و أخيراً وضعت معركة قانون "الخصخصة" أوزارها و إنتصرت الأقلية النيابية مشفوعة بخمسة عشراً وزيراً حكومياً على الغالبية النيابية. إنطلقت حملات التخوين و التشكيك كالعادة من فئة لا ترغب في تغيير الأوضاع و تعلن صراحة عن رفضها لمبدأ تخلي الدولة عن تدخلها المستمر في الإقتصاد الوطني و هيمنتها على جميع نواحي الحياة في البلد. و وصم جميع من يوافق على المبدأ السامي في تغيير الأوضاع السوداء الى مستقبل قد يكون رمادياً لكنه يحفظ الدولة من الإفلاس الوشيك بأنه "بائع للوطن". 9
و هذه هي علّة الشعب الكويتي أسير "الخوف من المستقبل" ، فهو يعيش يومه دون النظر الى المستقبل. يعيش حياة الخدر عبر الإعتماد على المرتب الحكومي تحت وطأة القروض الإستهلاكية غير المبررة دون أدنى رغب في الخوض في معركة لإثبات وجوده عبر تعزيز فرص العمل و إعتماد مبادئ الإنتاجية تكافؤ الفرص و العدالة و التنافس الشريف. ففي قضية الدوائر الخمس كان الخوف من المجهول تحت نظام إنتخابي غير مجرّب يقلق منام الكثيرين. و حين إنطلقت حملة إرحل الداعية الى إستقالة رئيس الوزراء تساءل الجميع : من البديل في الوقت التي ظهرت ملامح الصورة الخفية في رغبة ناصر المحمد في البقاء على سدة الوزراء بأي ثمن و إن كان الثمن يعني التنازل عن صلاحياته ل "بوابة التنمية الفاسدة" ، الذي ملأ القطاع النفطي و مناقصات وزارة الكهرباء بالشركات الأوربية قليلة الكفاءة ، و التي لا تستطيع الشركات الأجنبية عبورها إلا بمباركته السامية. و هذا ما يفعله "تاجر شنطة التنمية" في صولاته و جولاته الأوربية مستعرضاً الخطط الجبّارة في سفلتة شوارع الكويت و بناء المباني منخفضة التكاليف في الوقت الذي إنشغل رئيسه في القيام بجولات "التست درايف" في حواري ديفون الهادئة ! و هكذا يعيش الشعب الكويتي حياته في خوفٍ مستمر من أدنى محاولة تغيير. 9
و حين قضي الأمر و أنتهي لجأت هذه المعارضة "الغبية" الى سلاحها الأثير و هو إدخال نص "بما يتوافق و الشريعة الإسلامية" الذي أثبت ضبابيته و عدم موائمته للتشريع المدني لمواد القانون و كأنها تقول للجميع بأن الشريعة الإسلامية كفيلة بإفساد و إفشال أي قانون ! 9
صياح و صراخ من يرفض "بيع الوطن" إختفي و تلاشى بعد الجلسة مباشرة و إنهمك في صياح و صراخ آخر حول قضية إحتجاز الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم. تخلى هؤلاء عن معارضتهم و باتوا يلوّحون و يساومون حول ورقة الإضراب العام. و هنا أود الإشارة الى وجود أداة لا بد أن تمارس للمرة الأولى من خلال ممثلي الأمة. و هي اللجوء الى المحكمة الدستورية للطعن في دستورية القانون. 9
و في المقابل فإننا نرى ثلة من النواب "البصّامة" التي لا ترغب في الخوض في أي نقاش حول القانون. فأين علي كوكو و معصومة المبارك و سلوى الجسار و عدنان عبدالصمد و غيرهم من كافة الندوات النقاشية التي عقدت حول القانون ؟ أينهم من الآراء الدستورية و القانونية التي إنتقدت القانون ؟ أينهم عن قواعدهم الشعبية و على أية أسس بنوا مواقفهم المتوافقة دوماً و رغبات و نوايا الحكومة ؟
النظام الدستوري في الكويت يقوم على أساس فصل السلطات و تقضي المادة 50 من الدستور بعدم جواز "تنازل" أي سلطة لأخرى عن إختصاصاتها حتى و إن وافقت هي على ذلك عن طريق التصويت الديمقراطي. و المادة 150 التي تنظم عمليات استغلال الموارد الطبيعية و المرافق العامة تقرر بأن كل التزام لا يكون إلا بقانون أي انه يلزم إقرار قانون مستقل يوافق عليه مجلس الأمة (الشريك في القرار) لكل عملة تخصيص. 9
