إبتدع الكلاسيكيون مصطلحاً جديداً ألا و هو مصطلح "المعارضة الجديدة" على كل من يعارض سياسات و ممارسات حكومة ناصر المحمد. و لو كان المصطلح يراد به نقد تلك المعارضة ، لما كان لدي أدنى إعتراض على ذاك النقد. فمن يُنتقد وَجَب عليه قبول النقد خصوصاً إن كان نقداً سليماً يطال "بعض" أطياف تلك المعارضة. لكن المراد من ذلك المصطلح هو تعميم "الصفات القبيحة" على كافة أطياف المعارضة و تشكيلاتها. و التعميم هو دائماً سلاح "الغبي" ! 9
قبل أن نخوض في مصطلح "المعارضة الجديدة" يجب أن نتمعن جيداً في ما هيّة "المعارضة التقليدية" و لنأخذ الحركة الدستورية التي تشكلت بعد حل مجلس الأمة سنة 1985 كنموذجاً. هل كان جاسم العون يتفق في رؤاه و أفكاره و مشاريعه مع ناصر صرخوه ؟ هل كان مبارك الدويلة زميل أحمد الربعي في إستجواب وزير العدل الشيخ سلمان الدعيج يماثله في المنهج و متفقاً معه في شكل الدولة ؟ هل كان عباس مناور وجهاً آخراً لحمد الجوعان ؟ هل كان "البطل" عبدلله فهد النفيسي بعثياً كالبطل "فيصل الصانع" ؟
المعارضة التقليدية كانت خليطاً من أطياق المجتمع الكويتي بكامل تنوّعاته .. لم تمنعهم إختلافاتهم في التوحد في موقف واحد ضد سلطة جائرة إنتهكت الدستور ! 9
لنذهب الى تشكيل آخر من تشكيلات المعارضة و هو "المعارضة الوطنية التقليدية" في ستينيات القرن الماضي. هذه المعارضة لم تكون موحدة الأفكار و الإيديلوجيات. فمنها العروبية القومية التي تحولّت الى ما يعرف بالمنبر الديمقراطي و من رموزه أحمد الخطيب و عبدالله النيباري و سامي المنيّس و أحمد النفيسي. و هناك الماركسيون مؤسسي الحركة الثورية الشعبية (فرع الكويت) ك "خريج هارفارد المستقبلي" الدكتور أحمد الربعي و "خريج الثانوية العامة – نظام منازل" عبداللطيف الدعيج و هؤلاء ايضاً لم يكونوا على درجة واحدة من الثقافة و الوعي و المؤهل الدراسي. و هناك أيضاً أصحاب التجمع الوطني و منهم جاسم القطامي الذي إنشق عن حركة القوميون العرب لتوجهاتها اليسارية و كوّن هذا التجمع اليميني مع رموز الطبقة التجارية ! 9
و هل "حركة نبيها خمس" كانت مقتصرة على فئة دون أخرى ؟ و ماذا كانت أسباب "نجاحها" ؟ هل علمتم أن نيل المطالب لن يتحقق إلا بالتوحد خلف المبدأ و القضية العادلة بعيداً عن الخلافات التي حاولت زرعها في نفوسنا و أشاع مثقفو السلطة و مرتزقة القلم أوهامها في عقولنا ؟
إذاً معارضتنا "الوطنية" في الكويت لم تقتصر يوماً ما على طائفة معينة أو فئة بذاتها و لم تكن نسيجاً واحداً من الأفكار و المنهج و الإيدلوجيات ! 9
لكن هل نحن في الكويت مختلفون عن باقي الشعوب ؟
هل معارضة السبعينيات الإيرانية كانت جميعها مكوّنة من نسيج واحد ؟ ام كانت مكونة من الإسلاميين التقليدين كأتباع الإمام الخميني و الإسلامين اليسارين كمجاهدي خلق و حزب تودة الشيوعي و أنصار حركة مصدّق الوطنية من الليبراليين كمهدي بازركان ؟
هل المعارضة في إيران اليوم مكونة من نسيج واحد ؟ أم إنها تحوي أتباع الإمام كخاتمي و كرّوبي و رفسنجاني بالإضافة الى الليبراليين و حركات أنصار المرأة ؟
