Tuesday 4 November 2008

إما أن تنصفها أو تعتذر عنها يا سمو الرئيس

لم تكن حكمة و دراية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في يوم من الأيام محل جدال أو نقاش ، فمقام سموه كوالد للجميع يفرض على الجميع احترامه و طاعته ، و خبرته العملية و المهنية و تجربته الحياتية و تفانيه في خدمة وطنه جميعها تؤكد بعد نظره ، و قبل هذا أو ذاك فالمادة 54 من الدستور حفظت لسمو الأمير مكانته كمعهودٍ له بمسند الإمارة حين ثبتت الرأي الراسخ المتماشي مع العادات و التقاليد و الأعراف الكويتية الأصيلة بأن " الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس ".
و حين يكرر سمو الأمير بأن اختيار رئيس مجلس الوزراء هو أمر خاص به وحده فلا يجوز لنا كمواطنين ارتضينا الدستور أساساً لإدارة حياتنا أن نتدخل في صلاحيات سموه التي أكدتها المادة 56 " يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء, بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء....." . و تبقى المشورة المؤدبة في مكانها و زمانها الملائميـْن هي حق لسمو الأمير علينا في حال فـَـرَضَ واجبنا الوطني الإشارة إلى أمر ٍ ما حول هذا الموضوع دون الإخلال بتركيبة المهام السّــلطاتية و بالتالي المحافظة على مبدأ التعاون بين جميع أركان الشعب دون الإخلال بالنظام العام و استقرار البلد.
لقد بينت المادة 55 من الدستور بأن "سمو الأمير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه" ؛ و أتت بعدها المادة 58 لتحدد بـأن "رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام سمو الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته" ، لتضع هذه المواد مسؤولياتٍ جسام على عاتق من يقبل حمل الأمانة من رئيس و أعضاء مجلس الوزراء كونهم ممثلين لسلطة سمو الأمير و رمز الدولة.
إن الرضا بالتكليف يعني تلقائياً القبول بجميع نصوص الدستور لا سيما ذات الصلة بالمهمام الموكولة والمذكورة في الفصل الرابع المتعلق بالسلطة التنفيذية و خصوصاً المادة 123 "يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية" ؛ و المادة 124 "يعين القانون مرتبات رئيس مجلس الوزراء والوزراء. وتسري في شأن رئيس مجلس الوزراء سائر الأحكام الخاصة بالوزراء، ما لم يرد نص على خلاف ذلك".
وحرصاً على تقدم الدولة وازدهارها و ليكن الجميع مسؤولاً عن النهوض بها ، فلم يغفل المـُشـرّع أن يضع كل المواطنين الخاضعين لحكم سمو أمير دولة الكويت كائناً من كانوا في مقام المحاسبة ، و حتى سمو رئيس الوزراء الذي هو من اختيار سموه فقد ذكرت المادة 100 من الدستور بإمكان استجوابه حين نصت على أن "لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء و إلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام علي الأقل من يوم تقديمه، وذلك في غير حالة الاستعجال و موافقة الوزير وبمراعاة حكم المادتين 101 و 102 من الدستور يجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح الثقة على المجلس" .
ما نحن بصدده ليس درساً في مواد دستور دولة الكويت أو شرحاً لها ، إنما تذكير بأن قبول المسؤوليات العظام في السلطة التنفيذية ليس "فسحة إلى سويسرا" ؛ بل مهمة صعبة و شاقة لها حقوق يجب أن تـُـؤدّى ؛ تبدأ كما جاء في نص المادة 98 من الدستور " تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج" و تنتهي بالنسبة للوزراء عند إحدى المادتين101 "كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته, وإذا قررالمجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فورا..." و 103 "إذا تخلي رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن منصبه لأي سبب من الأسباب يستمر في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تعيين خلفه " .
