Thursday, 15 July 2010

هات إذنك يا جحا


كتبنا في مقال سابق بأن الأموال المتحصلة عن الفساد الإداري هي أموال قذرة و إخفاء مصادرها الحقيقية قد يقع تحت طائلة قانون غسيل الأموال الكويتي ، و تقرير ديوان المحاسبة في شأن مصروفات ديوان رئيس الوزراء أكد الهدر لأموال الشعب و أسبغ صورة سوء الإدارة في تلك التعاملات التي لم تتبع النظم و اللوائح المرعية حيث لا عقود و لا فواتير و لا تحويلات رسمية تبيّن أسملء هؤلاء المنتفعين الذين لا نعرف أين و كيف أودعوا تلك الأموال في البنوك المحلية التي تلتزم بلوائح البنك المركزي التي تحظر ايداع مبالغ تفوق قيمتها عشرة آلاف دينار (ناهيك عن 23 مليون دينار) دون مستندات رسمية تفيد بمصادر تلك الأموال. 9

و بيّنا في المقال السابق كيف أن حق المسائلة الجنائية و القضائية لم تطال الشخص المعني عن مصروفات الديوان و كيف أن لا أحد في الكويت يستطيع إختصام ناصر المحمد في القضاء سوى ناصر المحمد ، و كيف إنتهك حق الأشخاص في التقاضي و الذي كفله الدستور و أوضحنا تأثير ذلك على سقف المسائلة السياسية. الجميع حر قراراته و منهم ناصر المحمد و لكن عليه تحمل عواقب قراراته ، حيث أودع البلاغ الشكلي و حفظ من قبل النيابة العامة رغم إن مصروفات الديوان إحتوت على مصاريف متحف السيارات القديمة و الأثرية و التي هي هواية شخصية لرئيس الوزراء و من غير العدل أن يسائل مسئولي الديوان الماليين على مصروفات هواية مرؤوسهم. 9

و طرحنا السؤال التالي : هل قبل ناصر المحمد بالمسائلة السياسية في هذه القضية ؟

و للإجابة على هذا التساؤل يجب علينا إستعراض التسلسل التاريخي لوقائع هذه القضية. 9

في ابريل 2008 كشف للرأي العام شبهات تلك القضية من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده المرشح أحمد المليفي و الذي إستعرض فيه الإعتمادات المليونية لديوان مجلس الوزراء على شراء البخور و المسابيح و البشوت في فترة حرجة ألا و هي إنتخابات مجلس الأمة المنعقدة آنذاك و كان لنا شرف الحديث عن هذه التجاوزات حينها و التي أكّدها ديوان المحاسبة فيما بعد. 9

و بعد إنتهاء الإنتخابات و إنعقاد المجلس و تحديداً في العاشر من يونيو 2008 تم تقديم طلب من 31 نائب بإحالة تلك المصاريف الى ديوان المحاسبة للتحقيق في شأنها (من سخرية القدر أن أحد الموقعين على ذلك الطلب هو السيد روضان الروضان). و قد حاولت الحكومة بشتى الوسائل تحييد النواب و الضغط عليهم من أجل سحب تواقيعهم و قد نجحت جرئياً في مسعاها و كتبنا عن هذا الأمر في المدونة منتقدين السيد جمعان الحربش الذي تحول بين ليلة و ضحاها فيما بعد الى أحد أهم المطالبين في المسائلة السياسية على خلفية تلك القضية. فأسقط في يد الحكومة و طلبت تأجيل مناقشة الطلب لمدة إسبوعين لكي تعيد ترتيب أوراقها و تمارس ضغوطها من جديد. 9

فيما بعد سعت الحكومة بكل ما أوتيت من قوة وقدرة إلى إلغاء هذا الاقتراح النيابي ، تارة بمحاولة إقناع النواب بأن هناك دعوى مرفوعة من قبل سمو رئيس مجلس الوزراء بنفس موضوع الاقتراح وتارة بمحاولة حشد المواقف لإحالة الاقتراح للجنة التشريعية. و في محاولة خبيثة تقدمت الحكومة ببيان أشار الى طلب حكومي لتكليف ديوان المحاسبة بالتحقيق في القضية على أن يقدم الديوان تقريره الى الحكومة لا إلى المجلس ! ، ثم رضخت أخيراً تحت وطأة الإعتراضات النيابية و تم ضم التكليف الحكومي الى الطلب النيابي و تم تكليف ديوان المحاسبة بالتحقيق. 9

