Friday 13 March 2009

واحة الغروب لبهاء طاهر

حرصت على شراء رواية "واحة الغروب" للروائي المصري بهاء طاهر بعد لاحظت أن النسخة المعروضة هي الطبعة الرابعة للرواية و بعد أن علمت عن مقدار الإهتمام الذي أحدثته و النجاح الجماهيري و الإستحسان النقدي الكبير حيث فازت بالنسخة العربية الأولى من جائزة بوكر البريطانية الشهيرة من بين ست روايات وصلت الى المرحلة النهائية و هي : "مديح الكراهية" للسوري خالد خليفة، و"مطر حزيران" للبناني جبور الدويهي، و"واحة الغروب" للمصري بهاء طاهر، و"تغريدة البجعة" للمصري مكاوي سعيد، و"ارض اليمبوس" للاردني الياس فركوح، و"انتعل الغبار وأمشي" للبنانية مي منسى التي أختيرت من أصل 131 رواية كتبها روائيون من ثمانية عشر جنسية مختلفة. 9
و يبدو إهتمام النقاد و الجمهور بالرواية مستحقاً لثلاثة أسباب رئيسية ،، 9
المكان : فهي تجري في واحة سيوة، ذلك المكان الذي نادراً ما يطل في الأدب العربي في مصر حيث يطرح الكاتب هموم الوطن ممزوجة بتجربة العلاقة بين الشرق والغرب على المستويين الإنسانى والحضارى. 9
الزمان : تدور أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر، وعلى وجه التحديد بعد هزيمة عرابي واحتلال الانجليز لمصر. 9
القالب : فهي مكتوبة في صورة سلاسل من الصور الناطقة بضمير الأنا والتي تنتقل من شخصية إلى أخرى ، وبصفة خاصة تروى على لسان محمود عزمي عبدالظاهر، زوجته الإيرلندية كاثرين، الشيخ المستنير صابر ، أحد شيوخ قبائل سيوه ، وأخيراً الاسكندر الأكبر الذي يعد معبده أحد العناصر الرئيسية في الرواية. و لقد تجلت حوارية النص في هذا القالب المميز ، الذي يوزّع الكلام على شخصيّتين أساسيتين ، تستكمل كلامهما شخصيات لاحقة. و هذا الحوار يتجلّى في تأمين "موضوعية الحوار" ، إذ إن كل شخصية تحدّث عن نفسها ، بمعزل عن أوهام "الآخر" عنها ولم تحتكر الحقيقة مطلقاً حيث أستطاع المؤلف أن يفلت من النمطية في تقديم الشخصيات ومن النزعة المثالية اللا واقعية وقدم لنا شخصيات ذات ابعاد انسانية حقيقية من خلال تناقضاتها وانقساماتها وصراعاتها. 9
أحداث الرواية مستلهمة من التاريخ عن حدث وقع في واحة "سيوة" عام ١٨٩٧، عن مأمور قسم الواحة واسمه "محمود عزمي" الذي نقل ، بعد أن عاش حياة لاهية بين الحانات وبنات الليل ، إلى واحة سيوة لشك السلطات فى تعاطفه مع الأفكار الثورية لجمال الدين الأفغانى وأحمد عرابى ، وتأثير ذلك عليه وعلي علاقته المتذبذبة بزوجته الإنجليزية " كاثرين " صاحبة الأصل الأيرلندي المتتبعة آثار الإسكندر الأكبر للبحث عن قبره ، قبل أن يقدم المأمور على تفجير معبد " أم عبيدة " بالواحة. 9
حشد المؤلف بين دفتي الكتاب مجموعة من الشخصيات المتنافرة في المكان (مصر وأيرلندا) والزمان (الإسكندر الأكبر) لتلتقي خيوطها في مهارة واقتدار باحثين كلهم عن ذاتهم ، الإنسان من حيث هو إنسان .. سواء كان محمود أفندي عزمي مأمور واحة سيوه أو كاثرين زوجته الأيرلندية أو الشيخ يحيى ابن سيوه أو حتى الإسكندر الأكبر ذاته ، فكلهم يعانون قلقا وجودياً عميقاً ، و جميعهم يبحثون عن ذواتهم الحقيقية ، ويكابدون ألماً لا يستحقونه بسبب ذكريات مرة تكدر صفو حياتهم وتحرمهم السلام النفسي المأمول. 9
