* تنويه : المقال كتب يوم الجمعة ، قبل إعلان الحكومة إلغائها لكذبة أبريل ، أقصد قرار إزالة التعديات و قبل نبأ تقديم إستقالتها و لكنني تأخرت في نشره. الآن أنشره فقط للتاريخ الذي لن يرحم سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح
عاب علي البعض اللهجة أو النفس التي كتبت بها آخر موضوعين سياسيين في المدونة و هما نهاية الدولة و لكل حادث حديث. فاللهجة كانت مفرطة في التشائم و قاتمة و تصور الأوضاع على إنها سيئة للغاية و تتغاضى عن المظاهر الأخري الجميلة في حياتنا. و الأدهي إنها معاكسة لما كنت أكتب و أحلم به سابقاً. 9
حسناً ، لم أود أن أكون عنيداً و أرفض هذا النقد و أبين صوابية ما كتبت. لكن أخذت وقتي في التفكير و المراجعة و إنتهيت الى ما أريد أن أكتبه الآن. 9
حلمنا هو أن تكون هذه الدولة ضامنة للحريات يعيش فيها أفراد الشعب بسعادة و إطمئنان. الرخاء الإقتصادي هو عنوان الدولة. و التقدم التكنولوجي و المعيشي و الخدماتي هو مظهرها. السيادة فيها للأمة التي تعتبر الدستور و سيادة القانون مرجعيتها. الفرصة فيها متكافئة للجميع و التمييز بكافة أنواعه منتفي في مؤسساتها. تنشد العدالة و تكفل الحياة الآمنة لكل فرد منتج إختار العيش على أرضها. يسود فيها الأمن و الحب و الوئام. ترى السعادة على وجوه أطفالها الذين يتلقون أفضل طرق التعليم و يتمتعون بالخدمات الصحية المميزة و ينعمون بمرافق الترفيه المتنوعة. 9
بعيد وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمة الله عليه. أطلقت الوعود بعهد جديد يعيد للكويت رونقها و إبتسامتها المشرقة و أسرف المسئولون في الحديث عن المركز المالي الضخم الذي سيكون همزة الوصل بين الغرب الأوربي و الشرق الآسيوي الذي سيعيد الأمجاد لطريق الحرير. ستنشئ المدن المتمدونة كمدينة الحرير و الصبية و الخيران و تعمر الجزر لتصبح آية الله في أرضه. سنقضي على الفساد و نعيد للقانون هيبته المفقودة. سيكون الإنسان الكويتي هو محور التنمية و ستبدأ مناخات الحريات بالتمدد. 9
تزامن كل هذا مع أوضاع إقليمية إستثنائية تمت الإطاحة فيها بنظام صدام البعثي لنتخلص بذلك من هم أمني كبير. و تدفقت القوات الأجنبية و تجارها الى الكويت التي أصبحت بوابة العراق الجديد. تنقل إليه البضائع و فتحت الأجواء و إرتفعت نسبة إشغال الفنادق و عادت الكويت الى خارطة الأحداث من جديد. و في نفس الوقت إرتفعت أسعار النفط بطريقة إستثنائية فتضاعفت موارد الدولة و بات الجميع يتكلم عن التنمية و إستغلال هذه الفوائض المالية الضخمة. 9
و في غمرة ثورة الإتصالات و تكنولوجيا المعلومات ، أصبح العالم قرية صغيرة تنتقل فيها الأخبار و الآراء بسرعة فائقة و أصبح الإعلام بكافة أشكاله هو سلاح الأمم. فأقرت قوانين جديدة كقانون المطبوعات و حقوق المرأة السياسية و ألغيت أخرى كقانون التجمعات لتدشن بذلك مرحلة جديدة لم تسبق للكويت أن ألفتها في حرارة و حجم التعاطي السياسي مع القضايا المحلية و الإقليمية. أصبح الجميع لديه رأي ، و هذا الرأي إما مكتوب أو مسموع او مقروء. يطرق الأبواب بلا إستئذان و يدخل العقول قبل القلوب. 9
