قبل أن تقرأ هذا البوست ، تذكر أن ما هو مكتوب ليس له علاقة بالرياضة. بل هو عن مبدأ و حلم مدينة و منهج حياة. تذكر ذلك جيداً و أنت تقرأ الموضوع. 9
قال البارئ عز و جل
و إن ينصركم الله فلا غالب لكم
صدق الله العظيم
ليفربول مدينة ساحلية تقع في أقصى الغرب الإنجليزي. كانت تعتمد هذه المدينة على حركة النقل البحري بينها و بين موانئ العالم لا سيما مع الأراضي الأمريكية و أيرلندا. لموقعها الإستراتيجي تم قصف هذه المدينة و دكها من قبل النازيون. مما أدى الى هجرة الصناعات و رؤوس الأموال منها الى مناطق أكثر إستقراراً في العمق الإنجليزي كمانشستر و شيفيلد و بيرمنغهام.
9
أهالي هذه المدينة هم من الناس البسطاء و يطلق عليهم لقب السكاوسرز. تماماً كأبناء البادية لدينا ، يهمهم جداً الشرف في التعامل و المروءة مع الغريب و يضعون نصب أعينهم مبادئ شبيهة بتلك التي لدينا. لكن واقعهم الإقتصادي مر. هذا الأمر جعل أبناء المدينة يبحثون عن قصة نجاح تعيد لهم أمجاد مدينتهم المدمرة. و دائماً في ظل الحرمان ، يبزغ الإبداع. 9
منها خرجت فرقة البيتلز و لا يزال المقهى الذي صدحت فيه هذه الفرقة العالمية أول أعمالها موجوداً في قلب المدينة بعد أن حول الى متحف. لكن الإبداع الحقيقي الذي وجده الناس هو نادي ليفربول لكرة القدم. 9
محلياً حصد هذا العملاق 18 بطولة دوري محلية ، 7بطولات كأس محلية ، بطل كأس الإتحاد 7 مرات و 15 فوز بالدرع الخيرية. أوربياً فاز ليفربول في كأس الأبطال 5 مرات و بكأس الإتحاد الأوربي 3 مرات ما جعل هذا النادي العريق أنجح الفرق الإنجليزية على مر التاريخ. 9
تأسس النادي سنة 1892 بعد خلاف بين نادي أيفرتون و صاحب الملعب الذي كانت تقام عليه المباريات. ما أدى الى هجرة أيفرتون الى ملعب أخير و تشكيل فريق جديد عرف بليفربول. بدأت نهضة ليفربول الحديثة على يد بيل شانكلي في سنة 1959 الذي قام بطرد 24 لاعباً من الفريق و نجح بعد 3 سنوات في الصعود الى مسابقة الدرجة الأولى الذي لم يخرج منه الفريق الى اليوم. و حقق الفريق أول بطولة مع المدرب الإسكتلندي بعد سنتين حين فاز ببطولة الدوري لأول مرة منذ 17 عاماً. و كرر الفريق نفس الإنجاز بعد سنتين بعد ان فازوا ببطولة الكأس في الموسم الذي سبقه و في عام 1972 فاز ليفربول بأول كأس أوربية ليتقاعد المدرب الإسطورة شانكلي في سنة 1973 و يسلم زمام القيادة الى مساعده بوب بيسلي بعد أن وضع اساسات النجاح و مقوماته في الفريق. 9
كان بيل شانكلي يمثل الطبقة العاملة الكادحة. و كان يرى بأن الجمهور هم القيمة الحقيقة في هذه الرياضة و كتن يحرص على إبقاء العلاقات طبيعية و صحية معهم. حتى إنه كان يستضيف البسطاء منهم و يحاول ان يشرح لهم أفكاره و خططه حول مستقبل الفريق. كان شانكلي يمثل حلم المدينة و قد سميت أكبر بوابات ملعب أنفيلد بإسمه. و كان مهمته محددة : إسعاد أهل المدينة بالفوز. في أحد المباريات أمسك شانكلي بخناق أحد رجال الشرطة الذي رأى وشاحاً على شعار النادي ملقى على أرضية الملعب فأزاحه برجله ، فما كان من شانكلي إلا أن صرخ في وجهه: لا تفعل ذلك ، هذا الوشاح قد يكون حياة أحدهم ! 9
و من النوادر التي تحكى عنه بأنه قد سأل مرة عن نادي أيفرتون. فقال متجاهلاً أيفرتون .. عن أي فريق تتكلم؟ لا أعرف هذا الفريق. فرد المذيع .. كم فريقاً في ليفربول؟ أليسوا فريقين .. فأجاب شانكلي بكل جدية .. نعم .. فريقين .. فريق ليفربول الأساسي و فريق ليفربول الإحتياط .. هؤلاء هم فرق المدينة ! 9