إن استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء ليس بدعة يبتدعها صاحبها حين يلوح بها ، بل هو حق دستوري لم يـُـفـعـّل سابقاً (و قد يـُـفـعـّل مستقبلاً) وً يحق لأي عضو في مجلس الأمة استخدامه في حدود ما يسمح به الدستور. إن اعتبار التصريحات حول المضي قدماً في استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء بـأنها غير موائمة للوضع السياسي الراهن و تهديد لاستقرار البلد "كلام مأخوذ خيره" ، فالبلد قد هـُدّد استقراره حين تم اختراق الأمن ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم العبث بالتعليم ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم إهمال الصحة ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم تجميد النشاط الرياضي الكروي ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم التسامح مع المتلاعبين في البورصة ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم ترك الحبل على الغارب للجشعين من التجار لرفع الاسعار ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم إرساء العقود بالمليارات دون أدنى ثقة بسلامة الاجراءات ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم السماح لتجار الاقامات من المتنفذين بجلب العمالة السائبة و الهامشية مع سلبهم لكافة حقوقهم المادية و المعنوية ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم توزيع الهبات المادية لمن لا يستحقها تحت كافة المسميات ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم التلاعب بالانتخابات عن طريق العد المشبوه أثناء فرز الأصوات بالحاسوب ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم تهميش الكفاءات ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم توزيع المناصب على من لا يستحقها في إدارات الدولة بنظام المحاصصة و حب الخشوم ؛ و البلد قد هـُدّد استقراره حين تم تم و تم و تم و تم وتم............ و الأهم من كل هذا وذاك فالبلد قد هـُدّد استقراره حين تم إهمال تأصيل مبدأ الدولة المدنية و هوية و كيان المواطن الكويتي "كمواطن كويتي" ولاؤه قولاً و فعلاً و أولاً و أخيراً للكويت و لا لأحد غير الكويت.
لا يعنينا استجواب السيد المحامي حالياً-الدكتور مستقبلاً- النائب أحمد المليفي لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بشيء سواء قدمه أو لم يقدمه ، فما يطرحه لم يفاجئنا و لم يظهر علينا بجديد ، لا بل إننا في مدونة الحلم الجميل و المدونات الأخرى قد نبهنا إليه سابقاً في أكثر من مناسبة و توقعنا ما يمكن أن يثيره من زوبعة في الكويت ؛ مع أن جميع الاحتمالات لما سيحصل معروفة لدينا وأسوءها في حال تقديم الاستجواب هو ما ذكر ضمن نص المادة 102 من الدستور" لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر إلى رئيس الدولة ، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة ، أو أن يحل مجلس الأمة وفي حالة الحل ، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة" .
إن ما يعنينا باختصار و ما نسعى لإصلاحه هو الاستمرار في التخبط في إدارة الدولة و الإساءة إلى الهوية الكويتية عبر تدمير كل ما هو جميل و تجميل كل ما هو قبيح. لو لم يكن هذا الضعف في الأداء الحكومي لما كانت هذه التهديدات بالمساءلة السياسية ذات جدوى ، و لو كانت الحكومة بقوة الصقور لم تكن لتأبه أبداً لنعيق الغربان.
إن الامتثال لأوامر و رغبات و تكليفات سمو الأمير هو شرف يعتز به كل منا ، لكن حين يعلم أحدنا بعدم قدرته على الظهور بالمظهر اللائق فمن الأفضل الاعتذار بطريقة مناسبة و الابتعاد و لو لفترة مؤقتة حفاظاً لمقام من يريد إيكال الأمر له و "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه". و من المناسب في هذا المقال التذكير بما حدث في دولة قطر الشقيقة المشابهة لأوضاعنا و أحوالنا إلى حد كبير وما قام به هناك ولي عهدها السابق الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني من تنازل لأخيه الشيخ تميم عن المنصب في عام 2003 بعد أن كان قد عين به من قبل الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في عام 1996 ، وهذا لم يقلل من شأنه بل العكس زاد من شعبيته و رصيده و ساهم في ذات الوقت في الدفع بمسيرة وطنه إلى الأمام.
هي كلمة نقولها باختصار إيماناً منا و تمسكاً بمقولة أميرنا الراحل الشيخ جابر رحمه الله "الكويت هي الوجود الثابت ونحن الوجود العابر" :
"رئاسة مجلس الوزراء يا سمو الشيخ ناصر أمانة عظيمة لها حقوقها ، فإما أن تنصفها و إلا فاعتذر عنها"

