لنتساءل بعد أن أنفقت الحكومة مليارات الدنانير لتعويض هوامير السوق على حساب فقرائه الذين لا يمتلكون حتى رقم تداول كحالي : هل يعني التدخل الحكومي الأخير ضمان عدم هبوط البورصة من جديد؟ و ماذا إن هبطت مرة أخرى؟ هل ستقوم الدولة بضخ المزيد من الأموال؟ و متى سينتهي مسلسل الدعم الحكومي الذي تحكم بكافة الموارد الإقتصادية من زراعة و صناعة و خدمات و تجارة؟
أزمتنا الإقتصادية سببها هو عكس ما حصل في الولايات المتحدة. ففي نيويورك كان إيمان منظري الليبرالية الجديدة هناك (و من تبعهم من ناعقي الأوهام الفكرية لدينا) لا محدوداً بداروينية الإقتصاد و قدرته على التطور دون تدخل من صانع أو خالق الإقتصاد و هو الوهم الذي زال بتدخل الحكومة لإنقاذ إقتصادها الحر من الكساد. لكن في الكويت فإن نفس ناعقي الأوهام الفكرية يطالبون بمزيد من تدخل الحكومة التي تسيدت إقتصادنا الكسيح بدلاً من أن تطالب بإطلاق مارد القطاع الخاص من قمقمه الذي حبس به. الحل ليس في المزيد من تدليع ما يعرف زوراً بالقطاع الخاص ، بل الحل في تطبيق شعار "هدّه ،، خَله يتحدى" على مؤسسات هذا القطاع قبل إطلاقه على المواطنين. التصحيح واجب بأن تعطى الحكومة الفرصة الحقيقية للقطاع الخاص بأن يساهم و يطور نفسه في قطاعات خدمية استهلاكية (تخصيص القطاعات الحكومية الفاشلة كالنقل و البريد و الكهرباء) أولاً ثم تشجيع الإستثمار الداخلي في قطاعات انتاجية لاحقاً. 9
الحل الآخر هو في إحكام الرقابة على جشع هذه المؤسسات الرأسمالية و تلاعبها في جهالة القوم ممن قام بإتخاذ قرارات غير محسوبة العواقب هي أقرب للمقامرة منها للإستثمار. مسألة الإقفالات الوهمية و الدور المشبوه للصناديق و المحافظ في نفخ الأسعار و تأخر مشروع هيئة الأوراق المالية الذي يجب أن يحاسب على تأخيره وزير التجارة أحمد باقر الذي أعاد المشروع الى المربع الأول بعد إن تم الإنتهاء من مناقشته في اللجنة التشريعية المالية التي كان هو نفسه رئيسها. كما إن قرارات حكومية "حكيمة" بقبول مشروع منع رهن العقار في القطاع الخاص يجب الإشادة بها و يجب فضح من يحاول إلغاء مثل هذه القوانين التأمينية. فقط تخيلوا أحوال الآلاف من المواطنين الذين ما كانوا ليتورعوا عن رهن أصولهم العقارية التي تحتضن أطفالهم و أسرهم من أجل المقامرة و المضاربة في أسهم البورصة و لكن قدّر الله و ماشاء فعل. 9
إن تدخل الحكومة بهذا الشكل غير المدروس لن يزيد الأمور إلا سوءاً. فقد كانت الفرصة مواتية لفضح تلك الشركات الورقية التي تعمل في مجالات المضاربة و "بيع الأوهام" بعد أن نزلت قيمها الى مستويات أسعار "العلكة" حتى يتيميز الجيد من السيئ و نعرف من يقدم قيمة إنتاجية مضافة و من لا همّ له إلا بنشر الشائعات الغبية من دواوين عروقها بالماي كما كان يفعل "بو هاني" في رائعة "حامي الديار" و الذي يبدو إن سيرفر البورصة موجود لديه في يبته فهو يعلم السر المكنون من تعاملات للوزراء و النواب و علية القوم الذين يقوم بمسح الجوخ لديهم في المدونة يومياً. حكومتنا الرشيدة ، و للأسف ، قد وارت سوءة هذه الشركات الصفراء التي تفرّخ شركات صغيرة و قامت بالإستمرار في الإكتتابات الوهمية من أجل شفط المزيد من السيولة حتى وقعت الفأس بالرأس. و من يدافع اليوم عن قرار الحكومة بالتدخل ، فهو من دون أن يعلم إما يدافع بشكل أساسي عن درء عورة هذه الشركات أو "يطر" بالنيابة عن تجارنا المحترمون. 9
إن ما نخطّه اليوم من رأي يتجاوز مسألة الصراع الأزلي بين الأغنياء و الفقراء و حسد الطبقة المتوسطة للطبقة المترفة. هدفنا ليس ذلك أبداً. بل مرد هذا الرأي هو تحسرنا على فقدان تلك الطبقة التنويرية لدورها الرائد حتى إستساغت اللقمة السهلة التي تأتي بإنعدام الشفافية و إرتفاع معدلات الفساد و التبعية الحكومية الفاضحة مما أحدث إختلالات هيكلية فاضحة في الإقتصاد الكويتي و أمست هذه القوة الإقتصادية "مسخاً" مغلولاً بطوق من ذهب ينتهي بين أنامل صاحب القرار و أستبدلت روح المبادرة و الإبداع بنكهة كريهة من الإستجداء و الطرارة أثارت الإمتعاض لدينا بعد إن أستهجناها من قوى غوغائية حاولت تأميم القروض و نعتناها ب "قرود القروض" و اليوم نرى نفس النمط لكن من قبل "هوامير البورصة". 9
