Wednesday, 8 July 2009

مجزرة حماة

وقعت مجزرة "حماة" في الثاني من فبراير 1982 بعد أن قامت إحد المجموعات الجهادية السنية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمون بعصيان عسكري ضد القوى الحاكمة البعثية و التي تنتمي الى الطائفة العلوية. إستغلت هذه العصبة المتمردة الأوضاع الإقليمية بعد التدخل السوري في لبنان و نشاط المتمردين الأكراد على الحدود السورية التركية و قامت بعمليات تخريبية كانت أهمها مقتل ثلاثة و ثمانون جندياً علوياً في إحدى الثكنات و تفجيرات السيارات التي خلفت المئات من الموتى. 9
و في عام 1980 حظر الإنتماء الى جماعة الإخوان المسلمون في سوريا ، الأمر الذي ردت عليه حركة الإخوان المسلمون بتدبير محاولة إغتيال للرئيس السوري حافظ الأسد في 26 مايو 1980 أثناء إستقباله لرئيس جمهورية مالي. رد حافظ الأسد كان سريعاً (بعد سويعات) و بلا رحمة : تصفية ما يقارب ألف معتقل منتمي للإخوان المسلمين في سجن تدمر. حينها قام المتمردون بإعلان عصيانهم العسكري و تم إعلان "حماة" مدينة محررة و تم الدعوة للقيام ضد العلويين الكفار. إنطلقت فلول الإخوان المسلمون لتقتحم بيوت المسئولين الحكوميين في المدينة لا سيما أولئك الذين ينتمون الى الطائفة المخالفة و تم تصفية ما يقارب خمسون منهم. كان الهدف هو إستثارة باقي المدن السورية ذات الإغلبية السنية للإنضمام الى الإنتفاضة الطائفية. 9

أيضاً كان رد حافظ الأسد سريعاً و بلا رحمة. السلطات السورية طلبت من السكان إخلاء المدينة و أعتبر كل من بقى في المدينة "عنصراً متمرداً". لم تكلف سرايا البعث نفسها عناء الإنخراط في قتال مدن مع التعناصر المتمردة ، و لكنها أطلقت الغازات السامة و قصفت المدينة من الجو قبل أن تستخدم الدبابات لهدم البيوت و العمارات على من تبقى بها. سحق التمرد و لم تنضم أي من المدن الأخرى للإنتفاضة بعد أن شاهدت "الوحشية" التي دمرت بها تلك المدينة و بعد أنر رأت كيف هرب قادة التمرد الى الخارج و تركوا المدنيين العزل يواجهون مصيرهم المحتوم. أسفرت المجزرة على ما يقارب ثلاثون الى أربعون ألف قتيل (بينهم ما لا يقل عن ألف قتيل من القوات الحكومية) و عن تدمير معظم شواهد المدينة التاريخية : القصور و المساجد و الآثار التاريخية مسحت تماماً. 9
بعد المجزرة : فئة قليلة من التنظيم عقدت صلحاً مع النظام البعثي السوري أما الغالبية فقد فرت الى الخارج و إنشقت الى جناحين : الأول الى العراق و الأردن و ظل تحت رعاية الطاغية العراقي صدام حسين الذي ما لبث أن عاد تسليحها والثاني هرب الى أوربا كالمملكة المتحدة و ألمانيا و فرنسا منظوياً تحت رقابة التنظيم العالمي و ما لبث أن قام بسلسلة مراجعات عميقة حول الشرخ الطائفي الذي أحدثته حركته هذه و الأساليب العسكرية التي لم يكتب لها النجاح و التي أدت الى إحكام سيطرة النظام البعثي على مقاليد السلطة في سوريا. 9
أفضل من وثق هذه المجزرة هو الكاتب الشهير روبرت فيسك في كتابة "رثاء أمة". 9
المجزرة كانت مثالاً على التخندق الطائفي الذي أصاب المنطقة بعد صعود نجم الحركات الإسلامية في المنطقة و الذي توج بإغتيال الرئيس أنور السادات و نجاح الثورة الإسلامية الشيعية في إيران و قيام الحرب العراقية الإيرانية التي غذت مشاعر الكراهية بين الطائفتين. 9
هذه النبذة التاريخية هي مقدمة للمقال القادم عن رواية "مديح الكراهية" للكاتب السوري خالد خليفة و التي منعت من معظم مكتبات المنطقة و التي تناولت مشاعر الكراهية الطائفية المتبادلة من خلال أحداث مجزرة حماة. 9

20 comments:

متزوج 3 وعمري 28 said...