و إنتهى التحقيق في 20 أكتوبر 2008 الى تقرير سعت الحكومة جاهدة لمنع إنتشاره و نشر في المواقع الإلكترونية (إضغط هنا لتحميل نسختك) أدان فيه إجراءات الديوان المخالفة و هي : لم يتمكن الديوان من تفصيل الهدايا و أسماء المستفيدين و تحديد تناسب قيمها مع السعر السوقي لها بسبب رفض ديوان رئيس مجلس الوزراء نسخ أو نقل أو تصوير البيانات المتعلقة بالهدايا والمشتريات وهو ما يخالف تكليف مجلس الأمة ، تطبيق ديوان رئيس الوزراء لنظام مالي غير معتمد من وزارة المالية بالمخالفة لقواعد تنفيذ الميزانية ، ضعف إجراءات الرقابة الداخلية وعدم إتباع الدورة المستندية عند شراء واستلام وصرف الهدايا، استخدام الإعتمادات المالية المخصصة لبرنامج ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء لتمويل شراء الهدايا في جهات أخرى ، اقتصار شراء هدايا على عدد محدد من الموردين ، شيوع المسئولية و عدم تحديد المهام والاختصاصات للقائمين على شراء الهدايا ، القيام ببعض عمليات الشراء قبل الحصول على موافقة ديوان المحاسبة المسبقة ، عدم تحرير عقود مع موردي الهدايا ، عدم استخدام وسيلة التحويل المباشر بالبنوك لتسديد مستحقات الموردين عند شراء الهدايا ! 9

و قد شكّل رئيس الوزراء فيما بعد لجنة برئاسة أحد الموظفين التابعين له عُرفت بلجنة ثامر أكدت تلك المخالفات. و إنتهت تلك القضية سياسياً الى إستجواب طلب فيه رئيس الوزراء تحويله الى سرّي و منع عموم الشعب من معرفة حقائق تلك القضية. و قامت بالتقدم ببلاغ لم يّعرف محتواه أو مضمونه أو طبيعة البيانات و الوثائق الملحقة و حُفظ هذا البلاغ لاحقاً كما هو حال كافة البلاغات التي تقدمت بها الحكومة في قضايا الفساد. 9

من هذا التسلسل التاريخي نستلخص التالي : 9

قام رئيس الوزراء بمحاولة التهرب و بوسائل شتى من التحقيق و تجنّب المسائلة السياسية
أكد التحقيق وجود مخالفات للنظم و القواعد المتبعة
لم يتعاون ديوان رئيس الوزراء مع جهات التحقيق
لم يتم تحويل القضية إطلاقاً الى أحد محاكم الكويت للنظر فيها حتى يتم إصدار حكم البراءة من عدمها فيها و بالتالي إعتبارها "جريمة" تستوجب مسائلة الأطراف التي تهدف الى طمس مصادر الأموال الناتجة بسببها ! جل ما حدث هو حفظ القضية بواسطة النائب العام. 9

كل هذه "الحقائق" تنتهي الى نتيجة واحدة فقط : أن الحق الطبيعي للأفراد بمقاضاة العابثين في الأموال العامة غير متوفر و أن رئيس الوزراء "تهرّب" من التحقيق و تقدّم بطلب سريّة الإستجواب وسط الحديث المؤكّد عن شيكات من طرفه لنوّاب مجلس الأمة و تقدم ديوانه ببلاغ شكلي جفظ فيما بعد دون أن تتم محاسبة أحد و لو حتّى إدارياً ! لذا فأن الحديث عن حق رئيس الوزراء في مقاضاة من يريد هو حديث قاصر ، فنحن كتبنا سابقاً عن حق رئيس الوزراء و غيره في مقاضاة من إتهمه بالتخابر مع دول أجنبية. و لكن المسائلة مقسمة الى ثلاثة أقسام : إدارية و سياسية و قضائية. فيما يخص تلك القضية ، المسائلة الإدارية منتفية لأن منصب رئيس الوزراء منصب سياسي و لا يخضع لسلطة إدارية أعلى غير أمير البلاد الذي قد يعفيه بمرسوم. و المسائلة القضائية التي لم تتحقق. فطبقاً للنظام الحالي المطبّق ، من يملك الحق في تحويل ناصر المحمد للقضاء هو ناصر المحمد نفسه و لا أحد سواه ! و حتى هذه الإحالة ستكون أما الحديث عن المشروع بقانون في شأن "هيئة مكافحة الفساد" فسنتركه لما بعد (في المقال القادم) لنتعرف على حقيقة "حق التقاضي" المُهْدَر في الكويت و الذي يتغنّى فيه الجميع متى ما مارسه علية القوم و كبارهم و لكن مقصور عليهم دوناً عن عامة الشعب ! 9

هذا العبث غير المسئول من المحتّم أنه سيوّلد  نوعٌ من الإحتقان في الخطاب السياسي ، يجب أن يتحمل تبعاته من تهرب من المسائلة السياسية و القضائية. 9