القانون الحالي في ظاهره هو قانون منظم لعمليات الخصخصة و يحدد القواعد العامة التي يجب أن تقوم عليها عمليات الخصخصة و ينشئ الجهات الإختصاصية كالمجلس الأعلى للتخصيص و الجهاز الفني لبرنامج التخصيص. لكنه في واقع الأمر "تنازل" من السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية في انتهاك صارخ للمادتين 50 و 150 من الدستور. فالمادة السابعة من القانون المقر تنص على أنه "يتولى المجلس (أي المجلس الأعلى للتخصيص) وضع السياسة العامة لعمليات التخصيص و اعداد برنامج زمني بالمشروعات العامة التي يزمع المجلس تخصيصها و عرضه على مجلس الوزراء "لإعتماده و تنفيذه" وفقاً لأحكام القانون". 9
إذا أين صلاحيات مجلس الأمة التي تتحدث عنها "الست رولا" ؟؟
و تنص المادة الثامنة من القانون على أنه "يوافي المجلس (أي المجلس الأعلى للتخصيص) كلاً من مجلس الوزراء و ديوان المحاسبة بتقرير نص سنوي خلال شهري يناير و يوليو من كل بالأعمال و الأنشطة التي قام بها في نص السنة المنقضي. و على رئيس الديوان (أي ديوان المحاسبة التابع للسلطة التشريعية و ليس السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء) موافاة مجلس الأمة بنسخة من التقرير و ملاحظاته خلال شهرين من تاريخ تسلمه" !! 9
إذاً السلطة التشريعية تنازلت عن حقها في إقرار القوانين اللازمة لتخصيص الموارد الطبيعية و المرافق العامة الى مجلس يشكل من قبل مجلس الوزراء بالكامل. بل إن حتى الجانب الرقابي غامض و ضبابي حيث ذكرت المادة السابعة من القانون بأن "المجلس الأعلى للتخصيص يحدد أو ينشئ الجهات الرقابية التي تتولى الإختصاصات المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون (حماية المستهلك ، سرية المعلومات ، ضمان توفير وسائل التقنية ، سلامة البيئة ، تضارب المصالح)" دون أدنى ذكر لصلاحيات هذه الجهات الرقابية ! 9
هل تعلمون ما هي القيمة القصوى للغرامات المالية على الشركات المخالفة ؟؟ خمسون ألف دينار كما تقضي المادة الرابعة و العشرون التي لا تتحدث عن إلغاء التخصيص أبداً !! خمسون ألف دينار غرامة على شركات تتولى إدارة موارد طبيعية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدنانير ! 9
إذاً القانون بلا مخالب كما اسلفنا و أدرجت تعديلات كثيرة على مواده و لكننا ما نزال نجده بلا ضمانات كافية من أجل التأكيد على عدم إنحراف القانون عن أهدافه بسبب البيئة السياسية و الإدارية الفاسدة التي وُلد في وسطها. و وجود 28 نائب معارض للقانون يسمح بتقديم طعن دستوري ضد "تنازل" السلطة التشريعية عن إختصاصتها ، و هذا ما نودّه و نرغب به ، لا الهروب الى قضايا أخرى تختلقها السلطة لإلهاء الناس. 9
و هنا نذكّر بموقف "الرمز" أحمد السعدون من قانون الإستقرار الإقتصادي و الذي طالب بأن كل"قرض" يمنح لكل شركة على حدة يجب أن يصدر بقانون مستقل !! و نذكّر بموقف "الرمز" نفسه من مشروع حقول الشمال حين طالب بأن كل "مكمن نفطي" يجب أن يصدر قانون مستقل تمهيداً لإستغلاله من الشركات الأجنبية !! و نذكّر ختاماً بموقف "الرمز" أحمد السعدون الذي سمح بإعادة التصويت على قانون المديونيات المعيب في مجلس 1992 بعد أن سقط بالتصويت الديمقراطي في مخالفة لائحية شاذة شوّهت تاريخه النيابي و اليوم يعود ليرتكب نفس الخطيئة متذرعاً بنفس السبب و هي الضرورة الحتمية التي تسمح للرمز بمخالفة نصوص الدستور و تمنعها عن غيره ! 9
أما فتاة البراري السيدة أسيل العوضي فقد أشدنا بتعديلاتها لكنّا إستغربنا موافقتها على القانون بعد أن ضربت اللجنة بتعديلاتها الجميلة عرض الحائط. يا دكتورة يا محترمة ، النعومة لا تجدي نفعاً في مستنقع الفساد الذي نعيشه. و ما زلتي بلا طعم و لا رائحة رغم المجهودات الوافرة التي تقدمينها و النشاط الملحوظ. و لكن تأثيرك محدود بسبب نعومة مواقفك تلك و الإكتفاء بخطاب هامس قد يصلح في جلسة حوارية هادئة حول افضل طرق الريجيم أو ألوان أزياء الصيف و تفتيحات الشتاء. و لكنها لن تصلح الأوضاع و لن تكبح جماح الحكومة و نوّابها البصّامة. 9