نحن لسنا مع كّنز الأموال في الخارج كما ترى قيادتنا السياسية بل نحن مع ضرورة إستثمارها فوراً و في الحال حتى آخر فلس في مشاريع تنموية داخلية و لسنا ممن يمتهن التباكي على أموال الإجيال الحاضرة و القادمة لكن ما يحدث اليوم من دعاوى لتعويض أي خاسر في أي مجال لهو أمر مستهجن. فنحن نعوض المزارعين مادياً إذا ما تلفت مزروعاتهم بسبب البرد القارس بدلاً من أن نشيد المخازن لهم و نعوض أصحاب مزارع الدواجن على مرض أنفولونزا الطيور و نعوض ممن إقترض لشراء سيارة لا يقدر على تكاليف إصلاح أعطالها و نعوض و نعوض دون أن نساعد أحداً على الوقوف على رجليه بدلاً من الإعتماد على الرعاية الحكومية الأبوية الحانية !! 9
في النهاية أحب أن أشير الى مقالة خبيرنا الإقتصادي الأول السيد "جاسم السعدون" الذي لطالما وصف بالتشاؤم حين كان يحذر من حال إقتصادنا الوطني في وقت كان يحاول صانعي السوق لدينا تسويق فرص الإستثمار لدى صغار المستثمرين. اليوم حين يصرح السيد السعدون بان لا أزمة لدينا فإنه يوصف بالتفاؤل اللاعقلاني و يتجاهل الجميع رأيه الفني غير المسيس فمصلحة القوم هي في الحصول على المزيد من الأموال السهلة التي تأتي بلا تعب أو مشقة. 9
مقالات أخرى ذات صلة
12 comments:
امبيه ليش صاير جذي !!
:(
لقد ناديت اذ أسمعت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
عزاؤك الوحيد يا حلم أنه سيأتي بعد زمن طويل نفر قليل ويهمسون بخجل : كنت فيما مضى على حق !
أتمنى أن يفهم النواب هذا الكلام
وخاصة الذين ليس لهم مصلحة مباشرة من البورصة ومع ذلك ينادون بضرورة انقاذها بسبب الجهل... قاتل الله الجهل!
الجهل مصيبة
وبيع الأوهام تجارة قائمة عليه
يعطيك العافية يا حلم
يبيله نطبع السلسلة ونوزع فلايرز
خاصة على نوابنا.. هذا إذا كانوا يتعبون نفسهم ويقرون
thank you
:))
الشعار
هده .. خله يتحدى
لو سمحت عن الاغلاط السياسيه
هده خله يتحدى
مو خل
لا حول ولا قوة الا بالله
قبل لا تكتب بوست تطب بالولى و التالى
ييبه اراجعه لك
:)
تدرى اضافاتى قيمة
واي مي
هذي الكويت صلي على النبي
غير معرف
و نقعد نستذكر كلمات بدر بن عبدالمحسن
يا ضياع أصواتنا في المدى و الريح
القطار و فاتنا
ثبّت على القطار لو سمحت لأنه فاقع مرارة كثيرين
:)
صلاح
العتب مو بس على النواب. على من يعد نفسه من الطبقة المخملية و ما هو إلا طرار بدرجة تاجر
ين
نطبعه على نفقة فقيد المدونة البروفيسور حمادو؟
براقش
مالي خلق أضيع حبر الكيبورد في التعليق على ما تفوهت به
بقلم: عبد الحميد منصور المزيدي
وعدت الحكومة بأنها ستضخ أموالا في سوق الأوراق المالية بقصد توفير سيولة، وتثبيت الأسعار، ودعمها، مما يتيح للسوق ان يستعيد توازنه ليواصل مسيرته باستقلالية كما كان قبل الازمة المالية العالمية، وكان المفروض ان ترصد الحكومة، جانبا، المبلغ الذي تريد ان تدعم به السوق بدواع سياسية واقتصادية من اجل المصلحة العامة، وليس لدوافع استثمارية تحقق من خلالها ارباحا، مستغلة الازمة المالية العالمية التي يرزح تحتها المستثمرون المحليون، وعلى حسابهم.
فقد عمدت الحكومة الى الايعاز للهيئة العامة للاستثمار وهي مؤسسة حكومية استثمارية تقوم على اساس تحقيق الربح وتجنب الخسارة، فكان من الطبيعي ان تدخل الهيئة السوق عن طريق الصناديق الاستثمارية التي اخذت تتصيد الفرص، وتتربص بالاسعار، وهذامرة اخرى من حقها كمديرين لاستثمارات عملائها وعلى رأسهم هيئة الاستثمار.
