المادة 162 من الدستور الكويتي
شرف القضاء و نزاهة القضاة و عدلهم أساس الملك و ضمان للحقوق و الحريات
المادة 163 من الدستور الكويتي
لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه و لا يجوز بحال التدخل في سير العدالة و يكفل القانون استقلال القضاء و يبيّن ضمانات القضاة و الأحكام الخاصة بهم و أحوال عدم قابليتهم للعزل
لمصلحة من التشكيك في نزاهة القضاء الكويتي ؟
هل سيخدم مثل هذا التشكيك المواطن العادي البسيط الذي لا ملاذ له سوى سيادة القانون و عدالة القضاء ؟ أم إن مثل هذا الأمر سيضيف حصانة إضافية لمن أشاع الفوضى في كافة السلطات الثلاث التي تتكون منها المؤسسات الدستورية ؟
أين كانت الجلبة ؟ و هل كان هناك تشكيك فعلي في مرفق القضاء و شخوص القضاء ؟ شخصياً لا أرى بمثل هذا الأمر و يجب على من يدّعيه أن يقرنه بالدليل. لكن علينا أن ننتبه الى مواضع الشبهة التي حدثت مؤخراً و طالت مرفق القضاء. 9
فأولاً ، حق التقاضي غير مكفول للجميع كما يثار حالياً حول قضايا الإبعاد الإداري و يتحمل ذلك السلطة التنفيذية أولاً التي تتحصن بالتعديل غير الدستوري لقانون المحكمة الإدارية التي منعت حق التقاضي في أمور عدّة. و تتحمل السلطة التشريعية أيضاً قسطاً من المسئولية لأنها تقاعست عن تصحيح قانون المحكمة الإدارية بل و حتى المحكمة الدستورية و التفكير جدّيا في سن قانون "مخاصمة القضاء" ما يوفر للأفراد الآليات القانونية في مخاصمة السلطة القضائية دون التشكيك في نزاهتها أو عدالتها كما حدث مؤخراً في قضية المحامي نوّاف الفزيع. 9
ثانياً ، كثير من بلاغات قضايا الفساد و ذلك أمر لا تتحمله السلطة القضائية بل يتحمله من يقدّم تلك البلاغات الشكلية الخالية من أسماء المتهمين أو الأدلة و القرائن و الوقائع و يتحمله أيضاَ من يمنع تشكيل هيئة مستقلة تعني بمكافحة الفساد ألا و هي السلطة التنفيذية التي تحاول تبرئة نفسها و الإحتماء خلف قرارات حفظ القضايا. 9
ثالثاً ، زج القضاء في اتون الصراعات السياسية الطاحنة. فخالد الفضالة لم يرفع القضية على نفسه ، بل رفعها رئيس السلطة التنفيذية الذي لجأ للقضاء في الوقت الذي لا يستطيع غيره اللجوء مباشرة للقضاء و رفعها على إثر حديث سياسي بحت. 9
رابعاً ، هناك الكثير من الشكوك حول مدى إستقلالية القضاء و هي شبهات تتحملها السلطة التنفيذية التي تمنع الإستقلال المالي و الإداري لمرفق القضاء فتندب القضاة للعمل في أجهزة الدولة التنفيذية و تراجع مراسيم تشكيل مجلس القضاء الأعلى و تصر على تمثيل وزارة العدل في الأجهزة و المجالس القضائية و توافق على توظيف خريجي كلية الشريعة في مرفق القضاء في الوقت الذي تعد فيه كلية الحقوق إحدى أقدم كليات جامعة الكويت التي أنشأت عام 1966 و في ظل الوفرة الكبيرة للمتخصصين في شتى مجالات القانون. 9
إذاً التحذير من مغبة التشكيك في السلطة القضائية و التحذير من النتائج المدمرة لمثل هذا التشكيك هو حديث حق و عقلاني و نشد على يد مدّعيه. لكن مثل هذا القول يجب ألا يوجه للبسطاء الذين لا ملاذ و لا سند لهم إلا القانون ، بل إن مثل هذا التحذير يجب أن يوجه للمتسبب الحقيقي في هذه الشبهات و الذي أقحم السلطة القضائية في الفوضى التي نعيشها لا لشئ سوى تحصين نفسه من أي مسائلة بسبب العبث الذي يمارسه من أجل الحفاظ على موقعه. 9
إن التوجيه الخاطئ لهذا الخطاب يصوّرنا كمن يعظ الناس بالخلق القويم و ضرورة التشبت بأحكام الدين ، من على منبر عالي ، وسط خمّارة مرقص ليلي ! إنه الحديث "الصحيح" في المكان "الخطأ" و موجه للأشخاص "الخطأ". 9
و من الطريف جدّا ، المطالبة بالضغط على نواب قبلوا بالشيكات الرئاسية أو نواب آخرين قبلوا بإستلام غيرهم للشيكات ، أي طعنوا في صميم نزاهة السلطة التشريعية ، بتغيير القوانين بما يكفل المزيد من الإستقلالية للسلطة القضائية. فمثل هذه الأمور غائبة تماماً عن اذهان قادة تنميتنا الحديثة و منظريها ، فالتنمية في عرفهم هي بناء الشوارع و تبليط الساحات بنفس أسس النظام الأعرج الذي يخدم الكبار دوناُ عن الشعب و ليس في وارد إهتماماتهم تعديل المسار بما يكفل التطبيق الصحيح لدستور 1962 قبل الإنطلاق نحو بناء الإنسان الكويتي. 9
و من المفارقة أيضاً ، و أنا ممن يقارب بعثراتنا المحلية بالتجربة المصرية من ناحية تفشي الفساد و شيوع البيروقراطية و الديمقراطية الشكلية ، أن مثل هذا النقاش الذي نعيشه اليوم يجري أيضاً في مصر حول قانون مكافحة الفساد حيث كتب الكاتب فهمي هويدي مقالاً قيّماً خلص فيه الى أن "النزاهة لا تُستحضر بقانون" ! 9
يجب علينا التحلي بالشجاعة في مواجهة من يريد أن يزرع الفوضى في كل مكان إن كنّا فعلاً "صادقين" في الغيرة على شرف القضاء و نزاهته. و يجب ألا تستخدم "كلمة الحق التي يراد بها باطل" في إضفاء هالة القدسية و التحصين غير المبرر لمن اوقع السلطة القضائية في مواقع الشبهات و الزلل. 9
الآن فقط .. إنتهى الدرس ! 9