يقول تومي سميث لاعب الوسط السابق في ليفربول إنه قد إشتكى يوماً لدي شانكلي بأن ركبته تؤلمه و لا يستطيع اللعب. فرد عليه شانكلي ، ماذا تعني بركبتك؟ إنها ركبة ليفربول و ليست ركبتك. إنزل الى الملعب فوراً ! 9
عند وفاته سنة 1981 ، عطل حزب العمال جلسته لمدة دقيقة حداداً على روحه و بكت المدينة. في أول مباراة إرتفع الشعار فوق مدرج الكوب المعروف .. شانكلي لا يموت .. بل يعيش الى الأبد. 9
في موسم 1975-76 حقق بوب بيسلي ثنائية الدوري و كأس الإتحاد الأوربي مرة أخرى. و تكرر ذات الأمر في الموسم التالي حين حقق بطولتي الدوري و كأس الأبطال الأوربية و كرر الفوز باللقب الأوربي في المسم الذي تلاه. و كان من الواضح أن ليفربول بات القوة التي لا تقهر و الرقم الصعب و ظهر فريق الأحلام الذب فاز ب إحدى و عشرين لقباً خلال حقبة بوب بيسلي. 9
لكن ما هو سر نجاحات ليفربول؟ السر هو ما يعرف بغرفة الأحذية أو البوت روم و هي غرفة صغيرة مظلمة و رطبة و هي غرفة الأسرار أو التشامبر أوف سيكريتس تتم فيها إستضافة أعتى المدربين (حتى أليكس فيرغسون تمت إستضافته) لمناقشة كافة أمور الكرة. هذه الغرفة الإسطورية تحتوى على تكتيكات الفرق و تفاصيل التدريبات و بيانات الأطوال و الأوزان للاعبين و فيها عرفت أسرار الإنتقالات و تفاصيلها كما إن هذه الغرفة تعتبر مدرسة المدربين في ليفربول.. أذكر إن كيفن كيغان و هو أحد نجوم ليفربول قد طلب نسخاً من بعض الوثائق تعينه خلال فترة تدريبه لنادي نيوكاسل و تم إعطائه إياها و إخراجها للمرة الأولى نكايةً في مانشستر يونايتد. وحده مدرب ليفربول يملك المفتاح لهذه الأسرار. 9
و في سنة 1983 أسلم بوب بيسلي زمام الأمور لمساعده جو فاغان ، لكن هل توفقت قصة النجاح؟ أبداً؟ بل حقق ليفربول في نفس الموسم ما لم يحققه أي نادي إنجليزي من قبل ، الثلاثية ، الدوري و كأس الدوري و كاس الأبطال الأوربية. 9
بعد جو فاغان أتى كيني دالغليش ، و هي الفترة التي عايشناها ، أيان ش و جون بارنز و بيتر بيردزلي و جون ألدريج و غريم سونيس الذي خلف دالغليش و في عهده بدأ الإنهيار بعد سلسلة من التعاقدات غير الناجحة و الغريبة جداً حيث مر على النادي لاعبين لا يستحقون أن يلعبوا في الفريق الإحتياطي و كانت قيمة تعاقداتهم و أجورهم منتقخة بطريقة عجيبة أدت الى أن يكملوا عقودهم و هم مهملين لأنهم يعلمون بأنهم لن يحلمون بمثل هذه العقود. 9
و لم يطل سونيس حيث سرعان ما تم إعطاء دفة القيادة لروي ايفانز الذي كان يمثل القيم الليفربولية و لكنه لم يكن بارعاً في سوق الإنتقالات و فضل الإعتماد على المواهب الشابة من داخل ليفربول كماكمنمان و جيسون مكتير و مايكل أوين و جيمي كارغر و روبي فاولر و ستيفن جيرارد و غيرهم كجيمي ريدناب و روب جونز. كما إعتمد روي ايفانز طريقة 3-5-2 التي شاعت عالمياً في ذلك الوقت حتى في ايطاليا ، لكن الجماهير لم تكن راضية إلا بالألقاب التي لم تأتي. 9
شخصياً عاشيت تلك الحقبة جيداً بحلوها و مرها. مرها كان أكثر بكثير و كان الإخفاقات متتالية رغم النجوم الذين إمتلأ بهم الفريق. كنت أتابع و أصدقائي حتى أخبار فرق الناشئين و أول مباراة شاهدتها لمايكل أوين كان عمره فيها 15 سنة في نهائي بطولة إنجلترا للناشئين و يومها سجل أوين هدف المباراة الوحيد على فريق مانشستر يونايتد. كان الفريق ينتهج التمريرات القصيرة السريعة و لكن كثافة منطقة الوسط أدت الى البطء في نقل اللعب من الدفاع الى الهجوم و أدت إلى الإكثار في التمرير دون خلق فرص حقيقة. كما كانت حراسة المرمى بقيادة ديفيد جونز هي الحلقة الأضعف كما كان حال نادي ليفربول على مر التاريخ. 9