17 comments:

Yin مدام said...

well said!!

:)

bo bader said...

درر !

انت اختصرت كل ما أثير من نقاشات ومقالات في بوست واحد مباشر ومركز .

أتفق معاك ١٠٠ %

تحياتي

lwatan-ajmal said...

تحليل اكثر من رائع
شكرا لك
على فكره سؤال ماله شغل بالموضوع ... جنك ليفربولاوي .. على العموم هاردلك الخساره ::)

Mohammad Al-Yousifi said...

درر

اتفق مع بو بدر

Anonymous said...

اذا كانت خسارة ليفربول قد أخرجت هذه الدرر ! اذا نتمنى المزيد من الخسائر لليفربول حتى نرى المزيد من هذه الدرر !

Yang said...

موضوع جميل جدا ولكن .....

دخول الحمام (تكرمون)مش زي خروجه.

سيدة التنبيب said...

طرح عقلاني رائع بلا تشنج و لا صراخ

أهنئك على حكمتك و أتفق معك تماما
ليت نوابنا ووزراءنا و ناشطينا يمتلكون هذه الحيادية و الصراحة

بروفسور حمادو said...

yin

Thank you very much for your kindness,,

and thanks as well for asking about us while absence


Best regards>>

بروفسور حمادو said...

bo bader

شكرا يالغالي على الثناء ، وأعتقد من الضروري تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية و وضعها بحجمها الطبيعي

القضية الكويتية ليست معقدة و الهم الحالي ليس عسير العلاج ، فقط نحن بحاجة إلى مبادرة جادة تحدث نفضة في عقول الشعب و تضعه في جادة الصواب

تحياتي الحارة لك زميلي الغالي

بروفسور حمادو said...

lwatan-ajmal

ليفربولاوي متعصب ، لكن هااا: غير متزمت

:)

خسارة تونتهام متوقعة لأنه فريق طايح حظه .. ربعنا متعودين عالكبار .. لكن مع هذا هالسنة الدوري رايح أنفيلد رايح أنفيلد
;)

الشكر موصول لك على الإطراء اللطيف

بروفسور حمادو said...

ma6goog

بعض مما لديكم يا بو سلمى

بروفسور حمادو said...

anonymous


ليفربول فريق مظفر منصور و إن اضطرته الظروف للخسارة

للباطل جولة و للحق و ليفربول دولة

و لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

:)

بناء على كلامك اللطيف ، عيل رح اعتزل الكتابة من وراء انتصارات أبناء الأنفيلد المتتالية إلى نهاية الموسم وفوز ليفربول بالرباعية

لكن تعتقد وضع الديرة و سوء الاحوال بيخلونا نستمتع بهذي الانتصارات بنشوة بعيد عن الهموم السياسية؟

تحياتي لك يا زميلنا العزيز غير المعرف ..

بروفسور حمادو said...

yang

حاشاك حاشى السامع ، إحنا عندنا وايد ناس تدش الحمام مستعسرة و تطلع مستعسرة .. مادري ليش محد يبي يطلع خفيف
!!

شكرا لك عزيزي على الثناء

بروفسور حمادو said...

سيدة التنبيب

أختي الفاضلة لكل مقام مقال .. والتقديس الأول بعد الله عز وجل للبلاد لا للأفراد

الحيادية و الصراحة لا تتلازمان أبداً مع المصالح الضيقة أيا كانت فردية أو فئوية مادية أو معنوية فهل نوابنا ووزراءنا و ناشطينا على استعداد للتضحية ؟

ممتن لحسن ظنك بنا

Anonymous said...

بروفسور حمادو said.
ليفربول فريق مظفر منصور و إن اضطرته الظروف للخسارة

!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!

منو مظفر منصور ؟
و متى شرى ليفربول !!؟


اكيد رح يشربهم من يوم و رايح زعيتللو

Anonymous said...

تحيه طيبه للقائمين على هذه المدونه الرائعه
من زمان ما قرينا في المدونات مقال بهذه القوه و الصرحه و الصدق و الالتزام
و اتمنى ان يأخذ هذا المقال حقه من القراءه ، و أن لا ينزل مقال اضافي ، و ذلك حتى يصل المقال للمسؤولين و الى رئيس مجلس الوزراء و كل من يتصدى لمسؤولية الشأن العام
و بصراحه
مثل هاتلمقال كان يجب ان ينزل في جميع الجرائد الخمسه ليقرأه الشعب الكويتي بأجمعه ، فهو نكأ الجرح و رش الملح عليه، فإن آلمنا المقال فنحن نتمنى ان يكون بدء الالتفات للجرح و بداية العلاج نتيجه لهذا الالم

و دمتم سالمين

بوحيـدر said...

السلام عليكم
أولا أشكرك على هذا المقال
ثانيا انا اعتقد إن هذا المقال قاسي جدا على رئيس مجلس الوزراء، فالرجل مستقيم و نظيف ذات اليد ، و ربما يكون الخلل من بطانته ، و ممن حوله ، و لكن لا يجوز أن نحاكمه و ننتقده على أخطاء غيره ، ثانيا الرجل يحاول و بكل قوه تقوية علاقات الكويت بمختلف الدول في جميع اركان العالم ، و لذلك نراه يسافر و يجامل و يتجمل لأجل الكويت ، و نحن لا نعتقد بأن الرجل يده مطلقه لعمل ما يشاء و اتخاذ القرارات كيفما شاء، و لكن يده مغلوله و بهذا لا نستطيع أن نلومه ، فهو رئيس الموظفين الكبار ، و مدير تنفيذي و حتى مختلف الامور التي انتقدته فيها فهي تراكمات لاخطاء اداريه عشعشت من سنين ، و لا اعتقد بأن الشيخ ناصر أو أي بديل شعبي أو غير شعبي سيكون صاحب قرار و يبقى الوضع كما هو عليه ، فلذك لا نقسي عليه لاننا نحس بأنه لا يملك القرار، و الله اعلم