حفل زار

حفل زار ،، هو أفضل وصف يمكن ان يطلق على ما جرى خلال الإسبوعين الماضين في أعقاب مصرع عماد مغنية. مغنية هو قيادي لبناني في حزب الله المدعوم ايرانياً قتل في سوريا و يقال بأن إسرائيل هي من قتلته. لا ندري كيف إمتدت آثار هذه الأحداث من محيط هذه الدول الأربع المتصارعة لتشرخ جدار الوحدة الوطنية الهش أساساً. 9

اليوم بتنا نرى حفل الزار هذا من حولنا ، يشارك فيه الجميع بلا وعي و يرقصون بجنونية و وحشية ، على أقراع و طبول و طيران راقصات الوثن التي نرى عاهراتها المتهتكات تسخن هذه الطيران بنار حقدها على أي شئ يمكن أن يوحد الكويتيون و يلفت إنتابههم الى قضاياهم الحقيقية. هذا الأمر سبق و أن حذرنا منه في بوست سابق ، لكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي. 9

و هكذا تتوالى المصائب السخيفة على هذا البلد. فقبل فترة إنقسمت البلد الى فريقين : الحضر و البدو ،، و بتنا نسمع تلك النبحة العنصرية البغيضة التي حذرنا منها ، و أعرضنا عن التعليق على أحداث إستجواب وزيرة التربية ، لا خوفاً و لا وجلاً من شئ ، و لا إننا لا يوجد لدينا موقف من هذا الإستجواب ، لكن آثرنا أن نلتزم الصمت بعد أن ذهلنا و صعقنا للكتابات العنصرية التي لم نكن نتوقع أن تكون موجودة في صدور الناس بهذا القدر. 9

بعدها ، أتى قطار الإختلاط ، ليقسم هذا الشعب في عربتين : الأخلاقيون و اللا أخلاقيون ، الإختلاطيون و اللا إختلاطيون ، التقدميون و الرجعيون ، الإسلاميون و اللا إسلاميون ، و نشر بيان جمعية الإصلاح الشهير ، الذي تجاهلنا أيضاً مناقشة محتواه ، لأن البذاءة ترد بأحدى طريقتين : إما التجاهل أو الصمت أو التمادي في البذاءة. و كان خيارنا الطريقة الأولى أيضاً. 9

و لم نكد ننعم ببعض الهدوء ، حتى حلت عاصفة جديدة على هذا البلد ، تزامنت مع عاصفة رملية قاتمة ، مصحوبة بأمراض و فيروسات أزكمت الجميع ، إلا إنها لم تكن في نتانة لهجة الحوار المستخدمة لمناقشة قضية تأبين عماد مغنية. 9

المتتبع لمجريات الأحداث ، سيرى أخطاء شنيعة و فادحة من جميع الأطراف بلا إستثناء. الحكومة العتيدة صمتت لمدة عشرين سنة. لم توجه إتهاماً و لم تلاحق شخصاً تعتقد بأنه دبر العملية رغم إن لا أحد يعتقد ذلك غير الحكومة. أتت الفرصة على طبق من ذهب لكي تغلق ذلك الملف. دفن عماد مغنية و دفن سر الجابرية معه. و لا أحد يدري إن كان هو الفاعل ، أم هو حي يرزق و يتمتع بحق الحياة الذي حرم إثنان من شباب الكويت منه. كيف هرب الخاطفون ؟ و ماذا كان المقابل؟ و من سمح لعرفات بالتفاوض؟ و أين سيادة الدولة ؟ أسئلة كثيرة ، لكن لا إجابات و لا لجان تحقيق و لا تحميل للمسئولية و لا توصيات كفيلة بأن تمنع مثل هذه الحوادث مستقبلاً ، لكن كل شئ على البركة. لكن ميخالف لنغلق هذا الملف بآلامه و لنتناسى أخطاء الماضي و عفا الله عما سلف ! 9

فجأة تصحو الحكومة ، و تتهم شخص لم تكن تجرأ على إتهامه قبل يوم من وفاته. و يصرخ الجميع ، و هذا حقهم ، و يغيب العقل ، و يضيع صوته في زحام الصراخ الذي سمعناه و قرأناه. شخصياً حاولت أن أبحث : في موقع البي بي سي و الأف بي آي و الويكيبيديا الإنجليزية (النسخة العربية ذكرت الحادثة و طلبت مصدراً للمعلومة!!) و لا حتى نسخة النيوزويك العربية التي تنشرها جريدة العفن !!! و لم اجد مجرد إشارة على تورط مغنية لا في حادثة إغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد و لا إختطاف طائرة الجابرية و لا حادثة تفجير الخبر. لا أبرأ مغنية فمن يدري ، الرجل متورط حتى النخاع في كثير من العمليات التفجيرية و حوادث القتل. و لكن هل نسمح بان يهدر دم الشهيدين و نحمل الجهة الخاطئة و نغلق الملف؟ الأهم من هذا كله ،، و هل هذا كله يهمنا الآن ، نمنا عشرين سنة و صحينا صباح يوم بحثاً عن الحئيئة (كما يقول اللبنانيون) !! لكن أيضاً ميخالف ، ربما من الحكمة ان نغلق هذا الملف. لكن هيهات أن نسمتع لصوت العقل و المنطق !! تأبى المروءة و غباء الكويتيون : بل يجب أن يستمر هذا الجنون ! 9

