حدس : ما بين القبلية و الحزب

تنويه : هذا المقال إستكمال للمناقشة التي بدأت في مقال "حدس - قراءة هادئة" 9

يشير البعض الى علاقة التزاوج بين الدين الإسلامي و القبلية. فالدين الإسلامي ظهر في شبه الجزيرة العربية الغارقة في خلافاتها و صراعاتها القبلية فوحد الدين الإسلامي هذه القبائل و أرسى دعائم دولة الإسلام التي إستضافت كافة الأعراق و الأجناس فذوبها جميعاً في حضارة عظيمة ترامت أطرافها بين فرنسا و الصين و أنجبت علماء عصرهم و تطورت العلوم و العمارة و النظم السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية فيها. و في عصر المماليك كثرت الخلافات و إنقسمت الدولة الى دويلات كما حصل في بلاد الأندلس فتفترقت الكلمة و سادت الفوضى حتى خبا نور تلك الحضارة الإسلامية. 9

محلياً و بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران و بعد إندلاع الحرب العراقية الإيرانية و إحتضان السلطة لبذور التيارات الإسلامية في محاولة لتغليبها على القوى الوطنية المشاكسة آنذاك و التي أفضت مشاكساتها الى حل مجلس الأمة و تعليق العمل ببعض مواد الدستور. فإستغلت تلك القوى الإسلامية و منها الإخوان المسلمين الرعاية الحكومية و إنتشرت فيما يعرف يفترة الصحوة الإسلامية. و تاريخياً كان عمل الإخوان المسلمين في الكويت يقتصر على الجاني الدعوي و الإجتماعي و لم تكن هناك أية تنظيمات سياسية. و بدء العمل الفعلي في نهاية السبعينيات حيث إستغل تيار الإخوان المسلمين الفراغ الناشئ عن حل جمعيات النفع العام فحاول السيطرة على بعضها و تمكن من السيطرة على جمعية المعلمين و من الإتحاد الوطني لطلبة الكويت و نجح بالوصول الى مجلس الأمة في ظل التقسيمة الإنتخابية الجديدة. 9

و من ثم إنشأت عشرات اللجان الفرعية في كافة محافظات الدولة و إستغلت حركة التجنيس الواسعة في المناطق القبلية المحافظة لتحصد كثيراً من المناصرين و تتغلغل في الأوساط الإجتماعية و القبلية في تلك المناطق من خلال لجان الزكاة و الجمعيات التعاونية و النقابات لتكسر هيمنة التيار القومي في تلك المناطق. 9

و عندما حان وقت الحملة البرتقالية ، ناصرت حدس تلك الدعوة و كان الأبرز تأثيراً على أبناء القبائل حيث عملت على زيادة وعي أبناء القبائل بتلك القضية و رأينا رجال الدين و المشايخ و هم يتنقلون من منبر لآخر يحذرون إخوانهم من تيار الفساد الذي بدأ يعصف بالبلاد مهدداً كيانها و سيادتها في الوقت الذي تركز فيه خطاب القوى الوطنية في المناطق الداخلية. لذا أستطيع القول بأن تيار الإخوان المسلمين قد إستفاد و فاد أبناء القبائل و كان دوره وطنياً في هذا الجانب. 9

لكن في الإنتخابات الأخيرة و بعد إن إتخذت (شخصياً) موقفاً مضاداً من الحركة الدستورية الإسلامية ، هالني حجم الرفض لحدس في المناطق الخارجية و إصرار أبناء القبائل على طرد حدس التي إنحصر نفوذها في المناطق الإنتخابية الأولى و الثانية و الثالثة. و أعتقد عن في ذلك ظلم و إجحاف لبعض الكفاءات مثل محمد البصيري و جمعان العازمي. و أخذت بالبحث عن أسباب هذا الرفض رغم إن حدس كثيراً ما غازلت القبائل و تخلت عن بعض مبادئها و دعاويها من أجل هذه القوى الإجتماعية المحافظة ، الشئ الذي عبناه عليها في ذلك الوقت. فهي تخلت عن حقوق المرأة السياسية التي تدعمها كافة أدبيات الإخوان المسلمين في الأقطار الإسلامية من اجل هذا الواقع الإجتماعي المتخلف. و ركبت قطار الإنتخابات الفرعية في قرار معيب اثار التساؤلات لدى ناشطيها قبل خصومها في المدى الذي ستسلكه حدس في مجاملة تلك القوى الإجتماعية. 9