حينها ، تراءت أحلامنا أمام ناظرينا و صدقنا الوعود ، حتى كشرت فوى الفساد عن أنيابها يوم خضنا معركة الدوائر معها. توحدت الكويت تحت الشعار البرتقالي. و إختفت قوى الفساد التي عرفناها بالإسم تحت اللون الأزرق الذي كان وهمياً. السلطة يومها إنتصرت للفريق الأزرق في جلسة الخامس عشر من مايو 2006. إنتفض الشعب و أراد أن يوصل كلمته. و في التاسع و العشرون وصلت الكلمة. لتوافق الحكومة على تعديل الدوائر كمدخل للإصلاح السياسي و نُظّفَت الحكومة (أو هكذا تراءى لنا) من رموز الفساد. ليغمر الأمل قلوبنا من جديد و ترتفع مستوى التوقعات في ذلك الغد الجميل. 9
منذ ذلك الحين و نحن نرى الهجمات المعاكسة لرموز الفساد. كيف تحاول ان تتغلغل مرة أخرى و تعود. بمساندة كاملة من السلطة. و أصابتنا الشيزوفرينيا و نحن نرى حكومة الشيخ ناصر المحمد و هي تخترق مرة تلو الأخرى و تظهر بوجهين كما كان الحال لدكتور جيكل و المستر هايد ، تقول شيئاً في الصباح و تفعل نقيضه في المساء. 9
هذه الحكومة التي حاولت الدفاع عن علي الجراح و تصريحه المشئوم. الحكومة التي رفضت قانون شركة الإتصالات الثالثة و التي درت مئات الملايين من الدنانير على الدولة. الحكومة التي لا تقدر على مواجهة إسطبل الشهيد لتطبيق قوانين الرياضة. الحكومة التي سكتت عن مخالفات المعتوق و دورت بدر الحميضي و لم تعين وزير أصيل للنفط عما يزيد عن السنة. الحكومة التي حلت وزارة التخطيط و لم تتقدم بخطة التنمية الموعودة حتى يومنا هذا في مخالفة دستورية واضحة. الحكومة التي سكتت عن تجاوزات دورة الخليج السادسة عشر و المبنى الأولمبي الآسيوي و خبر الأهرام. الحكومة تتغنى بسيادة القانون و مسطرة ديوان المحاسبة و عجزت عن مواجهة المتنفذين في المنطقة الحرة و عريفجان و الصبية و مبنى المارينا بل و مسحت هيبة القانون فيما يتعلق بتجاوزات الدواوين في المناطق السكنية. الحكومة التي تقر مكرمة أميرية قدرها مائة و عشرين دينار لتأتي و توقفها بعد أيام قليلة. 9
هذه حكومة دولة الكويت التي كنا نحلم بها. حكومة يوم الأثنين كما قال أحد الأصدقاء. فهي تجتمع صبيحة الأحد لتقرر. فيستمر تأثير هذا القرار الى الإثنين فقط. ليجتمع مجلس الأمة يوم الثلاثاء فتخاف الحكومة من ظلها و تهرب و تدور حول نفسها بلا رأس كما هو الحال بالنسبة لدجاجة براقش. فتلغي قرارها يوم الأربعاء و تنصرف الى شاليهاتها يوم الخميس لتترك المواطن في حيرة ٍ من أمره. 9