هل المعارضة المصرية و أنصار حركة التغيير الرافضة لعملية التوريث مكونة من نسيج واحد ؟ ألا تتكون من الليبراليين و العلمانيين و اليساريين و الناصريين ؟ ألم تسمعوا عن اللقاء التاريخي بين حركة الإخوان المسلمين و "رفعت السعيد" رئيس حزب التجمع الذي لطالما وصم مناوئيه بحركة "الإخوان المشركين" ؟
هل عناصر الموالاة و المعارضة في لبنان مكونة من طيف إجتماعي و فكري واحد ؟ أم إن كلا الفريقين يحتويان على عناصر مارونية و سنية و شيعية و درزية ؟
هل المعارضة العراقية لحكومة نوري المالكي تقتصر على العلمانيين من البعثيين السابقين بقيادة إيّاد علاوي و صالح المطلك ؟ أم إنها تشمل المتطرفون الشيعة كمقتدى الصدر و المتطرفون السنة كحارث الضاري ؟
الدفع بعيب الإنخراط في معارضة تتكون من أطياف الشعب الكويتي هو دفع غبي لا يصدر إلا عن الأغبياء الذين يدفعون دفعاً لتبرير تخاذلهم و إنقلابهم على مثلهم و قيمهم و يحالون إذكاء كافة أسباب الخلاف و العنصريات المقيتة برغم ليبراليتهم و علمانيتهم "النص كم". 9
هذا درس سياسي بسيط لكن من صدّق هذا الوهم و إقتنع أن كل من رفع راية الرفض في وجه حكومة ناصر المحمد هو متفق في الرؤى و الأفكار مع النوّاب القبليين من مخرجات الفرعيات و أنصار الدولة الريعية. بل إن حركة الرفض شملت المنبر الديمقراطي و التحالف الوطني و السلف و الإخوان المسلمين. شملت الكويتيين : شيعتهم و سنتهم ، بدوهم و حضرهم ، خاصتها و عامتها. 9
و خلف هؤلاء .. وقف رموز الحركة الوطنية الذين عاب الكلاسيكي عليهم موقفهم المبدئي ثم إنقلب على نفسه ليتحدث بلسانهم. هل علمتم ما هو موقف أحمد الخطيب و عبدلله النيباري و عبدلله النفيسي و محمد الصقر و أحمد الشريعان و وليد الجري و أحمد السعدون ؟ هل تناسيتم حديث "البطل" حمد الجوعان الذي صفق الجميع لإطلالته بعد غياب .. و طالب الشباب بالبدء بالتحرك بدلاً من مطالبة من أعيته السنون و الجراح بقيادة موجة الرفض ؟
هذا الموقف منّا يأتي رداً على حكومة بلا رؤية ، تنتهك الدستور و القانون و تشيع الدولة العشائرية و تفكك الدولة المدنية. فلا قيادة لمن يمارس العبث السياسي عبر الشيكات الرئاسية التي أكّدت ما كان ينفيه مثقفي السلطة عن وجود المال السياسي. و لا قيادة لمن يعبث بكشوف التجنيس ثم يلوّح بورقة الإزدواجية. و لا قيادة لمن يعبث بأموال الديوان في بخور و مسابيح ثم يدّعي مكافحة الفساد. و لا قيادة لمن يتقاعس عن تطبيق قوانين الرياضة ثم يتغنّى و يتشدق بسيادة القانون. 9
هذا الموقف لا يقتصر على فئة دون أخرى فلا أحد يحتكر تعريف الوطنية كما يفعلون هم. بل أيادينا و قلوبنا مفتوحة للجميع "بلا إستثناء" و دون تصنيفات غبية و بعيداً عن "كلمة باطل يراد بها باطل". أمّا من إختار طريق "الإنبطاح" فهنيئاً له الموقف و هنيئاً له الموقف و عليه "التناقض" بألف عافية. 9