زرت حماة، ,حلب وحمص
وما تزال آثار الرصاص تخدش جدران المدينة إلى اليوم، تذكرنا بما حدث
والتقيت يومها شاباً صغيراً ، كان رضيعاً حينما أقتحمت القوات السورية منزل والديه فجراً واقتادوا والده وهو يصلي
ولا يعلم شيئاً عن مصير والده حتى اليوم
بانتظار مقالك القادم
وبجانبي علبة الكلينكس
أختيار موفق لموضوع غير مطروق
حياك الحيا
متزوج 3 وعمري 28

bo bader said...

خوش موضوع

متابعينك

Anonymous said...

متابع

Safeed said...

الطائفية هي أسرع "المحفزات" لصنع (القتال) دائما
عندي لك هدية .. بعد يومين بإذن الله
حتى ذلك الحين .. نترقب الباقي
:)

سيدة التنبيب said...

مؤلفات روبرت فيسك رائعة و موضوعية .. قرأت منها الثلاثية الأخيرة الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة

متابعة إن شاء الله

bakah said...

عندي سؤال خارج الموضوع نوعا ما ومحيرني من زمان ,اتمنى لو الحلم الجميل او غيره يجيبني ..

السؤال : كيف تمكن العلويون وهم اقلية من السيطرة على الحكم في سوريا السنية في غالبيتها , وكيف يمكنهم المحافظة على الحكم للآن !!؟

أهل شرق said...

الطائفية البغيظة فتت العرب والمسلمين ،، من اليد الواحدة الى أصابع عشرة ؟؟

بانتظار المقالات القادمة

دكتور كويتي said...

موضوع يستحق الاشادة
هناك بعض الملاحظات المهمة
1- الحاجة الى مصادر لتوثيق الحوادث و الارقام لانه حسب ما قرأت بأن الضحايا هم ما يقارب السبعة الاف و ما يقوله فيسك هو 45 الف. أنا لا أقصد التشكيك بس ليس كل ما يذكره فيسك هو صحيح 100 ب100
2- تواتر الحوادث في مقالك أدى الى عدم وضوح من هو المتسبب الأول في الاحداث... لو وضحت أكثر
3- ليس هناك شك في أن النظام السوري هو نظام قمعي ولكن ميزته الوحيدة انه مازال هو المتصدى الاول من الدول العربية بوجه اسرائيل... هذا ليس تبريرا لما فعله بحماه
تظل مدونتكم من أكثر المدونات المفضلة عندي
وشكرا

حلم جميل بوطن أفضل said...

متزوج 3 و عمري 28

ما أدري أقول يا حظك أو يالتعاستك. المهم إنت واحد قوي

:)

حلم جميل بوطن أفضل said...

بو بدر

شكراً

حلم جميل بوطن أفضل said...

غير معرف 1

خذ راحتك

حلم جميل بوطن أفضل said...

سفيد

في إنتظار الهدية. و لا تنسى رواية 1984

حلم جميل بوطن أفضل said...

سيدة التنبيب

روبرت فيسك و ما ادراك ما روبرت فيسك. المهنية و المصداقية

حلم جميل بوطن أفضل said...

