بعد ان ناقشنا موضوع إسقاط القروض و فوائدها من الناحية الأخلاقية و الإقتصادية سنحاول أن نناقشها قانونياً. و حتى أبتعد عن الجدلية في هذا الموضوع في ظل كثرة الخبراء القانونيون التي باتت آرائهم تتصدر الصحف و تزاحمنا على شركة الإنترنت ، فقد إخترت شخصاً ينتمي سياسياً إلى أحد الكتل المساندة لهذه الإقتراحات ألا و هو السيد الدكتور محمد المقاطع. 9
للتنويه فقط و حتى أكون أميناً في رأيي ، فأنا من الناس الذين لا يضعون وزناً لرأي الدكتور المقاطع لأنه غالباً ما يكون مسيس و لعل أبلغ دليل على ذلك هو ما تفضل به من آراء خلال فترة إستجواب الوزير علي الجراح و تبريرات مضحكة تم تفنيدها بكل سهولة من الأستاذ الدكتور يوسف الحمود. 9
لكن المغزى من إختيار الدكتور المقاطع هو تفنيد كل الأساليب و الحجج التي تتذرع بها الكتل السياسية في مسايرتها للشارع من أجل الحفاظ على شعبيتها بعيداً على توافق تلك المقترحات و الأسس الدستورية و المصلحة الوطنية العليا و المرجعيات الأخلاقية و السلوكية التي تحكم حياة الفرد و الجماعة. 9
يقول الدكتور محمد المقاطع في دراسته أن المقترحات تخل بمبدأي العدالة والمساواة، كما تتعارض مع مبدأ العدالة الاجتماعية، فضلا عن المخالفة لواجب حفظ الاموال العامة وحمايتها المقررة في الدستور، الى جانب اخلال تلك المقترحات بمبدأ العمومية والتجريد في التشريع، وتعارضها اخيرا مع مبدأ سلطان الارادة والحرية الاقتصادية. 9
أولاً: إخلال المقترحات بقوانين لشراء المديونيات بمبدأي العدالة والمساواة
كرس الدستور الكويتي في جملة من المواد الدستورية المهمة مبدأين جوهرين الا وهما العدالة والمساواة، حيث قررتهما ديباجة الدستور والمواد ،7 ،24 29 منه. ومفهوم هذه المبادئ انه لا يجوز وضع اي تفرقة في المعاملة التي تكون الدولة طرفا فيها، فيما تقدمه من تسهيلات او خدمات او انتفاع بمرافقها واموالها. ومن ثم فإن وجود اقتراح بقانون يهدف الى قيام الدولة بشراء مديونيات بعض المواطنين ممن قاموا بالاقتراض او الحصول على تسهيلات وفقا لتقديراتهم وفي حدود امكاناتهم وفي ضوء ظروف متساوية مع اقرانهم من بقية المواطنين، وقبلوا ان يضعوا انفسهم موضع المدينيين للحصول على وضع او امتياز مالي او ترفيهي او اسكاني بهذه القروض او التسهيلات، دون ان يمتد القانون ليشمل كل المواطنين بأنواع قروضهم المختلفة، وكذلك غير المقترضين يعد اخلالا جسيما بالمبدأين الدستوريين السابقين. حيث ينهار مفهوم المساواة الدستوري في عدم جواز تمييز اي مواطن عن الآخر بأي حجج او مبررات آنية او ظرفية وكذلك استنادا الى قرارات ارادية تقوم على اسس تعاقدية محضة، مما يجعل مثل هذا الاقتراح بقانون بعيدا عن المنال الدستوري في تحقيق فكرة المساواة بين المواطنين. كما ان مثل هذه الفكرة تهدر مبدأ العدالة بصفة عامة والعدالة الاجتماعية بصفة خاصة ، حينما تفرد بعض المواطنين بهبة او بعطاء من قبل الدولة من الاموال العامة دون النظر الى حقيقة وجود نوع من التماثل الذي يعني وجود عدل بين الناس، او دون وجود اوضاع اضطرارية او اعسارية او استثنائية تجعل من التدخل التشريعي مبررا بالاستناد الى ايجاد نوع من التوازن في اوضاع عائلية او اجتماعية يمكن ان تنهار او تتهاوى اذا لم يتم اسعافها وانقاذها بتحرك اطاره نحو فكرة العدالة الاجتماعية التي تبنى على مبدأ الدور التكافلي والتضامني للمجتمع والدولة والشعب في تلافي الاضرار الحالة التي قد تلحق فئة من الشعب ان لم يتم تدارك ذلك بتطبيق صحيح لمبدأ العدالة الاجتماعية. 9
ثانياً: تعارض المقترحات ومبدأ العدالة الاجتماعية