فبطل الرواية المأمور محمود عزمي إنسان من هذا الزمان، حلم ذات مرّة بالانتصار وحصد الخيبة ، وإنسان من ماضٍ قريب، آمن بالتقدّم وانهزم قبل أن ينهزم. تضع فكرة التقدّم وهزيمة التقدّم العربي المهزوم اليوم في الماضي القريب ، يعاني من لحظات الخزي و العار التي تنتابه بين الفينة و الأخرى حين تبرأ من الثورة العرابية لينجو بفعلته و وصفه بالبغي لينجو بجلده فظل حتى آخر يوم من عمره يعاني تانيب الضمير المزمن لما أعتبرها خيانة لا تغتفر. كما إنه يعاني بعد أن تخلى عن حبه الحقيقي مع جاريتهم "نعيمة" فلم يجد المتعة و اللذة بعدها برغم علاقاته النسائية المتعددة و التي إنتهت بزواج يبدو للوهلة الأولى غير متكافئاً مع أرملة إيرلندية الأصل تدعى كاثرين. و في لحظة صدق موجعة يصف محمود نفسه بأنه دائما في منتصف شيء ما .. نصف طيب ونصف شرير ، نصف وطني ونصف خائن ، نصف شجاع ونصف جبان ، نصف مؤمن .. نصف عاشق .. هذا التفتت يعذبه لأنه كان يتمنى لو كان من أصحاب الذات الموحدة. و تنطوي شخصيته على قدر كبير من مشاعر كره الذات تتجاوز مجرد الشفقة أو الرثاء على النفس. 9
أما كاثرين زوجته الايرلندية فهي تكابد نفس الإحساس بالذنب حينما وقعت في حب صديق شقيقتها "فيونا" رغم أنها كانت تعلم أن هناك اهتماماً متبادلاً بينهما .. وحينما طلبها للزواج قالت لنفسها أن فيونا الجميلة ستجد بالتأكيد فرصاً أفضل ، لتعيش حياة زوجية تعسة مع رجل قاس وبخيل في عواطفه لكنها ظلت تعتبر شقاءها عقوبة تستحقها. و يكتب المؤلف نقلاً على لسانها "كم هي مريحة الطفولة ! كم هو مريح الجهل ! كان الأولاد يحفرون في الأرض قنوات يصبون فيها الماء و يضعون على حوافها غصوناً صغيرة خضراء ليرووا بساتين تشبه بساتين آبائهم. و لكن أهم شئ أنهم لا ينسون أيضاً بناء أسوار رملية عالية حول بساتينهم. يتعلمون الأسوار منذ الصغر. أما البنات فيلعبن على حدة بعيداً عن الأولاد. أسوار ٌ أخرى !". 9
أما الشيخ يحيى العجوز الذي كان في شبابه فارس الغربيين الذي لا ينهزم في قتال ولا يتراجع أمام عدو فقد ضاق صدره بالمجازر المتبادلة بين عشائر الواحة فيرفض أن يشارك في معارك العار و يقول عن أفكاره الحداثية وسط الجهل الذي يسيطر على الواحة "أحياناً أجد وسط الزرع زهرةً أو نبتةً جميلة لا أكون قد غرست بذرتها أو رأيت مثلها. أرعاها و أب . و حتى الإسعد عنها الأعشاب الضارة و النباتات الأخرى ، أرويها بحرصٍ أكثر من غيرها لكنها تذوي بعد حينز لا أنجح في إحيائها و لا في أن أستنبت مثلها من جديد " 9