يأتي قلب التكتل الشعبي النابض كما وصفه السيد المحترم مسلم البراك قبل 4 سنوات مضت السيد عدنان عبدالصمد و من وراءه تياره المتعاطف مع الثورة الإيرانية و كل ما تمثله من قيم ضد مكافحة الشيطان الأكبر و ربيبتها إسرائيل و يقحمنا في صراع القوى الأقليمي الذي لا ناقة لنا فيه و لا جمل. السيد عدنان لم تكن قراراته خاطئة و لا حساباته معيبة. لأن القرار لم يكن قراره أبداً و لم تكن هناك حسابات أصلاً حتى تعاب. لا يمكن أن يفوت السيد عدنان و هو السياسي المتمرس ردة الفعل هذه. و لكن الحسابات السياسية لأطراف خارجية كانت هي الأقوى تأثيراً و قرار إقامة مجلس التأبين فرض من الخارج كإشارة على وجود تيار يساند حركات المقاومة في المنطقة. و هو نفس ما يفعله حزب الإخوان المسلمين في صراع إسرائيل و السلطة الفلسطينية مع حماس في غزة. نفس ما نقرأه من وليد الطبطبائي حول الشيخ بن لادن. نفس ما يكتبه اليمين المتطرف لدينا حول ضرورة مساندة سياسات الإدارة الأمريكية مهما كانت مضرة بالمصالح العليا للبلاد. 9

الشيعة تقول بمظلومية الإمام الحسين. و هناك من يبرئ يزيد من دمه و يدعو الى صوم عاشوراء. و وقف المجالس الحسينية. و تستفز مشاعر الشيعة بمنشورات غير مذيلة بتواقيع توزع مجاناً مع الصحف اليومية المسمومة. هذا الأمر يسميه السيد عدنان بالإستفزاز. إن إختلف الناس في مقتل أحد رجالات الدين و الحكم لديهم قبل 1400 سنة ، ألا تعتقد يا سيدنا الفاضل أن الناس ستختلف في مقتل مغنية. ضع نفسك في موقع رجل الشارع العادي البسيط الجاهل بالأمور الذي ما كان عليك إستفزازه ، بل وجب عليك إحترام مشاعره و ان تحاول أن توضح له الحقيقة (كما تراها) بإسلوب حبي بعيداً عن التهم التي اطلقتها على الجميع في كلمته. ما هي الفوائد التي كانت ستجنيها الكويت من مجلس التأبين؟ غير التضامن مع المقاومة و حزب الله و التيارات الموالية لإيران !! هل هذا أمر يستوجب الثمن الذي دفعه الوطن! 9

السيد عدنان صمت عن إتهامات باطلة طالته سنة 1989 في السعودية. صمت عنها 18 سنة. هل يضيره أن يصمت الآن؟ ألا نستطيع التضحية من أجل وحدة الوطن؟! نعلم أن حشر في هذا الموقف بسبب إرتباطاته الخارجية. و لكن ما ذنب هذه الأرض؟ ألا تستحق القليل من التضحيات؟ طز في ايران و مصالح ايران و طز في حزب الله و مقاومته. ما يهمنا في المقام الأول و الأخير هو مصلحة هذا الوطن. هل كانت هناك حسابات في الأساس حتى نعيبها؟ خطأ عدنان عبدالصمد كبير و لا يغتفر و الأفضل له أن يستقيل. لطالمنا حذرنا من الإرتباطات الخارجية و للأسف السقطة هذه كبيرة و لا يتحملها إعتذار متأخر و على عقلاء الشيعة أن يتحملوا كل النقد و الإتهامات و القسوة اللفظية إن كان فعلاً صادقين في حبهم للكويت ، فلا مجال للمزايدات في هذا الموضوع. 9

لكن حمى الطبول إرتفعت ، لتهيج المشاعر و يشترك عموم الناس في حفلة الزار هذه. للمرة الأولى أبرأ الحكومة مما يجري. الحكومة مخطئة بترردها و ضعفها و لا مبالاتها و فقدانها للرؤية و القراءة الصحيحة و السليمة للأمور ، لا أستطيع إنكار ذلك. من يبحث عن شخص رشيد حكيم في الحكم ، فهو يضيع وقته. فمنذ متى و نحن لدينا مثل هذا الشخص؟