ببساطة و دون تعقيد ، ناصر المحمد يحاول تحصين نفسه بعيداً عن قواعد العمل السياسي السليم. المنهجية للأسف خاطئة و بعيدة عن روح الدستور و مواده و تستخدم فيها تكتيكات قذرة جداً وصلت الى تهييج فئات من الشعب على أخرى و القذف و السب اليومي على شاشات وسائل الإعلام لشخصيات نحترمها و نجلها إتخذت مواقف مضادة لمعسكر رئيس الوزراء. 9

لذا فإن الوقوف عند جزئية معينة و الدوس على "دقمة الشرف" ما غيرها و النظر من زاوية ضيقة جداً الى مسافة لا تتعدى أرنبة الأنف حتماً ستنتج لنا "الحول الفكري" حين يظن "جحا" أنه أعاد إختراع العجلة و أنه يرى ما لا يراه الآخرون في الوقت الذي يعجز عن رؤية الصورة بكامل أبعادها ، و تلمّس حقيقة ما يجري من تدمير للنظام السياسي في الكويت و إشاعة الفوضى تحت ستار السلطة القضائية التي زُجت في إتون الصراع السياسي الذي تعيشه الكويت. "جحا" لا يبحث فقط عن إذنه ، لكنه يبدو فاقداً للبوصلة تماماً و لا يستطيع إستيعاب الصورة كاملة و لا همّ له سوى أن يظهر بمنظر الشريف العفيف المتوازن مهدراً حق الجميع في بلوغ اقصى درجات المسائلة بسبب خوفه و ذُعره ! 9

قضية خالد الفضالة سياسية حتى النخاع ، فقد أقيمت بناء على حديث (قبل يوم واحد من تقديم الإستجواب في حق رئيس الوزراء على خلفية نفس القضية التي كانت أحد محاور هذا الإستجواب) أمين عام إحدى الحركات السياسية عن قضية أقرها ديوان المحاسبة و قدم بسببها إستجواب سياسي. الخصمان سياسيان ، القضية سياسية ، الأبعاد سياسية ، باب القضاء مغلق في وجه أحد الأطراف و مفتوح على مصراعيه للطرف الآخر ! فعند عن أي حقيقة أو عقل أو إذن يبحث "جحا" ؟؟

السؤال الآن : من المتسبب في هذا التحصين غير المبرر ؟ و لماذا هذا كلّه ؟

الجواب في مقال قادم ،، 9

14 comments:

panadool said...

مقالة مميزة كالعاده

تشكر عليها


السؤال

بعيدا عن مجلس الأمة

هل يحق لأي مواطن كويتي أن يرفع قضية فساد ضد رئيس الحكومة؟؟


أو هل تتوقع أن يقوم مجموعة من المحامين بمقاضات رئيس الحكومة على هذه المصروفات إستنادا لتقرير ديوان
المحاسبة ؟؟



موضوع خالد الفضالة

واضح جدا بأنه ترهيب سياسي

الهدف منه كسبه (خالد الفضالة ) الى جانبة (رئيس الحكومة )ء


وعندي إحساس (إنشالله خاطئ ) بأن الأمور تسير بهذا الإتجاه

كما إن هناك مؤشرات تفيد بذلك




فمنذ 4 سنوات والمعادلات السياسية مازالت تتشكل وتتغير

ومستمره فى التغيير

وللاسوأ


والله يستر من الياي

تحياتى

ebreeq said...

حلم

على فكرة من دخلت التدوين وانا اشوف
الكثير من الشباب يحبون يطلعون متوازنين وبرستيج لو على حساب قناعاتهم

وهني مشكلة لان المدون لازم يكون متصالح مع نفسه

ومايكون عنده تناقضات عشان يكون الكلام مفيد للقارئ


حتى لو اختلف مع الكل ..


هذا على افتراض ان المدون يتكلم ضمن المنطق على الاقل


عموما الله يرد حجا لرشده ويحصل اذنه
ولو يترك اهو وغيره من المدونين
الافلام "دقمة الشرف

فقناعاتك أيها المدون تمثل عقلك لحظةذاك

يعني ايها المدون عقلك قابل للتطوير
فلا تعتقد انك ستكون ثابت الفكرة



أسف على الاطاله
صارت خطبة الجمعه إلا شخطه

:)

مودتي للكل

Anonymous said...