ان فكرة العدالة الاجتماعية التي تبنى على مبدأ الدور التكافلي والتضامني للمجتمع والدولة والشعب في تلافي الاضرار الحالة التي قد تلحق فئة من الشعب ان لم يتم تدارك ذلك بتطبيق صحيح لمبدأ العدالة الاجتماعية. تعتبر مبررا دستوريا للتدخل من قبل الدولة لتحقيق فكرة التضامن والتكافل، بضوابطها وحدودها وقيودها الدستورية، اما التصدي لاوضاع مجموعة او فئة من المواطنين دون تحقق ذلك بالنسبة لهم فهو خروج على الدستور ومبدأ العدالة الاجتماعية، الذي اعتنقه الدستور وردده في ديباجته والمواد 8 و20 و 22 و24 و25 و48 وهي عبارة عن منظومة دستورية متكاملة، لا تتوافق والمقترحات المقدمة بلا قيود او ضوابط مع شرائطها ولا تحقق الحكمة او الابعاد الدستورية في تقريرها. 9
ثالثاً: المخالفة لواجب حفظ الاموال العامة وحمايتها المقررة في الدستور
تنص المادة 17 من الدستور على انه 'للاموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن' وتنص المادة 91 من الدستور على انه 'قبل ان يتولى عضو مجلس الامة اعماله في المجلس او لجانه يؤدي امام المجلس وفي جلسة علنية اليمين الاتية: اقسم بالله العظيم ان اكون مخلصا للوطن وللامير، وان احترم الدستور وقوانين الدولة، واذود عن حريات الشعب ومصالحه وامواله، واؤدي اعمالي بالامانة والصدق'. وقد وضع الدستور في هذه المواد الواجبات الدستورية الواقعة على كاهل كل عضو من اعضاء مجلس الامة من جهة، وكل مواطن من المواطنين من جهة اخرى، تجاه الاموال العامة والتي يجب الا تكون محلا للافراط فيها او التساهل في مواضع صرفها او ان تكون محلا او موضعا للاهدار او التبديد او العطاءات او الهبات التي ليس لها اي مبرر او سند منطقي ومشروع، ويدخل في ذلك ايضا حالة الانحراف التشريعي بتقديم مشروع قانون يسعى الى تحقيق منفعة مالية او عطاء على حساب الدولة لفئة او مجموعة من المواطنين على حساب البقية منهم. ولما كانت الاموال العامة موقوفة على المصلحة العامة وتسعى الى تحقيقها على اطلاقها دون استفادة البعض من المواطنين دون البعض الاخر، وهو واجب يلتزم به القائمون على السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد، فان خروجهم عن ذلك وعدم العمل بمقتضياته يعدان انحرافا في استخدام السلطة يشوب اعمالها بعدم المشروعية الدستورية، ويسم التشريع او القانون الذي يوضع خلافا لذلك فانه ضرب من ضروب الانحراف التشريعي والخروج عن الاختصاص المقرر دستوريا. 9
رابعاً: اخلال مقترحات شراء المديونيات بمبدأ العمومية والتجريد في التشريع
ان احد اهم المبادئ الاصولية من الناحية القانونية التي تحكم وتضبط آلية واجراءات وضع التشريعات قوانين كانت او لوائح، هو اتسام تلك التشريعات بصفتي العمومية والتجريد، بمعنى انها تكون عامة فيما تضعه من قواعد ومبادئ واحكام مجردة من الاوضاع والاحوال الخاصة، وان تكون من التجريد الذي يبتعد عن التفصيل الخاص للقانون لفئة معينة من الناس لتشمل جميع المواطنين او الاشخاص الذين يمتد حكمها اليهم، وتنطبق على اوضاعهم.اما اذا جاءت التشريعات مفصلة ومحددة لفئة معينة ينطبق عليها القانون دون غيرها من الفئات او من المجموعات، وان تكون هذه الفئة معروفة ومحددة بأشخاصها او ممكنة التحديد او الحصر فيما لو تم القيام بذلك، فان ذلك يعد اخلالا بالمبدأ الاصولي الذي ينفي عن القانون صفتي العموم والتجريد بما يجعله معتلا بعوار عدم الستورية لخروجه على تلك المبادئ والاصول. 9
خامساً: تعارض المقترحات ومبدأ سلطان الارادة والحرية الاقتصادية
اخذ الدستور الكويتي بمبادئ الملكية الفردية والحرية الاقتصادية في التعاملات التجارية والمالية للافراد، تماشيا مع مبدأ شرعي وقانوني مهم الا وهو العقد شريعة المتعاقدين، وهذا المبدأ يجسد فكرة سلطان الارادة الحرة للفرد فيما يدخل به من تعاقدات وفيما يقوم به من التزامات، بارادته واختياره، مع ما يترتب عليها من تحمله لكل الاثار الناتجة عن مثل هذا القرار وتلك الاختيارات، ومن ثم فان قيام الدولة بشراء المديونيات فيه الغاء للمبدأ الدستوري المهم والخاص بحرية التجارة وسلطان الارادة، ولا يمنع عدم دستورية هذا المسلك ان يصدر قانون بذلك من مجلس الامة حيث ان القانون في هذه الحالة مشوب بعيب عدم الدستورية لمخالفته للمبدأ المذكور. 9