حان الوقت لنرفض هذا العبث. فهذا ليس ما كنت أحلم به و كتبته في بداية الموضوع. ترتكب هذه الجرائم بحق الوطن و بحق مستقبل أطفالنا و تبرر تحت عنوان مكافحة عودة رموز الفساد ! لأكون واضحاً : لن نسمح بعودة رموز الفساد فهؤلاء لفظهم الشعب الكويتي بلا رجعة. لكنني أتساءل هنا ، هل ما يجري اليوم هو بمثابة جزاء للشعب الكويتي على موقفه هذا؟ خصوصاً بعد أن رأينا كيف ينظر أحمد الفهد و يخطب بدعوة كريمة من قائد التيار الليبرالي - أخاف صج؟؟!! - و حامل لواء المعارضة السيد محمد جاسم الصقر. و رأينا كيف يرعى أحمد الفهد أنشطة حدس بمناسبة و بغير مناسبة. و كيف يقيم مهرجانات مزايين الإبل و يوزع العطايا على كريم شانتيه المجتمع. و كيف يساند وليد الطبطبائي و محمد باقر المهري في خلافهما الديمقراطي ! لكن حين يتعلق الأمر برئيس مجلس الوزراء و أدائه الضعيف فإننا ننسى كل شئ و نتذكر أحمد الفهد و لا شئ سواه و نستذكر كلمة عبدالله الرويشد و هو يصدح ،، تصور لو خلت هالدنيا من غيرك ! 9 9
من وزر جابر الخالد و أبعد جابر المبارك عن سدة وزارة الداخلية؟ هل من أقترح هذه التشكيلة هو ناصر المحمد أم احمد الفهد؟ من صبر على صباح الخالد و صمته في وزارة الشئون و تهربه من المواجهة في ما يخص قوانين الرياضة و نقله لوزارة الإعلام ليمارس نفس الدور تماماً في أزمة التأبين المشئوم؟ من جعل عبدالله المحيلبي جوكراً يتنقل بين خمس وزارات و كأنه الحل السحري لمشاكل البلد؟ و من صمت على مخالفات فلاح الهاجري الذي يتخبط في مكافحته للغلاء و قانون هيئة سوق المال و تفرغ فقط لتعيين عوير و زوير من أبناء قبيلته المبجلة؟
أنا لن أسمح لأحد بأن يقتل هذا الحلم فيني. لن أخفض من حجم طموحاتي و توقعاتي لأطفالي. سأظل أحكي لهم عن ذلك الوطن الجميل الذي كان. سأظل أرفض الأخطاء مهما كبرت أو صغرت. لن أبررها تحت أي مسمى كان. 9
كل يغني على ليلاه من القوى السياسية المستفيدة من سوء الأوضاع و ضعف الحكومة. فهي تحاول مقايضة أي شئ بأي شئ. حدس ترفض حل المجلس فلديها ستة نواب منهم نائب لرئيس مجلس الأمة و وزير سمح لهم بالتمدد في القطاع النفطي. التحالف الوطني وزر بعضاً من أصدقاءه و يخوض معاركه الوهمية محاولاً بأن يضحك على ذقون مريديه و يدافع عن رئيس مجلس الوزراء برغم كل الأخطاء الشنيعة بل و يخاطبه بكل حنية في إفتتاحيات صحيفة الجريدة. و التكتل الشعبي و ضمير الأمة رأى في ضعف الحكومة فرصة ذهبية لحصد المزيد من التجاوزات و شرعنتها و إتباع سياسة الصوت العالي لترهيب الوزراء. و بو راكان ما زال يتأمل الخير في القوى الوطنية التي خذلت أحمد المليفي و رأينا مشاري العنجري يدافع عمن أوصلنا الى سوء الأوضاع هذا !! و أقول لبو راكان ، القوى الوطنية التي تحاول أن تستنهضها هي نفسها من خذلتنا في الثمانينيات و المكتوب يقرأ من عنوانه ، لا فائدة ترجى في هؤلاء المصلحجية !! 9 9
ذكرني بعضكم بمقولة المرحوم أحمد الربعي "تفائلوا فالكويت ما زالت جميلة" ، بل و عنونها كمقالته في رثاء الدكتور. حان الوقت لي أن أذكركم في مقولة أخرى للدكتور الربعي حين كان يواجه أعداء الكويت على الفضائيات : 9
إنني أنتقد من أريد ان أنتقده و أتكلم بحرية بالكويت و أذهب الى بيتي و أنام من غير خوف أن يصيبني شئ