نحن نعيش اليوم بين حكومة فاسدة و معارضة غير إصلاحية. نؤمن بالتخصيص و بضرورة تخلي الدولة عن هيمنتها على جوانب الحياة و على أهمية الإستقلال المادي للمواطنين و إبتعادهم عن السلطة التي تؤمن لهم جميع ضرورات حياتهم و الإعتماد على الكفاءة المهنية أولاً و أخيراً. الدستور الكويتي يسمح بكل هذا. و لكن غياب الضمانات المستحقة في وسط الفساد يضعنا أمام خيار عقلاني وحيد و هو معارضة هذا القانون بصيغته الحالية كما فعل النائب صالح الملا الذي نوجه له التحية على موقفه المبدئي و على تناغمه و مؤسسات المجتمع المدني و ناشطي الحركة الوطنية التي رفضت هذا القانون. إعرف الحق تعرف أهله و ليس إعرف الطبطبائي و المسلم و هايف و عاكس مواقفهم كما ينظّر كاتبنا الكلاسيكي التعس. 9
فإلى خيار المحكمة الدستورية إمضوا و سجلوا السابقة الأولى في مسيرتنا النيابية بعيداً عن الإضرابات و الشغب و غوغاء التكتل الشعبي الذي كان ! و نقولها بعد إنقضى الأمر و أنتهى ، لقد كانت النية مبيّتة لإخراج القانون بأي صورة و إن كانت معيبة و إن كانت تنتهك مواد الدستور. كل هذا حدث برعاية حانية من السيد أحمد السعدون الفخور بعمله كما هو فخور بموقفه التاريخي من إعادة التصويت على قانون المديونيات. لذا نقول : نعم لقد خارها "الرمز" !! 9
10 comments:
والله يا الطيب .. مثل ما قلت
النية كانت مبيتة لأخراج القانون بأي
صورة ! مو بس الرمز خارها
الكل خارها
مشكور حلم كلامك بمحلة
إذا العم جوجل خايرها ، عيل الرمز شلون ؟
:-)
فارمر
جميع النواب يتحاشون التوجه للمحكمة الدستورية ! تدري ليش يا حلم ؟
لأن الحكومة سوف تهددهم بأحالة كثير من القوانين غير الدستورية ومنهاعلى سبيل المثال لا الحصر قانون منع الأختلاط لذات المحكمة وتطلب حكم المحكمة الدستورية والتى سوف تسقطها المحكمة كما فعلت مع كل من قانون منع التجمعات وقانون منع المرأة الكويتية المتزوجة من أستخراج جواز سفر الا بموافقة الزوج
يعني بالمصري سيب وأنا أسيب
الرمز يفخر بأنه كان وراء أصدار قانون الخصخصة . تبونه يناقض نفسه ويطلب احالة القانون للدستورية ! صعبة أوي يا حلم
هلا اخوي وشكرا على طرحك الجميل
والله الموضوع ليس هو الخصخصه ولكن من يدير الخصخصه
عملية ان نجعل الحكومه تدير الموضوع
برمته هو المصيبه
لان اي عملية تخصيص برعاية حكومة فاسده وتاجر شنطة التنميه يعني ورشاوي وعمولات
ولا اعتقد انها ستختتلف كثيرا عن عمليات الخصخصه في روسيا ومصر
عل العموم اذا كان الكلام عن خلق فرص وظيفيه للشباب فاتمنى ان نلاحظ جميعا
الانفجار اللي سيحدث باعداد الوافدين في السنوات القادمه
في سؤال واحد
منو اللي تهمه مصلحة الوطن
و منو اللي يبي يغير الوضع الحالي الى وضع عقلاني افضل منه
واذا على الانتقاد
ما في اسهل منه
لكن وين الاصلاح
!
إبتسامة
قانون انشاء شركات المصافي بدأ نقاشه في اللجنة المالية
وين الوكالة البحرية مالت رولا ؟
ما أقول إلا مالت على البامية
فارمر
خليها على الله
PALL
ياما كتبت عن المحكمة الدستورية و قلت لا يقص عليكم علي الراشد في مسألة التعليم المشترك
لو يفتح الباب لأنتفى 90% من قضايا المواطنين و لردت الحقوق و إنتفت مزايدات النواب
و أول شئ راح يعرض على المحكمة المادة 121 المتعلقة بمنع النواب من المشاركة في الأعمال التجارية
عمر
يا اخي لو نتكلم عن الإدارة لرفضنا كل شئ و لم ننجز أي قانون
لذا الضمانات ضرورية
و القانون هذا بلا مخالب كما أسلفنا
بيس
لا إصلاح في ظل من تسبب بإفساد كل شئ
إبحثي الإصلاح و اطلبيه في كل زمان ومكان
لكن لا تطلبيه ممن تيقنتي من فساده
هنا ينتفي العقل و يبدأ الهذيان
:)
Post a Comment