و في سنة 1998 قررت إدارة النادي قراراً لم يكن أحد ليتوقعه يوما ما، و هو تسليم دفة الأمور الى مدرب أجنبي هو مهندس النهضة الكروية الفرنسية جيرارد هولييه. جذور هولييه لم تكن فرنسية خالصة ، فهو قد درس و عمل في مدينة ليفربول ، و تابع فريق ليفربول من منصة الكوب. لذا فجنسيته كانت فرنسية و لكنه كان يقول بأنه قلبه سكاوسر. 9
حول جيرارد هولييه فريق ليفربول الى فريق كؤوس معتمداً على الروح المعنوية العالية للاعبين في أحلك الظروف ففاز بالعديد من الكؤوس معهم كان أبرزها تلك المباراة التاريخية مع نادي ألافيس في نهائي كأس الأتحاد الأوربي التي أنتهت بفوز ليفربول بنتيجة 5-4
و في سنة 2003 و بناء على رغبة الجماهير ، تم الإستغناء عن جيرارد هولييه ليتم إستبداله بمدرب ناجح آخر هو رافاييل بينيتز الذي نجح في تحقيق الكأس الأوربية بعد تلك الليلة المجنونة مع ميلان ، حيث نجح ليفربول في تحويل هزيمته بثلاث أهداف نظيفة في الشوط الأول الى تعادل مستحق في الوقت الأصلي و الإضافي ليفوز ليفربول و يظفر بما عجز فريق الأرسنال و تشلسي عنه و هو كأس الأبطال الأوربية. و م هذا تبقى بطولة الدوري مستعصية على ليفربول ، حيث لا يملك لا اللاعبين و لا الخطط و الاموال للمنافسة الحقيقية. 9
تشجيع ليفربول هو ليس قضاء سهرة ممتعة على نار الدوة في البيت و تدخين السجائر و الأرجيلة في القهوة و لا شراء فانيلات رخيصة و التنزه فيها بالأفنيوز - (هنيئاً لكم أنديتكم و هنيئاً لنا بليفربول) ، بل هو إلتزام مبدئي بقيم ليفربولية سامية. فنادي ليفربول هو من إستضاف أول لاعب أسود في المنتخب الإنجليزي (جون بارنز) و جعله قائداً للفريق. تحضر مبارياتهم فترى التشجيع و الإحترام للخصم و تقل نسبة السباب في المدرجات. يشجعون فريقهم فائزاً كان ام خاسراً و لا ينقلبون عليه. و لا يستضيفون لاعبي الجل و المسكارا كديفيد بيكهام. 9
مع ليفربول يجب أن تؤمن بشعارهم الذي يرتفع على هامة بوابة النادي الرئيسية ، لن تمشي لوحدك أبداً
هذه هو حلم ليفربول الكروي ، يرحب بالجميع ، لكن متى ما التزمنا به و إبتعدنا عن قوى الشر المطلقة المتمثلة في مانشستر (هل تعلمون بان وعد بلفور إنطلق من مانشستر) و تحاشينا الأفكار الشيطانية اللا أخلاقية لأليكس فيرغسون (رغم إعترافي بإستاذيته) و مورينيهو. يبقى أرسين فينغر معلماً لا يعلى عليه ، لكن هذا لا يمسح تاريخ نادي ليفربول العريق الي لا يرضى أن يرضخ لأحد. حتى في موسم 1995-96 حين كان بدأت حرب داحس و الغبراء بين كيفن كيغان الذي يمثل القيم الليفربولية و بين إبليس زمانه أليكس فيرغسون ، توقف الزمن و بدأت المعركة بين ليفربول و نيوكاسل ، تلك المبارة الإسطورية التي لا تنسى. قلوب ليفربول كانت مع كيغان ، لكنهم لا يسعهم إلا اللعب بشرف أمامه. و بشرف لعبوا و فازوا في آخر دقيقة في مباراة عامرة بالأهداف كان يتعين على نيوكاسل الفوز بها للفوز ببطولة الدوري. هذه النتيجة أسعدت قلوب أبناء النادي بالفوز لكن أدمتها أيضاَ حزناً و كمداً على حال إبنها كيغان الذي خسر المعركة أمام الشيطان الأكبر فيرغسون و وضع رأسه بين كفيه غير مصدق عندما أحزر ستان كوليمور الهدف الرابع في الدقيقة الأخيرة ليقتل حلم كيغان. 9
لمن يدعي بأنه جدع من أولاد الحارة المصرية أقول له ليفربول هو نادي الجدعان و أنشد كما صدحت أم كلثوم بأعذب الألحان ، إنها قصة حبي ،، 9
تنويه : يرجي طباعة هذا البوست و تعليقه في مكان بارز. إفخر إنك ليفربولي فنحن الباقون و هم الزائلون. ألا خيبة الله على من أتخذ من مانشستر يونايتد و تشلسي و الأرسنال أنصاراً. 9