ما الذي يمنع مجلس الأمة من تعديل قانون ديوان المحاسبة بحيث يسمح للديوان تحويل
تلك التجاوزات والمخالفات المالية والأدارية الى النيابة العامة مباشرة ؟

ديوان المحاسبة هو الذراع الرقابي لمجلس الأمة ولكنه في وضعه الحالي هو ذراع أكتع وتقاريره مجرد تحلطم لا يودي ولا يجيب
وتكتفي الجهات الحكومية بردودها على تلك المخالفات المتكررة و الواردة بتقارير الديوان بعبارة سيتم مراعاة عدم تكرار ذلك مستقبلا !!!

هناك تعريف ظريف للمراقب القانوني

هو كلب حراسه قوي ذو أنياب حادة ولكنه للأسف ...... لا يعض !!!

وهذي الكويت وفيها اللي نبي

حلم جميل بوطن أفضل said...

بندول

العفو

حالياً لا يمكن و أنظر لمقالة محمد عبدالقادر الجاسم الأخيرة

لكن تابع البوست القادم لو سمحت لكي تعرف ما هو الحل

حلم جميل بوطن أفضل said...

إبريق

كل واحد حر في رأيه

و عليه قبول النقد و الآراء المضادة

وعي الناس مغيب للأسف بسبب الأوهام التي تبثها كتابات مثقفي السلطة من الكلاسيكيين و غيرهم

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 1

الذي يمنع هو إعتراض الحكومة و أغلبيتها من النواب الإنبطاحيين كعلي كوكو و أبلة سلوى و شنبو و معصومة خانم

أنا لست مع الرأي الذي يقول بتكليف ديوان المحاسبة بمهام التحقيق في قضايا الفساد

ديوان المحاسبة جهة تقوم بالرقابة الدورية سواء كانت سابقة أو لاحقة على ميزانيات الوزارات و الهيئات التابعة و المستقلة

أنا مع إنشاء هيئة مستقلة تعني بالفساد المالي و الإداري

و الفساد الإداري هو سبب الفساد المالي و هو ما هو بعيد عن إختصاصات ديوان المحاسبة

تابع البوست القادم

bo bader said...

مميز كعادتك !

تكتب دائماً حسب قناعتك وبحرية تامة ولا تجامل على حساب الوطن .

سر فلا كبا بك الفرس !

فريج سعود said...

انا بجرب اقاضي سموه بمحكمة الكاس الرياضية

عين بغزي said...

مصروفات الديوان كفيله بإزاحه رئيس الوزراء في بريطانيا
من قبل نواب البرلمان هناك

وهنا ماذا يحدث لا أعلم ...

دهنا في مكبتنا
شعار جميل ولكن..

حلم جميل بوطن أفضل said...

الرمز بو بدر

يا فرس فيهم ؟

حلم جميل بوطن أفضل said...

فريج سعود

عليك الإستعانة بصديق

أقترح الحميدي السبيعي

حلم جميل بوطن أفضل said...

عين بغزي

و الشيكات كفيلة بتدمير أي نظام ديمقراطي في أي دولة محترمة

Anonymous said...

نقلا عن مقع حديث المدينه في 17.7.2010

*جهات حكومية تحسنت في آلية عملها فساهمت في تخفيض الملاحظات

التقرير الجديد لديوان المحاسبة بدأ الإعداد لإصداره تمهيدا لإحالته إلى الجهات المختصة في السلطتين التشريعية والتنفيذية " في سبتمبر المقبل " , في وقت ذكرت مصادر مسؤولة ل " حديث المدينة " أن " الديوان سيطلب تفويضه بإحالة المخالفين إلى النيابة مباشرة إذا رأى ضرورة في ذلك , بدلا من ترك الموضوع للحكومة" .

وبينت المصادر أن " هذا الطلب ليس جديدا , وهو مطروح سابقا , لكن الجديد هو أن الديوان سيطلبه هذه المرة , بعدما وجد مخالفات سابقة لم يطرأ عليها أي علاج حقيقي , بما فيها مخالفات سابقة أوصى بالتحقيق فيها قضائيا ".

وأشارت المصادر إلى أن " التقرير الجديد يرى في المقابل أن جهات حكومية بدأت تحسن من آلية عملها في تلافي الأخطاء السابقة وعدم تكرارها , وهو ماساهم مساهمة كبيرة في تخفيض الملاحظات التي يسجلها ديوان المحاسبة مقارنة في الاعوام الماضية " , مضيفة أن " الديوان يعتقد أن تفويضه بإحالة المخالفات المستحقة على النيابة يمكن أن يكون عملا شفافا نحو القضاء على التجاوزات , لاسيما أن لدى الحكومة مشاغل أخرى وتوازنات سياسية ربما تعرقلها عن أداء ذلك , ووجود الديوان يرفع عنها الحرج " .

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 2

و هل هناك من يصدق كلمة مما يكتب في موقع زبالة المدينة ؟

آخرتها سالفة العزاوي

:)