن الأغلبية هي من ستحسم القرار في نهاية الأمر ، و طبيعة الأمور في عدم جواز طغيان فئة بشكل مطلق على باقي الفئات. 9
تعقلوا و تفكروا وفق المبادئ التي نادى بها الدستور .. و ابتعدوا عن "الإصطفاف الغبي" متسلحين بألبوم صور السيد المحترم عباس الشعبي. و قبل أن أختم : كفاك يا صالح تصريحات ،، و أقدم على ما لم يجرؤ "النائب الذي لم يجرؤ" السيد أحمد المليفي القيام به. 9
إنتهى ! 9