وكلما دخلت الصناديق مشترية في السوق وتماسكت الاسعار، واتجهت الى الصعود توقفت هذه الصناديق عن الشراء ودب الذعر في قلوب المستثمرين، تحسبا من ان الصناديق او الهيئة قد استكفت، ثم اذا هدأت الاسعار وهبطت عاودت هذه الصناديق الشراء، وهكذا على حساب من جاءت الحكومة، داعمة، لتنقذهم.
هذه الملاحظات ليست موجهة للهيئة ولا للصناديق لان تحقيق الربح وتجنب الخسارة هما هدفهما. ولكن الخلل يعود لاختيار الحكومة القناة الخطأ، هيئة الاستثمار، أو أي مؤسسة مشابهة اخرى تقوم على الربح والخسارة.
الدعم البريء لا يختلف عن دعم السلع الاستهلاكية لتخفيف اعباء الاسعار عن المستهلك دون ان تحقق الحكومة كسبا ماديا إلا اداء الواجب مقابل الشكر والامتنان من المواطنين، كذلك يجب ان يكون دعم سوق يقوم عليه الاقتصاد الوطني برمته، اي دعم الشركات المساهمة والمساهمين الذين يئنون بحمل اسهم هذه الشركات.
بطبيعة الحال، فإن الاستثمار انتقائي وتفضيلي بحكم اعتماده على الربح، اما الدعم فليست فيه انتقائية اذ انت تدعم الشركات من ناحية، وتدعم المساهمين الذين يشكلون جميع اطياف المواطنين من ناحية اخرى. من هنا لا يجوز دعم، او الاستثمار، في الشركات القيادية وحدها وترك باقي الشركات بحجة انها فاشلة او ورقية. هذه احكام استثمارية تحقق مصلحة طرف على اطراف كثيرة، ما هكذا يكون الدعم، ثم ان المسؤولية في فشل بعض هذه الشركات او كون بعضها ورقية هي مسؤولية الادارات الحكومية المسؤولة مباشرة عن ترخيص هذه الشركات ومراقبتها. ان المسؤولية مشتركة بين الحكومة وادارات هذه الشركات مع ان مسؤولية الحكومة اكبر.
ان المستثمر في سوق الاوراق المالية يستثمر في شركات مرخصة ومعدة للاستثمار الآمن من قبل المواطن. او هكذا يفترض. اضف إلى ذلك، ان الجهاز الخطأ الذي اوكلته الحكومة «ليدعم» السوق نفذ مشترياته على اساس من الانتقائية الفاضحة بحيث صنف، من حيث يقصد او لا يقصد، شركات تعد على اصابع اليد الواحدة او تزيد بانها هي القيادية وهي الناجحة وحكم بالنتيجة بان باقي الشركات المئتين المدرجة في السوق فاشلة او ورقية، وبغض النظر عن صحة هذا التصنيف من خطئه، فانه اشاع البلبلة في السوق وأسهم بفاعلية على نزع ثقة المساهمين في باقي الشركات «الفاشلة» و«الورقية» الامر الذي اصابها في مقتل بدل ان ينفخ الروح فيها.
يجب ان يكون في مفهومنا بان الدعم المطلوب ليس للشركات لذاتها ولكن للمساهمين الذين نجد الصغير منهم مساهماً في القيادية والكبير مسهما في الورقية، ان المستثمرين منتشرون في السوق وفي جميع الشركات، والمطلوب دعم السوق بغثة وسمينه، أليست البنوك الاميركية والاوروبية غثة وورقية وبالرغم من ذلك فقد دعمتها حكوماتها؟!
على الحكومة ان تعيد النظر في سياستها واسلوب معالجتها للسوق في هذه الظروف الصعبة جدا وغير المسبوقة محليا وعالميا وتتدارك، وبسرعة العمل على سلامة رساميل ومدخرات كبار المستثمرين وصغارهم.
بتاريخ 14 ــ10ــ2008 كتبت في جريدة القبس مقالا بعنوان «الحكومة والمجلس يقلمان أظافر الطبقة الوسطى» وقد قضت الحكومة على فريق كبير من هذه الطبقة، الفريق لن يستعيد عافيته المالية الا بعد عشرات السنين، ويبدو ان فرقا اخرى من كبار وصغار المستثمرين ستبتلعهم امواج الازمة وتصبح الدولة رأسمالية من دون رأسماليين.. حتى لو ظلت الدولة غنية بفضل تدفق عوائد النفط، فسوف تحتاج الى اكثر من جيل لينشأ جيل جديد من راسماليين واصحاب الدخول المتوسطة «الجدد» بعد ان تدور عوائد النفط في المشاريع العامة لتدخل جيوب الاجيال القادمة.
mazidi@mazidi.com
Post a Comment