و من خلال بحثي عن الأسباب و مناقشتي لبعض الأصدقاء ، وجدت أن هناك تعارضاً بين ما تطرحه حدس من دعاوي لإشهار الأحزاب و إعتماد العمل الحزبي إطاراً للعمل السياسي في الكويت و بين رغبة أبناء القبائل في الحفظ على العصبية القبلية التي ترفض ما سواها من عصبيات. و وجدت أن حدس حاولت أن تسلك خطابين مختلفين ، أحدهما لأبناء الحاضرة و يعتمد العمل الحزبي و يؤكد على البرامج الإنتخابية و قوة التنظيم و الإنتشار الإعلامي و الخطاب الآخر موجه لأبناء القبائل و يرتكز حول الحسابات القبلبة الداخلية و يعتمد الخطاب الخدماتي من خلال عدد المعاملات و نصرة القبيلة و القضايا الشعبية كإسقاط القروض و المواقف من الإستجوابات. هذا الشئ أوجد المصادمة المحتومة بين حدس و أبناء القبائل الذين بدأ وعيهم السياسي في التنامي و هو احد المؤشرات الجيدة في هذه الإنتخابات. 9

مثل هذا الخطاب المزدوج هو ما أوجد نوعاً من عدم الثقة في إطروحات حدس ، سواءً من أبناء القبيلة أو من ابناء الحاضرة ، لذا أعتقد بأن حدس يجب أن تكف عن هذا الخطاب المزدوج (و الذي يسميه البعض بالتلون) و أن تشرع في إنشاء خطاب جديد عقلاني يحترم عقول الجميع فخطاب الأمس لا يجدي في عالم اليوم خصوصاً بعد إنتشار الفضائيات و المواقع الإلكترونية التي تؤرشف جميع الخطابات و الكلمات و تبحث عن المتناقضات فيها. 9

فمثلاً ، نرى اليوم بعضاً من قيادات حدس كمبارك الدويلة يحاول أن يبرر الفشل الأخير بتقسيمة الدوائر الخمس التي كرست هيمنة بعض القبائل على قبائل أخرى. و يرون أن ما حصل من تقهقر لحدس مرده الحسابات القبلية و لا يستند على رفض الشعب الكويتي لحدس. و هو قولٌ خاطئ تماماً لأسباب عديدة. أول هذه الأسباب أن جميع مرشحي حدس في الفرعيات قد خسروا بها. مبارك صنيدح لدى العجمان ، تركي الحميدي لدى العتبان و غيرهم لدى مطير و العوازم. إذاً القبائل كمؤسسات إجتماعية ترفض أن يمثلها حدس و سقوط هذه الأسماء لم يكن بسبب الإلتزام القبلي بمخرجات الفرعية. في حين نرى إن إنعدام الكفاءة لدى الكثير من مرشحي حدس كجمال الكندري و خضير العنزي و دعيج الشمري و محمد دهيم الظفيري هو ما ساهم في سقوطهم شعبياً بالإضافة الى تلون مواقف الحركة و عدم وضوحها و الشبهات التي أحاطت بها. وحده من سقط بسبب الإلتزام القبلي كان السيد محمد محسن البصيري. و أيضاً يتناسى السيد الدويلة إن هذه التقسيمة أضرت كافة التيارات السياسية الفاعلة في الكويت و ليس حدس لوحدها. و لكن المفارقة إن حدس هي الحركة السياسية الوحيدة التي إستمرأت الإستهزاء بالدستور و فضلت التلون مرة أخرى و محاولة التذاكي على عقول أبناء القبائل من خلال تلون خطابها و فضلت المشاركة في الإنتخابات الفرعية ، إذا ما إستثنينا نائب التكتل الشعبي السيد مرزوق فالح الحبيني. 9 9