مطعم باكه

البعث

ألم يدر في خلدك هذا التساؤل : كيف وصل طفل يتيم مشرد بلا تعليم و من غير خلفية عسكرية الى قمة السلطة في بلد يزخر بالعلماء و الضباط و العشائر و أبناء العائلات العربية الأصيلة ؟؟

هكذا تسلق صدام سلم السلطة رغم إنه من قرية لم يسمع بها أحد و عزز مكانة عشيرته من التكريتيين في السلطة

في سوريا و بعد إنتهاء الإنتداب الفرنسي سادت مرحلة من الإضطراب ، شكلت عشرات الحكومات و سنت أربع دساتير و كانت الثورات تحصل أكثر من مرة في السنة و كلها بواسطة الطائفة السنية التي تمثل 87% من السكان

حتى عام 1963 عندما قام جناح عسكري يساري بالإستيلاء على السلطة في نفس الوقت الذي أستولى فيه حزب البعث على السلطة للمرة الأولى في العراق

لكن نجم العلويين لم يرتفع الا حين استولى حافظ الأسد على السلطة في 1972 بينما كان البكر قد إستولى عليها في 1968 في العراق

قارن الحالتين في العراق و سوريا و كيف إستطاعت عشيرة مهشمة الإستيلاء على السلطة

ستجد أن الثابت الوحيد في المعادلتين هو حزب البعث أجلكم الله

حلم جميل بوطن أفضل said...

أهل شرق

و ما زلنا ننجرف اليها عند أبسط إشارة

حلم جميل بوطن أفضل said...

دكتور كويتي

شكراً جزيلاً على الإشادة و حتى لا يفهم الموضوع على إنه مديح مقابل مديح و لكن للامانة موضوع الشهادات العلمية أخذ حيز كبير من مناقشاتنا و سنحاول أن نتطرق له متى ما سنحت الفرصة و نحن نثمن دعوتكم للمشاركة في التصدي لهذه الآفة

بس للامانة

فيسك قدر الضحايا بعشرة آلاف فقط و هو من القلائل الذين دخلوا المدينة بعد أيام من المجزرة

النيويورك تايمز قدرت الضحايا بعشرين ألف

توماس فريدمان قدر العدد بثمانية و ثلاثون ألف

لجنة حقوق الإنسان قدرتها بما بين ثلاثين الى أربعين ألف

لكن يا دكتورنا الفاضل : المسألة ليست أرقام. هذه أرواح بشر مصائر عوائل و أطفال و نساء و شيوخ. فما الفرق بين سبعة ألاف و أربعين ألف ؟ تبقى الجريمة واحدة بنفس الدرجة من البشاعة

بما يخص التساؤل الثاني فإن الكاتب في روايته ، رغم إنه تطرق لها من وجهة النظر السنية فإنه يحمل مسئولية الجريمة الى الطرفين بالتساوي فهو لا يرى العبرة بمن قتل أكثر .. و لكن من حمل مشاعر الكراهية و إمتدحها سراً في داخله أو علناً بخطاباته و أفعاله. و اعتقد إن هذا الشئ لم يأت للحفاظ على التوازن و المصداقية و لكن شخصياً أرى من يحمل مشاعر الكراهية ذاتها فهو شريك متضامن في أي جريمة تقع و إن لم يشارك بها

ثالثاً ،، إسمح لي بان اخالفك الرأي

النظام السوري أطلق ملايين الطلقات الى صدور أبناء شعبه. لكنه لم يطلق رصاصة واحدة الى الإسرائيليين رغم إحتلال الجولان و يفضل ان يخوض حروب بالوكالة عن طريق حزب الله

مسألة قتال إسرائيل لا تجوز القمع و المذابح و إنتهاك الحريات و غياب الديمقراطيات. نظرة بسيطة للتاريخ الإسلامي و ستعلم ما أعني و أبسط مثال لما أقصد هو جمال عبدالناصر

شكراً لإثرائك الحوار

حلم جميل بوطن أفضل said...

إضافة

المصدر لأرقام الضحايا للمجزرة تجده هنا

http://en.wikipedia.org/wiki/Hama_massacre

دكتور كويتي said...