اليوم أصبحت هذه الكلمة ليس لها مكان في قاموس مباحث أمن الدولة كما قال صديقنا فريج سعود. فرحمة الله عليك يا دكتور عندما إختفت مصادر فخرنا في هذا الوطن. كويت اليوم ليست مثل كويت الأمس. كويت ناصر صرخوه تختلف عن كويت أحمد الربعي. فكويت الأمس إحتضنت شاباً نحيلاً ماركسياً سجن في عدن و زرع القنابل الصوتية و أرشدته الى الطريق الصحيح ليتخرج دكتوراً في الفلسفة الإسلامية من أرقى الجامعات (هارفارد) ليربي و يعلم الأجيال و يلهم الشباب بل و أصبح وزيراً في حكومة دولة الكويت. حولته من خريج سجون الى دكتور جامعي محترم يشار له بالبنان و يصدح بالحق مدافعاً عن وطنه في كيل ميدان. نعم هكذا تبنى الأوطان. لكن كويت اليوم على العكس ، تلقي الدكتور الجامعي المحترم (صرخوه) بالسجن و كأنه مجرم. ولم يشفع له علمه و حصوله على جائزة الدولة التشجيعية مرتين و لا دوره في المجالس النيابية. 9
إنه ليس التشاؤم يا رفاق. إنه الرفض لما يجري لهذا الوطن حين تستباح حرماته و تهدر موارده و تقتل سعادة أطفاله. إنه نفس صوت المعركة الذي علا سابقاً في مواجهة من لم يتحلى بالنزاهة. الفارق اليوم ، هو إننا نواجه من يتحلى بالنزاهة و لكنه لا يتحلى لا بالكفاءة و لا الشجاعة. 9
أسألكم و أنا أستصرخ عقولكم ، هل أصبح إبعاد أحمد الفهد و رفاقه هو منتهى طموحنا؟ هل هذه هي قضيتنا الوطنية الأولى أم هي التنمية التي توقفت في ظروف إستثنائية شرحتها في صدر الموضوع و لم يستغلها سمو الشيخ ناصر المحمد؟ ولم إخترنا إبعاد أحمد الفهد؟ هل ذلك لأننا لا نحبه و نعتقد بأننا أكثر وطنية منه؟ أم لأننا نعتقد بأن مشروعه و أفكاره تختلف عن رؤيتنا لكويت الديمقراطية و القانون و النزاهة؟ الآن هل وجود هذه الحكومة بأشخاصها و رموزها و ممارستها حقق لنا مزيداً من الديمقراطية أو فرض سيادة القانون و ضمن النزاهة في العمل؟
للأسف أرى الغشاوة تحيط أعينكم في مظاهر البهرجة الزائفة. هل تعتقدون أن رقي الأمم يكمن في وفرتها المالية التي تعتمد على نفط ناضب؟ إن التنمية الحقيقة تكمن في إحترام الإنسان الكويتي. للأسف ، للأسف ،، للٍأسف ،، قلبي يعتصر حين أرى نوائب الأمة و راقصي حفل الزار يهيجون و يطالبون بإقامة المقاصل و إستجواب رئيس مجلس الوزراء من أجل زيادة تبلغ قيمتها خمسون ديناراً. و يستنكر الجميع حين يطالب شخصٌ شريفٌ إستجواب رئيس مجلس الوزراء أو إقالته عندما تنتهك آدمية البشر ! أصبح ثمن الإحترام يقل بكثير عن خمسين دينار. أصبح شغلنا الشاغل زيادة رواتبنا التي تصرف بحلول العاشر من شهر و تذهب فداءً لقرض طويل الأجل يجعلنا ذليلين و رهيني عطف الحكومة علينا. 9
نحن نرفع العقال مع الدكتور ساجد العبدلي لك يا أحمد المليفي ، رجل في زمن عز فيه الرجال ،، و ليذهب العنجري و البراك و البصيري و كل من دافع عن هذه الحكومة الا إصلاحية الى الجحيم. سنكون معك يا بو أنس نغرد خارج السرب ، أما أنتم يا أعزائي ،، فأنتم من أرتضيتم هذه المعايير المعيشية و قبلتم بها بحثاً عن سعادة زائفة فلا تلوموا إلا أنفسكم ! 9
الكويت تستاهل أكثر من ذلك بكثير ،، فلا تتخلوا عنها ،، و أرفضوا سوء الأوضاع ،، و أسمعوهم صوتكم ! 9