فشل ناصر المحمد : مكافحة الفساد

لا يستطيع منصف الإدعاء بأن ملفات الفساد الضخمة يتحملها رئيس الحكومة ناصر المحمد لوحده فقد ورث تركة ثقيلة من ملفات الفساد تلك بالإضافة الى جهاز حكومي مترهل و لم تسعده الخلافات الواسعة بين أجنحة الحكم المتصارعة و التي أدت صراعاتها الى توفير أرضية خصبة لصعود المتسلقين الذين تطفلوا على البيئة السياسية في الكويت فنمت جذورهم و تسلقت أعوادهم و طالت مخالبهم حتى باتت المهيمنة على العمل التنفيذي و النيابي. 9

لكن ناصر المحمد هو من رفع شعار الإصلاح و مكافحة الفساد لكي يميز نفسه عن باقي أقطاب الحكم الذين تورطوا بصورة واضحة في ملفات الفساد تلك و إكتسب بذلك شعبية و دعم نيابي لشعاراته. دارت الأيام لنكتشف بأن هذا الشعار فارغ في مضمونه بل إن ناصر المحمد تورط بنفسه في ملفات أخرى من الفساد كالعلاج في الخارج و الشيكات النيابية و مصروفات ديوان رئيس الوزراء و مشروع المستودعات الشمالية و متحف السيارات التاريخية و الأثرية. 9

اليوم و بعد أكثر من 45 شهراً من تلقد ناصر المحمد لمسئولياته لم نر مسئولاً واحداً يحاسب على الفساد و لم نر تشريعاً واحداً يسن لمكافحة الفساد بل إن الحكومة قد أعاقت إقرار مشاريع قوانين مهمة كالذمة المالية و هيئة مكافحة الفساد بحجة عدم دستوريتها في حين إن الوضع العام يستلزم التشدد في القوانين على حساب الحريات الشخصية. 9

و الحديث الفارغ عن سرية الحسابات المصرفية هو أمر سخيف قد ينجر خلفه عامة الناس دون الإطلاع على إتفاقية الأمم المتحدة المكافحة الفساد التي وقعتها الكويت في 9 ديسمبر 2003  (لتحميل انص اللإتفاقية باللغة العربية إضغط هنا). هذه الإتفاقية كما ورد في مقال الدكتور عبيد الوسمي سارية المفعول في الكويت حتى و أن لم تقر بقانون (أقرت بقانون من قبل مجلس الأمة حمل رقم 47/2006)  فالقانون الدولي يسري في حالة عدم وجود تشريعات مماثلة في الدولة كما أشار الدكتور الوسمي. 9

الإتفاقية شملت عموم الموظفين العموميين الذين عرفتهم بأنهم "أي شخص يشغل منصباً تشريعياً أوتنفيذياً أو إدارياً سواء كان معيناَ أو منتخباً مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر". كما أوردت في نصوصها أفعال التجريم من رشوة الموظفين العموميين و إختلاس الممتلكات او تبديد الأموال و المتاجرة بالنفوذ و إساءة إستغلال الوظائف و الإثراء غير المشروع و الرشوة و غسيل الأموال أو العائدات غير الشرعية كما أكدت الإتفاقية مسئولية الشخصيات الإعتبارية دون المساس بالحق في مقاضاتها جنائياً بصورة شخصية في تأكيد واضح على عدم تلازم الشق الجنائي عن الشق السياسي في قضايا الفساد التي تشملها الإتفاقية. 9

و أوردت الإتفاقية في نصوصها مواد تكفل حماية الشهود والخبراء (المادة 32) و حماية المبلغين (المادة 33) و تذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية (المادة 40). إذاً الحديث عن السرية المصرفية هو أمر ساقط لكن تقاعس حكومات ناصر المحمد المتعاقبة في التقدم بمشاريع قوانين توضح ماهيّة جرائم الفساد و الهيئة المسئولة عن تعقبها و ضمانات خرق قوانين الحرية الشخصية و السرية المصرفية هي من أثار هذا الجدل القانوني غير المبرر. 9