وحتى الإسكندر الأكبر الذي زرعت أمه في نفسه أنه ابن الإله والنسر الأبيض الذي يحلق في السماء ليبسط ظله على العالم أجمع ويتلقي تربيته الروحية والفكرية على يد أرسطو.. تلك التعاليم التي غض الطرف عنها في حروبه الظافرة مع الفرس التي حرق عاصمتها بانتقام إنسان تغمره الكراهية، وفحيح الحرائق تغمره بنشوة كالخمر .. يشيد مدناً جديدة ويعفو عن القادة المهزومين ، لكنه يقتل أخلص أصدقائه كليتوس.. تلوثه نافورة الدم المنبثق من أخص أصدقائه فيبكي بجوار جثته أياما عازفا عن الطعام والشراب مرتاعاً من الوحش الذي يسكن تحت جلده، عالما أنه حينما قتله فقد قتل في نفس اللحظة إلى الأبد تعاليم أرسطو وصدى دروسه عن السعادة التي تأتي من الحكمة والتعقل. 9
يكتب المؤلف على لسان الإسكندر الأكبر "لكن ليس قبل أن أنجح فيما لم ينجح فيه قبلي إنسان و لا إله سأصنع عالماً جديداً على غير مثال. عالم ٌ تتحد فيه أجناس البشر ، و تتكلم لغة واحدة هي اليونانية أرقى اللغات ، لغة الإلياذة ، و تتزاوج الشعوب فيما بينها فلا يبقى إلا جنس واحد بعمر الأرض ....... حلمت أن أملأ الأرض بنسل جديد من سلالة الأوربيين و الآسيويات فلا تكون بينهم بعد ّلك ضغينة و لا حروب. أراد الإسكندر أن يحقق ما عجز عنه غيره من الآلهة – أن يخلق عالماً لا يكون فيه أشقر أو أسمر و لا فرق بين من يعبد زيوس أو نار الفرس أو آلهة الهند و تساءل إسكندر : هل كان لا بد من أجل هذا الحلم أن أخوض بحراً من الدماء ، دماء المهزومين و دماء جنودي ؟". 9
و في مهارة و إقتدار تلتقي تلك الخيوط كلها في هذا المكان المنزوي من العالم .. حيث يصطدم الشقاء بالشقاء لتنتهي كل الشخصيات ذات البعد الإنساني بنهايات مؤلمة ، مفاجئة و لكنها لا منطقية حيث لم يحسن المؤلف حبك نهايتها .. محمود يموت في انفجار مروع .. فيونا الطاهرة البتول تموت بعيدة عن ديارها .. كاثرين تفقد زوجها وأختها .. مليكة تموت ظلما بقسوة تقاليد بالية .. الشيخ يحيى ينعزل في تعاسة بالغة .. وحتى روح الإسكندر غير مرتاحة في مقرها الأبدي. في الوقت الذي يفلت الخونة وأصحاب الجرائم الحقيقية .. الخونة الذين سلموا عرابي وباعوا البلد للمحتل ، الضابط الشركسي وصفي الذي يحتقر المصريين أو عمدة سيوه الشيخ صابر الذي يمتلئ قلبه بالتعصب والكراهية صوب المصريين وعشيرة الغربيين من أجواد سيوه .. يجمع بينهما الحقد في مصالح مشتركة. 9

5 comments:

why me said...

دايما


تشوقني للقراءه


شكرا حلم

:)

حلم جميل بوطن أفضل said...

العفو

الوتيــــــــــن said...

لا أقرأ عادة لهذا النو من الكتابات .. لكن أصابني الفضول

سيتم التحميل بإذن الله

يعطيك العافية :)

حلم جميل بوطن أفضل said...

الوتين

الرواية حلوة إستمتعت بقراءتها. أحب الروايات التاريخية. لكن النهاية كانت مبتورة و غير منطقية

papyrus said...

قرأت الرواية بالفعل، واستمتعت بها، واستمتعت مرة أخرى بمراجعتك وعرضك الرائع، هل تسمح لي أن اقتبس ما كتبت لوضعه في هذه المجموعة ؟
http://www.facebook.com//photo.php?pid=856141&id=1057694498#/photo_search.php?oid=323532370354&view=all