الحلم الجميل : مقال آخر كتبه الزميل تورنيدو منذ فترة طويلة عن المنابزة و التفاخر بالألقاب و الأنساب
علمني والدي أطال الله في عمره أن من يتكلم كثيراً عن الأصل هو قليل أصل ، فكلنا ولله الحمد نفتخر بأصلنا و مآثر قبائلنا وما الى ذلك ولكن حتماً كلنا نعود في النهاية الى وطن واحد نفديه بأرواحنا. 9
لذلك سأكتب هذا الموضوع عل وعسى أن تتفتح بصيرة البعض أو يصلح إعوجاجهم، وبما أن هناك كثيراً من الكتّاب قد ردوا على هذه الشاكلة من المخلوقات الغريبة بالمنطق ولم يفلحوا، فسأنحى بالموضوع نحو ديني بعض الشيء فأقول : 9
من شواهد المفاخرة قوله تعالى < أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون > (السجدة:18). 9
وقوله تعالى < أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة > (فصلت: 40). نزلت في أبى جهل ، وعمار بن ياسر ، والنسب الى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب. 9
وقد قال صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم ولافخر) ، وقد نفى الله تعالى الفخر بالأنساب بقوله تعالى < إن أكرمكم عند الله أتقاكم > فالفخر في الإسلام بالتقوى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن نبيكم واحد، و إن أباكم واحد، وإنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) ألا هل بلغت؟
وقال الأصمعي: بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول : 9
يامن يجيب دعا المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبـــهوا
وأنت يا حي يا قــــــيــــوم لم تنم
أدعــــوك ربي حــــزيناً هائماً قلقاً
فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان جود لا يرجوه ذو ســـــفهٍ
فمن يجود على العاصين بالكرم
ثم بكى بكاء شديداً وأنشد يقول : 9
ألا أيها المقصود في كل حاجتي
شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
أتيت بأعمـــــــــالٍ قبـــــاحٍ رديئـــــــةٍ
وما في الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنــــــــــى
فأين رجائي ثم أين مخافتـــــــــــــي
ثم سقط على الأرض مغشياً عليه ، فدنوت منه ، فإذا به هو زين العابدين بن علي لن الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم أجمعين. فرفعت رأسه إلى حجري وبكيت، فقطرت دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه وقال : من هذا الذي يهجم علينا؟ قلت : أنا عبيدك الأصمعي ، سيدي ماهذا البكاء والجزع ، وأنت من أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة؟ أليس الله تعالى يقول < إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا > (الأحزاب: 33). فقال : هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ، و لو كان عبداً حبشياً ، و خلق النار لمن عصاه و لو كان حراً قرشياً. أليس الله تعالى يقول < فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون > (المؤمنون: 101، 102، 103). 9
و تفاخر العباس بن عبدالمطلب وطلحة بن شيبة وعلي ابن ابي طالب، فقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال طلحة: أنا خادم البيت ومعي مفتاحه، فقال علي: ما أدري ما تقولان أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما بستة أشهر، قال تعالى < أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر > (التوبة:19). 9أعود فأقول : 9
إن كان الإسلام ربانا على أن التقوى والإيمان أهم من النسب فكيف يخرج هؤلاء ليخرجوا البعض من المواطنة من أجل نسبه مع أنه أفضل منهم علماً وأدباً وفائدة للمجتمع. 9
ألم يقل الشاعر : 9
كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنيك محمودهُ عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
وقال سليمان الفارسي : 9
أبي الإسلام لا أب سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
وقال بعض الأعاجم مفتخراً : 9
مالي عقلي وهمتي حسبي
ما أنا مولى وما أنا عربي
إذا انتمى منتمٍ إلى أحدٍ
فإنني منتمٍ إلى أدبي
لذلك أقول : 9
تأدبوا الله يرحم والديكم ..... 9