لكن اللوم هنا يقع على من يفتح بيته ملء مصراعيه للصوص ، يعبثون به كما يشائون و يستبيحون حرماته ، بل و يشاركهم العبث أيضاً في غباء شديد. ثم يلطم و ينوح على الوحدة الوطنية. أعجب من اخ يخوّن شقيقه و يستل خنجره عليه طاعناً إياه في ولاءه الوطني ثم يحنو عليه إذا ما أصابه الوهن و الضعف قائلاً بأنه يعتز بأخوته. قد علمتنا الدنيا أن من يتشح برداء الدين ، ثم يكفر الناس و يخرجهم من ملتهم محاولاً إحتكار هذا الشئ لنفسه ، فليس هو من الدين بشئ. علمتنا الدنيا أيضاً حين يدعي أحدهم الليبرالية و يعتنق مذاهب الحرية ثم يبدأ بتصنيف الناس بحسب ما يشتهي و يهوى الى تقدميين و رجعيين و متنورين و ظلاميين ، فهو لا يفقه من الليبرالية شيئاً بل يتخذها ستاراً لشهواته و ملذاته. و هكذا أيضاً نعلم بأن من يدعي الوطنية ، ثم يبدأ بتخوين اخوانه و اصدقائه و يوزع صكوك الوطنية بحسب ما يرى و يعتقد ، فهو فاقد لأبسط شروط الوطنية و المواطنة. 9

المؤسف أن تقاد الناس كما الرعاع تماماً خلف اللصوص و لا تفقه خطورة ما تقول و ما تكتب. المؤسف أيضاً أن نرى العاهرة تتحدث عن الشرف. و اللص يعطي دروساً في الأمانة و الشرف. ما نراه الآن ،، مأساة وطن على يدي شعبه،، فاقد الهوية ،، فاقد الرؤية ،، فاقد لكل مقومات الدولة الحديثة. مؤسف أن نرى هذا صراع الأخوة الاعداء هذا ، و دعوات النفي و التخوين لمجرد خلاف أيديولوجي و سياسي أو حتى ديني. كنت دائم الإنتقاد لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت. لكن في كتاباتي كلها ، لم أتجرأ و أغمز لقضايا مثل بيان تونس و موقف الإتحاد العالمي للإخوان المسلمين و مشاركة أشخاص كويتيون في التواقيع. فهذا خط احمر لا يمكن تجاوزه. و لا يمكن لنا أن نخون بعضنا بعضاً. إدعاء الوطنية هو فضيلة الفاسد أخلاقياً. 9

القضية الحقيقية هي الإنتماءات لأحزاب و تنظيمات خارجية كالقاعدة ، الوهابية ، الإخوان المسلمون ، القوميون العرب ، الولي الفقيه ألخ ،،هذا هو لب المشكلة ، لا مغنية و الجابرية و الولاءات الوطنية !!! الآن ، هل يجوز لنا أن نجرم و نحرم الإنتماء الى تنظيمات خارجية؟ ما هي حدود هذا المنع إن وجد؟ هل يجوز لنا أخلاقياً ذلك؟ هل يتفق ذلك مع مبادئ الحرية؟ أنا لا ألمح لشئ بأسئلتي هذه. لكنني فعلاً لا أمتلك الإجابة عنها. شخصياً ، كنت دائماً ما أحذر من الإنتماء الى جماعات سياسية خارجية و شخصياً أنا ضد فكرة تقنين الأحزاب في الكويت بسبب خوفي هذا. هذا ما يجب ان نناقشه بقلوب مفتوحة و السن نظيفة بعيدة عن الجو المجرثم الذي نعيشه بسبب بذاءاتنا و إساءاتنا الى بعضنا البعض. 9

الآن النار مستعرة. و من يهيج هذه النار ، ليس الحكومة كما كنا نقول. و لا الصحافة. بل هم أنتم يا عموم الناس. و هو جنونكم ما أراه و لا شئ غيره. و هو ما حذر منه النائب مرزوق الغانم في مداخلته الرائعة خلال جلسة طرح الثقة في وزيرة التربية السيدة نورية الصبيح ، حين حذر من محاولات ضرب الوحدة الوطنية من قبل جماعة الوثن و الإسطبل ، لكن للأسف ذاكرتنا ضعيفة جداً. 9

و للأسف ، يبدو ان الجميع مستمتع بحفلة الزار و عندما يكون صوت الغباء الطائفي هو سيد الموقف فنحن لدينا أيضاً موقف و لكن لا أحتاج للتعبير عنه لكي أبرئ نفسي طلباً لصك الوطنية من أناس لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم. حفل الزار هو ما يجعل الفرد ينزوي على نفسه أكثر فأكثر. يصاب بالأحباط و يفقد الإحساس بكل قيمة جميلة. يعود الى وطنه الآخر ، عائلته ، اصدقائه ، احبائه دائرته الضيقة ، يستمد الدفء منهم و يلوذ بالصمت ، لأن الكلمات ستضيع في زحمة الصراخ. نحن قلة يا اعزائي ،، لا فائدة ترجي من الكلام ،، فأحياناً ،، الصمت أبلغ من الكلام و التأمل خير من فوضى التعبير. 9

أنا أعلم بأنني لست وحيداً في موقفي هذا ، فإلى تلك القلة الصامتة أو من إكتشف خطئه فيما بعد ، أقول ،، 9

9

لن أشترك في حفلة الزار هذه ،، سأشارككم الصمت و لن أشاركهم جنونهم الطائفي! فأنا فخورٌ جداً بموقفي و مبدأي و أتبرأ من لوثة الجنون التي أصابت الجميع. اللهم فأشهد. 9

9