أعتقد بأن ورقة التوت الآن قد سقطت عن هذه الإقتراحات التي تسعى الى نهب موارد الدولة و أموالها في منظر شبيه بما حدث للدوائر و الممتلكات العراقية التي نهبت من الغوغاء بعد سقوط نظام الطاغية الديكتاتوري. أيضاً سقوط ورقة التوت قد أعطى مثالاً جلياً على مساوئ الحياة الحزبية في الكويت حيث ستسعى الكتل في ظل العقلية البليدة التي تحكم الشارع الكويتي الى دغدغة عواطفه و الخروج عن مواد الدستور الكويتي (و هو ما نخشاه) و الإضرار بالمصالح الوطنية المشتركة من أجل الحصول على المكاسب الحزبية و الوصول الى سدة الحكم. و أرجو كل من يختلف مع هذا الرأي أن يتفضل و يدلي برأيه في هذا الشأن. مع العلم بأنني قد وعدت بالكتابة عن موضوع الحزبية إلا أنني لم أفي بوعدي هذا (من باب الكسل ليس إلا). و أعد مرة أخرى (؟؟) بأنني سأجتهد و أكتب عن هذا الموضوع في القريب العاجل لأوجز تحفظاتي على تقنين الأحزاب في الوقت الراهن. و لكنني أود الإشارة الى خطورة فتح هذا الباب في ظل الفوضى السياسية و الفكرية الحالية من غير تحصين المكتسبات الدستورية أولاً. 9 9
ختاماً .. قد يتساءل القارئ ، إن كنا نعترف بوجود المشكلة و لا نقر هذه الإقتراحات فما هو الحل؟
أقول لوضع حلول منطقية لأية مشكلة يجب أن ندرس الأسباب الجذرية و المؤسسية لها و أن لا نكتفي بالحلول المباشرة و الترقيعية. في هذه الحالة يجب علينا أن المسئولية تقع على ثلاثة أطراف : الأول هو الحكومة الرشيدة التي تهاونت في الرقابة و الرصد و تباطأت في إستغلال الفوائض لتحقيق مستويات رفاهية أفضل للمواطنين و التي عجزت أيضاً عن حل المشكلة الإسكانية. و الثاني هو تلك المؤسسات البنكية الجشعة التي تستهل إستغلال ضعف الرقابة الحكومية من خلال البنك المركزي و لا تكلف نفسها البحث عن أدوات إستثمارية جديدة تنمي بها مواردها بدلاً من توجيه سيولتها لخدمة الإقتراض الإستهلاكي المباشر. و الثالث هو المواطن الذي لا يعي نتيجة قراراته و التي غلبت على تصرفاته النزعة الإستهلاكية البعيدة عن العقل و المطالبة بإستمرار الإعتماد على موارد الدولة. 9
إذا حزمة الحلول يجب أن تكون موجهة تجاه هذه الأطراف الثلاث و التي أن أسرد رؤوس أقلامها دون التوغل في تفاصيلها التي من الممكن ان نناقشها في مواضيع منفصلة في وقت لاحق: 9
تشديد الرقابة على البنوك و محاسبة المخالفين
إلزام كافة الشركات و التي توفر خدمة التقسيط بالإلتحاق بنظام ساي نت
التنسيق بين البنك المركزي و وزارة التجارة و الصناعة حول منع محلات التجزئة من إقراض المواطنين بنظام الأقساط إلا بعد موافقة البنك المركزي و تطبيق نظام ساي نت
دراسة خفض الفائدة من قبل البنك المركزي (نقترح 1%)
إجراء مراجعة شاملة للرواتب و الأجور
التخفيف من الإجراءات القضائية المتعلقة بالمعسرين بهدف إخافة البنوك من عدم تمكينها من الضغط على المعسر بحيث تزداد كلفة المخاطر في هذه الحالة و توجه سيولة البنوك الى أدوات إستثمارية ذات نسبة مخاطر أقل. يذكر إن معظم الإجراءات و القيود التي تم وضعها من قبل البنك المركزي كان موجهة لحماية البنوك و ملاءتها المالية و لم تكن بغرض التقليل من مخاطر الإقتراض بالنسبة للجمهور
البدء فوراً في إستثمار الفوائض النفطية في السوق المحلي
الجدية في حل المشكلة الإسكانية عبر تحرير الأراضي من هيمنة الشركات النفطية و فرض ضرائب تصاعدية على ملاك الأراضي (أكثر من 5,000 متر مربع) و منع المضاربة على الأراضي من خلال منع بيع العقار إلا بعد إنقضاء فترة زمنية كما هو الحال لباقي دول مجلس التعاون
إنشاء محفظة المعسرين بالتعاون مع بيت الزكاة و لكن وفق شروط و ضوابط قاسية تمنع التلاعب كما حصل في مكرمة الشيخ سالم العلي
مراجعة الشروط التعاقدية بين البنوك و المقترضين و توحيدها بغرض تعميمها على الجميع لتحقيق مبادئ العدالة و الشفافية
إنشاء جمعيات لحماية المستهليكن يكون هدفها رصد المخالفات و متابعتها مع الجهات المختصة
ربما تكون هناك حلول أخرى و لكن هذا ما يحضرني في الوقت الحاضر. 9