و للأسف فإن حكومة ناصر المحمد بجيشها العرمرم تخفق في إنجاز جزء من المجهودات الوافرة التي قامت بها جمعية الشفافية الكويتية و هي جمعية نفع عام من نصوص قانونية معتبرة لقوانين هيئة مكافحة الفساد و تعارض المصالح و حق الإطلاع و تعزيز الشفافية في المناقصات الحكومية و الذمة المالية و هيئة الرقابة الإدارية و أملاك الدولة و هيئة أسواق المال. 9

  و للأسف فإن الحكومة تدفع الناس نحو مفهوم خاطئ عبر تحويلها لبعض ملفات الفساد الى ديوان المحاسبة لإصدار تقارير بشأنها رغم إن ديوان المحاسبة هو مجرد ديوان للرقابة المالية و ليس هيئة لمكافحة الفساد و لا تدخل الرقابة الإدارية ضمن إختصاصاته و أفعال الفساد كما وردت في الإتفاقية تشمل إساءة إستغلال النفوذ و المتاجرة بالنفوذ كما حصل في قانون الإستقرار المالي الذي خصص لإنقاذ الشركات المتعثرة عديمة الفائدة بالنسبة للإقتصاد الوطني و المحفظة الوطنية التي تضارب في البورصة خدمةً لمجموعة شركات رئيس مجلس الأمة و كما حصل مؤخراً في قضية الشيكات النيابية و التي دفعت من مال خاص لا رقابة و لا سلطان عليه من قبل ديوان المحاسبة. 9

نعم ،، ناصر المحمد لا يتحمل وزر كافة مظاهر الفساد في الدولة و لكنه فشل في تحقيق أول خطوات مكافحة الفساد ، ذلك الشعار الذي حمله ، و هو التقدم بتشريعات (ناهيك عن إقرارها و من ثم تطبيقها) لمكافحة الفساد عبر هيئة مستقلة (قد تتبع السلطة القضائية) و نصوص قانونية مُحْكمة تتيح المسائلة و التقاضي و إبراء الذمة لا سيما إن تورط رئيس الوزراء بشخصه و وقع في هذه الشبهات. 9

بدلاً من ذلك قام رئيس الحكومة بإعطاء الحجة و المبرر لكل مرتشي في الدولة بأن لا غضاضة في تلقي الأموال و إساءة إستغلال النفوذ و الوظيفة متى ما دفعت من الأموال الخاصة !! ففي الفترة الماضية كنا نعيش في أوهام عميقة ظلمنا بها الكثير من الأبرياء الذين كانوا يقومون بمساعدة الأسر المتعففة كالسادة جمال العمر و عصام الدبوس. لا أدري كيف يتجرأ المسئول التنفيذي الأول بالدولة بالتفوه بمثل هذه التصريحات و كيف له أن يكافح الفساد و يقف في وجه المرتشين و الفاسدين كما يدعي. هل لمثل هذا الرجل أن يتأهل لمنصب رئيس الوزراء ؟؟ 9

أقول لمن نسى التاريخ الوظيفي لناصر المحمد بأنه قد قضى سنيناً طوال في منصب وزير الديوان الأميري و يعلم تماماً أسس الصرف و بروتوكولاتها و من غير المعقول أن ينسب أحدهم هذا التصرفات المعيبة كتحرير شيكات شخصية الى نواب برلمانيين الى البطانة الفاسدة من حوله. إن لم يكن ناصر المحمد  يعلم بخطأ هذا التعامل فمن إذاً يعلم ؟ الشيكات و ببساطة حررت بشكل شخصي فاضح من أجل ترهيب مستلميها في المستقبل فلا يعقل أن يفضح مستلمي الشيكات أنفسهم بل المنطق يقول بأن دافع الشيك هو صاحب الغلبة في هذا الموقف. لكن فاته إستفادة أطراف أخرى منافسة من هذه الفضيحة. 9

و شيكك يا وطــــــــن !! 9