السلام
شكرا على الرد
انا اوافقك الراي ان قتال الاسرائيليين لا تبيح قتل اي مسلم ظلما
فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة
ولا يوجد اي ذريعة تسوغ القتل
الخوف كل الخوف من وراء استغلال المشاكل الداخلية لاهداف أكبر
كما ذكرت ان التاريخ خير شاهد
مثال ما زلت أعتقد ان عبدالناصر أفضل بكثير من السادات ومبارك
و لكن الغرب اظهر أخطائه بشكل جعلنا نكرهه و نرتمي الى ما هو الاسوأ
و أيضا
كما استغل البريطانيين ثورة الشريف حسين لاهداف أكبر ممن قام بالثورة
فقد انتقل العرب من حكم العثمانيين القوي الظالم
الى ماهو أسوأ
الى حاضرنا المؤلم اليوم
هذا ما قصدته
شكرا على المصادر
والسلام

حلم جميل بوطن أفضل said...

عزيزي الدكتور

لا تقارن السئ بالسئ فتنتهي بأنه جيد. لا تقارن جامعات الهند بجامعات الفلبين فتنتهي بأنها جيدة لأنها أفضل من جامعات الفلبين

ارجع الى ما كتبه المجددون كالكواكبي و الإفغاني و عبده عن نظام الخلافة غير الراشدة و التي وصمت بالإستبداد و الإستعباد

و ما فعله جمال عبدالناصر هو درس لنا جميعاً بأنه المجتمعات لا تبنى إلا بالحرية و إن طريق التنمية هو الديمقراطية الحقة. كل مكاسب التعليم المجاني و توزيع الثروة و الإصلاح الزراعي تبخرت بسبب القمع و السحل و التعذيب و تكميم الأفواه

هذه هي قراءتي للتاريخ. لا طريق للتقدم إلا بإحترام قيمة الإنسان. نظرة بسيطة الى المجتمعات من حوالينا و ستعلم ما أعني دون أن أقول


إطلع على كلمات رجل لربما عاصرته أنت و زاملته الله أيضاً لتعرف إن الحرية مقدمة على ما عداها

http://7ilm.blogspot.com/2009/01/blog-post_20.html

لا إسرائيل و لا غيره .. فلا يكترث هؤلاء إلا لعروشهم الهشة

Dr.Dhiaa- iraq said...

في الحقيقة انا احيي صاحب المقال الاكثر من رائع ولا اخفي عليك اني من بلد اكتوى بنار القتنة والطائفية منذ امد بعيد وشقى تحت ظلم حزب البعث المجرم والذي كان له دور باسقاط نظام الزعيم العظيم عبد الكريم قاسم ومجئ المجرم عبد السلام عارف للحكم والذي انقلب على اتباعه البعثيين بما عرف بردة تشرين ليقودوا مرة اخرى انقلابا عام 1968 ليسيطروا على العراق وبالرغم من ان ثلثي العراق من المذهب الشيعي والثلث الباقي هو مناصفة بين الاكراد والعرب السنة وعلى هذا الاساس استغل النظام هذه الصفة تحت مبدأ فرق تسد فالنظام هو ليس دينيا وليس له علاقة بالمذهب السني الشريف ولكنه ضرب على وتر الطائفية والقبلية والعشائرية من مبدا السيطرة فحتى مدينة الفلوجة قام النظام بقتل قسم من ابنائها ظلما وعدوانا والذي حدث بعد السقوط 2003 ان دخلت عناصر سلفية مجرمة واستباحت المدن السيارات المفخخة والذبح وكان ان حل بهم المكان في الفلوجة وحين هاجمهم الامريكان وقتل كثير من الابرياء كان بسبب هؤلاء المجرميين من السلفيين والاوصوليين من جماعة الزرقاوي وابن لادن لعنهم الله فكانوا ان جروا المدينة الى نار مستعرة ....لذا انا اعتقد ان سبب كل داء هو التطرف ولن يصلح لنا حال الا اذا ازال الله اهله وارضه التي ياتون منها..قاتل الله التعصب ..قاتل الله التطرف...قاتل الله خوارج عصرنا من ابناء القاعدة المجرمين وكل من يتبعهم...ورحم الله الشهداء من الابرياء والمدنيين العزل في كل مكان وباي ارض وتحت اي مسمى