إنهم ليسوا "معارضة تقليدية" بل هم "موالاة" تامة و بلا مطالب مجتمعية و لا أدنى شروط. الكلاسيكي هو من كتب "سجّلوني موالي". الكلاسيكيون و من لفّ حولهم هم من والى السلطة التي هرعت الى صالة الأفراح لتمنع حفلاً بريئاً. هم من والى السلطة التي تنادت الى نادي الجهراء لتفض إحتفالاً بريئاً لأحدى الجاليات. هم من والى السلطة التي أبعدت المقيمين الأبرياء بلا حجة قانونية و إستندت على قانون ساقط كما حكمت المحكمة الدستورية. هم من والى السلطة التي تحاول تكميم الأفواه عبر التعديلات المقترحة على قوانين الإعلام المقروء و المسموع. هم من والى السلطة التي لا تحارب المفسدين بل تحارب الشيشة. هم من يوالي السلطة التي ترفض و تتقاعس عن إقرار قوانين الذمة المالية و الشفافية و منع الإحتكار و هيئة مكافحة الفساد و حماية المبلغين. هم من يوالي تلك السلطة التي تنتهك حقوق المقيمين و تستبيح كامل موارد الوطن السليب من إرادته الشعبية الحرّة. 9
أما ذلك السفيه و مثقف السلطة الذي حمل "الأحذية" على نواب الحزب الحاكم في مصر .. فأين "ورقة التوت" التي تحاول أن تغطي بها شذوذك الفكري ، لا حذائك الذي لا يختلف عفنه عن حقيقتك ، عن "نواب الحزب الحاكم في الكويت" ؟ هؤلاء النواب الذين قبلوا بالتعامل المالي مع رئيس الحكومة و غيّبوا تلك القضية عن الشعب الكويتي و تخاذلوا عن محاسبة من أهدر الملايين من أموال أطفالي و أطفالكم على المال السياسي الرخيص الذي نعلم بأنه طالك بشكل أو آخر ! 9
و عن العقل يتحدثون ؟!! 9
أي عقل هذا سمح لك بأن تطالب "المعارضة" بتقديم منهجية واضحة و حجب هذه المطالبة عن فريقك الحكومي ؟ أي منهجية ترتجيها من شباب أنتهكت كراماتهم و شهّر بهم في وسائل الإعلام بعد إن أستقدمت جموع المرتزقة الأجانب لتأييد حكومتك التي تجاهر بموالاتك لها ؟ أين كنت يا هذا و أين كان حذائك ؟ هل كان في فمك الذي صمت حينها للجم لسانك الذي لم يتورع عن "لحس" رصيف شارع الخليج العربي من بوابة بيت الشعب مجلس الأمة إنتهاءً الى قصر الشويخ العامر ؟
توحد هؤلاء الشباب بمختلف أطيافهم أقض مضاجع أسيادكم .. و مضجعكم أنتم بالذات .. عندما أنطلقتم بالأوهام و الأكاذيب التي إنكشف للجميع زيفها و خوائها. فكيف لكم بأن تطالبوهم بالتوحد على منهج و رؤية حين فزعتم من توحدهم في قضية مبدئية لا تستحمل سوى اللونين الأبيض و الأسود ؟
تعساً لتلك الضمائر الميتة .. تعساً لتلك الأدمغة الفارغة .. تعساً لتلك الشوارب الساقطة ! 9
عن المعارضة الجديدة يتكلمون .. عن هايف و المسلم و الحربش و الوعلان يغمزون .. أفلا نظرتم من حولكم ؟ ألا ترون خلف دميثير يصفق لكم ؟ ألا ترون نبيل الفضل يلهج قلمه بشكركم ؟ ألا ترون خنفور و زنيفر من أمامكم و خلفكم ؟ و من كان بيته من زجاج فلا يرمى "الأحرار" بحجر ! 9
الأحرار يحكمون عقلهم تحقيقاً للمبدأ الذي يؤمنون به دون النظر لمن يحيط بهم او يقف على الصف المقابل. الأحرار لا يهزهم لا بخور و لا شيكات .. و حتماً لن نتأثر بمصالح الأحباب و الأقارب كما فعلتم ! 9
هنيئاً لنا معارضتنا .. و هنيئاً لكم موالاتكم .. فقط "سدّوا بوزكم" تأسياً بالمأثورات الخالدة لولاة أمركم ! 9