أيضاً يحاول السيد مبارك الدويلة تشويش الصورة بالإشارة إلى أن أحمد السعدون عراب التكتل الشعبي قد نجح بعد سلسلة من المواقف غير الشعبية في قضايا إستجواب نورية الصبيح و إسقاط القروض بينما خسر زميله محمد الخليفة الشمري بعد مواقفه الشعبية من تلك القضايا رغم إن مسلم البراك قد نجح أيضاً في نفس الدائرة و لكن بسبب إعتماده على القبيلة. لكن السيد مبارك الدويلة أغفل أن مسلم البراك لم يخض الإنتخابات الفرعية و فضل إحترامه لنفسه و لجمهور ناخبينه و لم يعتمد على قوة القبيلة. كما إن كفاءة السيد أحمد السعدون ورصيده الوطني لا يقارن برصيد محمد الخليفة الشمري إطلاقاً و هو ما يشفع له في دائرته. و لكن معيار الكفاءة هو ما أسقط دعيج و ما أنجح جمعان في الدائرة الثانية. و موقف مبارك الدويلة نفسه من إستجواب عادل الصبيح هو ما أسقطه في معقل داره. 9

إن هذه الأصوات الجاهلة للأسف هي ما يؤثر على كيان حدس الحزبي و ما يجعله يخفق في الإلتزام بمبادئه المعلنة. هو نفس الفكر الذي أثر على تقدم حدس لسنين طويلة و حين إختفى هذا الصوت من المشهد النيابي إنطلقت حدس من جديد و بقوة بعدما إعتمدت على أفكار شبابها. لذا نرجو على الإخوة في حدس الإنتباه لمثل هذه النقاط و أن يصدقوا العمل الوطني في زيادة الوعي السياسي لدى أبناء القبائل بدلاً من تعزيز العصبيات القبلية كما يحاول السيد مبارك الدويلة الذي فضل مناصرة شقيقه ناصر بدلاً من مناصرة حزبه !! حدس نجحت في الظفر و بصعوبة بمقعدين ثمينين في الدائرة الثالثة و بشق الأنفس و إلا لكانت الخسارة أشد و أمضى. لذا عليها إتباع إسلوب المصارحة و المكاشفة و الإبتعاد عمن سيعيدها الى الوراء سنوات ضوئية لا تحصى. 9

و من وجهة نظري الشخصية ، حدس هي أحد أفضل الوسائل و الأدوات التي يمكننا إستخدامها لزيادة وعي أبناء القبائل و تعريفهم بقضاياهم. فما زالت التيارات الوطنية بعيدة كل البعد عن المشهد القبلي و غارقة في بحر خلافاتها متناسية إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الجهراء و الفردوس و الأحمدي و أم الهيمان. فكنت أتمنى أن يخرج دعاة حدس و شيوخها من اجل توعية الناس بخطر الإنتخابات الفرعية و العنصريات القبلية و إختلافها مع روح الإسلام السمح الذي يبشر به فكر الإخوان المسلمين الذي إنتشر في مصر و فلسطين و الهند و اليمن و دول المشرق و المغرب العربي. لكن للأسف إتخذت حدس قرارها الخاطئ الذي نتمنى أن ترجع عنه أولاً ثم تبدأ بحركة مراجعة و تحديد موقفها من القبلية (لا القبيلة) و أن تعتمد خطاباً وطنياً يسعى الى تذويب الفوارق بين أبناء الوطن الواحد و ان تقوم بما عجزت باقي الوطنية عن القيام و الذي أرى بان لا أحد غير حدس يمكنه القيام به. فهي تملك آلة إعلامية جبارة و شباباً واعين و تستحوذ على قطاعات مهمة في العمل النقابي و التطوعي و الإجتماعي مما قد يمكنها من تغيير جلد وجهها الذي ترهل بسبب خطايا الماضي و آثام الحاضر. 9